Site icon IMLebanon

الكهرباء والنفايات من أزمة حياتية إلى مأساة وطنية

waste-5

تشهد بيروت والمناطق أسوأ أزمة تقنين في الكهرباء في السنوات العشر الأخيرة، حيث تراجعت التغذية بأرقام قياسية ضربت كل الأرقام بما فيها أرقام سنوات الحرب الطويلة السابقة التي عاشها لبنان، وبما في ذلك فترات العدوان الإسرائيلي في العام 1982 وفي العام 2006، حيث حوصرت بيروت والمناطق لأشهر طويلة وضربت بعض المحطات، وتقطّعت الأوصال، مروراً بالحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975، حيث استمر لبنان ببيع الكهرباء لسوريا حتى العام 1978. التقنين في بيروت فاق الـ 14 ساعة، وفي المناطق تخطّى 16 ساعة مع عدم انتظام فترات التغذية.

وكان اعتراف وزير الطاقة ارتور نظريان والمدير العام للكهرباء كمال حايك بأن الأزمة تحتاج إلى قرارات سياسية لمعالجة السرقات والتعليقات في مناطق خارجة عن إطار سلطة الدولة، حيث يرتفع الهدر وتتراجع قدرات الدولة على إزالة التعطيل، لأسباب مختلفة ومعظمها غير مقنع سوى خدمة المافيات وأصحاب المولدات الخاصة المسيطرين على شبكة الدولة. وكان يمكن للدولة أن تستعين بزيادة إنتاج البواخر بحوالي 100 ميغاوات، حتى أزالة الاعطال، مع العلم أن البواخر تؤمن حالياً 280 ميغاوات، وهي قادرة على إعطاء 400 ميغاوات عند الحاجة.

أما الحديث عن العدّادات الذكية فيبدو أن هناك نية ومصالح بعدم تركيبها قبل زيادة الإنتاج في المعامل المعطلة، أو التي هي على طريق التعطيل، مما يبشر بطول فترة الأزمة خلال فصلي الصيف الحالي والشتاء المقبل، مع ازدياد حاجة الاستهلاك، في ظل توقف أعمال تركيب المعامل والصيانة غير المعروفة النتائج في كل المعامل، من البداوي والزهراني ومن ثم الذوق والجية.

يذكر أن إنتاج الكهرباء الحالي يقدر بحوالي 1400 إلى 1500 ميغاوات، مع العلم أن الحاجة هي لحوالي 3100 ميغاوات في فترة الذروة، وهذا مؤشر أولي على استمرار التقنين، نتيجة استمرار نمو السرقات على الشبكات، التي تتخطّى 54 في المئة في العديد من المناطق. هذا مع تأخّر تأهيل وتطوير المجموعات في معملي الجية والذوق، بطاقة حوالي 80 ميغاوات لمعمل الجية وحوالي 130 ميغاوات لمعمل الذوق. ناهيك عن توقف العمل في إنشاء معمل دير عمار الجديد لأسباب خلافية بين الشركة (الشركة القبرصية اليونانية)، والدولة اللبنانية على موضوع احتساب ضريبة القيمة المضافة، لجهة تضمينها كلفة العقد، أو تحميلها للشركة من جهة، وبسبب خلافات أخرى، مما سيجعل الشركة الملتزمة قادرة على مقاضاة الدولة والحصول على تعويضات من الدولة،على الرغم من عدم تركيب المعامل، مما أوقف عمليات بناء المعمل وطاقته حوالي 450 ميغاوات، علماً أن هذا المعمل لزّم بحوالي 57 مليون دولار تقريباً، أيام الوزارة السابقة.

هذا التردّي في الإنتاج رفع ساعات التقنين، وزاد أعباء المواطنين من المشتركين البالغ عددهم حوالي المليون و350 ألف مشترك، حيث انتشرت وانتعشت تجارة المولدات الخاصة، وتعدّدت الفواتير لتأمين الكهرباء، في حين يبلغ العبء الشهري لفاتورة الكهرباء، بين اشتراك المولّدات الخاصة وكهرباء الدولة، ما يتخطّى نصف الحد الأدنى للأجور، حسب تأكيدات المواطنين المشتركين بخمسة امبير، وتصل الكلفة مع فاتورة شراء المياه للخدمة، ومياه الشرب إلى ما يتخطّى الحد الأدنى للأجور البالغ 675 ألف ليرة شهرياً. مع الإشارة هنا إلى ان انقطاع الكهرباء يساهم في صعوبة نقل المياه، وجرّها إلى المنازل وهي تحتاج كلفة مولدات إضافية.

