عزة الحاج حسن
لم يسلك القيّمون على ملف النفايات في لبنان طريقاً للتخلص منها، طيلة السنوات الماضية، غير الطمر، أسوة بالعديد من دول العالم، غير آبهين باختلاف نتائج “الطمر” بين دول تستخرج الغاز من معالجة النفايات بالطمر لتنتج كهرباء، وبين لبنان الذي يغض المعنيون فيه أبصارهم عن آلية طمر النفايات المتبعة فيه والتي تفتقد لأدنى المعايير الصحية والبيئية.
ولأن طمر النفايات لا يهدف فقط الى التخلّص منها، مع مراعاة الصحة العامة وسلامة البيئة، بل أيضاً الى تحقيق مكاسب مادية، لاسيما لجهة استخراج الغاز منها وتحويله الى طاقة، وضعت المنظمات الصحية والبيئية العالمية شروطاً ومعايير لطمر النفايات، تضمن طمراً آمناً، وتجنّب المناطق المحيطة بالمطامر أي مخاطر صحية. غير أن “النسخة اللبنانية” من المطامر، لم تعنيها الشروط الدولية، ولم يكترث المعنيون، بالمخاطر الناجمة عن سوء استخدام المطامر، فكانت الحلول تدور دوماً في فلك الإنتقال من مطمر الى آخر، من دون مراعاة الآلية السليمة للتخلص من النفايات، من هنا وُلدت أزمة مطمر الناعمة في لبنان.
وعلى الرغم من أن مطمر الناعمة يراعي في إنشائه الشروط الصحية، إلا أن شركة سوكلين التي تجمع يومياً مئات الأطنان من النفايات المنزلية الصلبة والعضوية من بيروت الكبرى وجبل لبنان، تقوم بطمرها في مطمر الناعمة من دون القيام بعملية إعادة تدويرها وتسبيخها(التخمير الهوائي للمواد العضوية) قبل طمرها، إضافة الى قيامها بالعديد من الإجراءات المخالفة لأصول الطمر، خصوصاً لجهة تجاوز كمية النفايات المطمورة في مطمر الناعمة قدرة الأخير الاستيعابية.
أما بالنسبة الى الدول التي تعتمد الطمر طريقة للتخلص من نفاياتها، فهي تعمل في البداية على الحد من كميات النفايات، عبر فرزها وإعادة تدوير ما يمكن تدويره منها، وتقليص حجم الكميات المتبقية عبر ضغطها، ثم طمرها في حفرة ملائمة وموافقة لكمية النفايات المراد طمرها، وتغلف الحفرة من جوانبها الداخلية وفي قاعها بطبقة من الإسمنت ومن ثم بطبقة من البلاستيك الصلب، بهدف تفادي تسرب المواد السائلة الناتجة من تحلل النفايات إلى جوف الأرض، للحفاظ على سلامة المياه الجوفية. كذلك من الضروري احترام بعض الشروط في عمليات الطمر، كأن تكون المطامر بعيدة عن التجمعات السكنية، ومرتفعة عن المسطحات المائية بمساحة لا تقل عن 500 متر، وأن تكون كمية المتساقطات قليلة في المنطقة المعنية.
معظم الشروط العالمية الموضوعة لسلامة عمليات طمر النفايات، تغيب عن “النموذج اللبناني” لاسيما لجهة فرز النفايات، الذي اعتبرته رئيسة “جمعية بيبلوس ايكولوجي” فدوى كلاب، أساساً لمعالجة النفايات، ورأت في حديثها الى “المدن” أن الكلام عن استحداث مطامر في لبنان أو التمديد لمطمر الناعمة، من دون العمل على فرز النفايات، ومعالجتها بالطرق الصحية، يبقى كلاماً عن حلول مخالفة لشروط السلامة العامة، وغير ذي جدوى.
وإذ أصرّت كلاب على أن “لا حلول” من دون فرز النفايات، أكدت أن طريقة الطمر العشوائية المُتبعة في لبنان عموماً وفي مطمر الناعمة خصوصاً، تتسبب بالكثير من المشاكل البيئية، منها انبعاث غاز الميتان بسبب طمر المواد العضوية بطريقة غير سليمة، “والأخطر من ذلك هو طمر النفايات الطبية وبقايا المواد الالكترونية التالفة، وهو ما يُعتبر سبباً أساسياً لانتشار ملوثات خطيرة على الصحة العامة كالديوكسين والمعادن الثقيلة المسببة للأمراض السرطانية”.
في الوقت الذي يتّجه فيه العالم الى التقليل من مساحة الأراضي المستخدمة كمكبّات أو مطامر للنفايات، لاسيما المصنعة من مواد غير عضوية والتي تأخذ وقتاً طويلاً لتتحلل وتندمج في التربة قد يصل إلى عشرات السنين، يختلف اللبنانيون على أماكن استحداث مطامر جديدة، متجاوزين بذلك كل نقاش حول جدوى المطامر.