أما الصرخة الكبرى، فتتعلق بالضرر المباشر وغير المباشر، لجهة فساد الأطعمة والمأكولات في برادات الفقراء العاجزين عن تأمين الاشتراكات في المولدات الخاصة، والعاجزين أصلاً عن امتلاك القدرة على تنويع مصادر الطاقة.

الحل يبقى اولاً بتحسين الانتاج ووقف تنفيعات المرجعيات الخاصة والسرقات والتعليقات. ومن ثم المباشرة بتركيب العدادات الذكية، التي تحد من الهدر والسرقات على الشبكات، وتحول العجز المتراكم إلى توازن، حتى لا نقول الارباح في المرحلة الأولى. وكان يفترض ان تبدأ عملية تركيب العدادات الذكية هذ السنة، على الرغم من التأخر، إلا أن «مافيات استثمار الطاقة، وأصحاب النفوذ في المناطق كافة، بالتواطؤ مع الفعاليات، يضعون اليد عليها، ويؤخرون ذلك لتحقيق المزيد من الفوضى، والكسب على حساب خسائر المواطنين والخزينة. إن تركيب 1.2 مليون عداد للمشتركين بكلفة محدودة، يؤمن عائدات كبيرة للدولة، ويوفر العجوزات المستمرة من دون توقف، وتآكل أكثر من 50 في المئة من عجز الموازنة العامة للدولة.

في حسبة بسيطة

كل ذلك يحصل على حساب تحميل المواطن والخزينة اعباء كبيرة ومتزايدة، نتيجة السياسات المعتمدة من قبل الوزارات المتعاقبة، منذ بداية الثمانينيات وحتى اليوم، حيث تزيد النفقات على الكهرباء وعجزها سنوياً، مقابل تراجع ساعات التغذية وتعدد الفواتير، بين المولدات الخاصة وفواتير الكهرباء ووسائل الإنارة الذاتية للمنازل والمؤسسات، ما يحمل قطاعات الإنتاج الكثير من الأعباء ويقعدها عن المنافسة وفرص التصدير نتيجة الكلفة المرتفعة. بمعنى آخر وأدق فإن المواطن بات مع اشتداد موجة الصيف الحالية والشتاء الماضي يدفع ثلاث فواتير للكهرباء، تأكل أكثر من الحد الأدنى للأجور.

إن تأمين التيار الكهربائي يعتبر الخدمة الأدنى في لبنان، بالكلفة الأعلى على المواطن والمستهلك اللبناني، من دون تمييز بين الدخل الأقل والمردود الأعلى.

في المعلومات يمكن التوقف عند ظاهرة بسيطة، هي أن مؤسسة كهرباء لبنان حتى بداية الثمانينيات، وتحديداً تاريخ الاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، كانت تتمتع بحساب إيجابي في مصرف لبنان، بمعنى أنها لم تكن دخلت حلقة العجز الجهنمية، التي استمرت منذ اواسط الثمانينيات وحتى اليوم، حيث بدأ رقم العجز يتزايد بشكل سنوي، بفعل ارتفاع الكلفة، وتزايد المشتركين، وكثافة المناطق وتزايد السرقات على الشبكات، مع ارتفاع كلفة الدعم. فعلى أساس سنوي، ومنذ بداية العجز، تبعاً لعوامل عدة منها ارتفاع اسعار النفط، ومنها الهدر والسرقات على الشبكات، والتلزيمات والسمسرات على المجموعات والمعامل الجديدة، والهدر على الشبكات، التي أكلت حتى الآن حوالي 22.3 مليار دولار، قيمة العجوزات المتراكمة حتى العام 2015، مع احتساب جزء من كلفة الفوائد على تراكمات العجز، الذي بات يشكل حوالي 42 في المئة من كلفة الدين العام المتراكم على الدولة، لكون عجز الكهرباء سنوياً يقارب 2.1 مليار دولار سنوياً، استناداً إلى كلفة موازنة كهرباء لبنان المقدرة في الأعوام الأخيرة بين حوالي 4100 مليار ليرة.

الكهرباء في لبنان مأساة وطن

] تجاوزت نسبة العجز في القطاع الكهربائي 50 في المئة من عجز الموازنة لأول مرة في تاريخ لبنان.

] استمرار تزايد، وبوتيرة تصاعدية، نسبة الدين العام العائد للقطاع الكهربائي من الدين العام الإجمالي ووصولها إلى 50 في المئة مع العامين 2017ـ 2018، حيث يفوق عجز الكهرباء المتراكم 25 مليار دولار من أصل حوالي 69 ملياراً إجمالي دين الدولة.

] استمرار عقم مجمل المعالجات على الصعيد التخطيطي، التقني، المالي، الإداري والقانوني.

] في مجال المعالجة التقنية:

ـ إنتاجاً: ما زال ما يزيد عن نصف إنتاج الكهرباء قائم على المازوت (أعلى كلفة إنتاج عالمياً) والنصف الآخر يعود إلى معامل ذات إنتاجية متدنية وأعمارها تجاوزت خمساً وعشرين سنة.

ـ نقلاً: ما زالت معظم الخنقات في النقل قائمة، انطلاقاً من المنصورية إلى البقاع (وقد تحوّلت مناقصة محطات بعلبك وصور إلى حكاية إبريق الزيت قديمة متجددة).

ـ توزيعاً: اصطدام مشروع مقدّمي الخدمات والشبكة الذكية مع السدود المنيعة في ترهل الإدارة أو فسادها (لجنة إدارة المشروع مستقيلة منذ أكثر من سنة، جدولة المشروع التنفيذية مجمّدة لأكثر من ستة أشهر).

ـ في الإطار القانوني والمؤسسي:

في هذا الإطار يبقى السؤال الأكبر: كيف يسمح الحكم/ الطبقة السياسية/ المجلس النيابي/ مجلس الوزراء، أن يبقى قطاع يستنزف 50 في المئة من عجز الخزينة ويقارب الـ50 في المئة من مجمل الدين العام، ويبقى أسير قانون الخصخصة النائم خمسة عشر عاماً، مع وقف التنفيذ، وقانون معدل من أربع سنوات في أدراج مجلس الوزراء، وينتهي عباقرة القانون والتشريع إلى إنتاج قانون يسمح للحكومة بإشراك القطاع الخاص في بناء معملين كهربائيين عبر صلاحيات خاصة لمجلس الوزراء؟ وكم هي بديهية الأسئلة المتبقية:

ـ المعامل الجديدة ستنتج طاقة كهربائية تنقل عبر شبكة نقل مملوءة بالاختناقات، هذا في حال حصول زيادة الانتاج المتأخرة لفترات طويلة عن مواعيدها النظامية والقانونية الملحوظة سابقاً؟

ـ الكهرباء المضاعفة ستوزع من خلال شبكة توزيع ينتهي القطاع الخاص من إدارتها بعد سنتين (إذا تمكّن من استكمال السنتين)؟

ـ الطاقة الكهربائية الجديدة سيتم هدر 30 في المئة من جبايتها؟ وستدعم بأكثر من 75 في المئة من كلفتها!

ـالمعامل المستحدثة والمتوقعة، ستشكل نصف طاقة إنتاجية لبنان، ضمن غياب قوانين مراقبة؟ وبأية هيكلية إدارية؟

ـ وتيرة العجز المالي ستزداد تصاعداً في غياب العمل الإداري المكافح للهدر والتنفيعات السياسية التي تحكم كل المشاريع.

العدّادات الذكية تكافح الهدر والسرقات

أين العدادات الذكية لوقف هدر الكهرباء والحدّ من السرقات والتعليق على الشبكات وتحسين جباية العائدات. وهي جزء أساسي من مشروع تلزيم الخدمات وتحسين الأداء حسب المشروع المنفذ حالياً؟ فتركيب العدادات الذكية من شأنه أن يقلّص معدلات الهدر من 38 و40 في المئة إلى أقل من 15 و20 في المئة ويحسن إنتاجية ومردود الكهرباء ويخفف الهدر بحوالي 1200 مليار ليرة من شأنها أن تحسّن التغذية.

هذا قبل الحديث عن موضوع زيادة التعرفة، فتعرفة الكهرباء اليوم موضوعة على برميل نفط بسعر 25 دولاراً وهو وصل في بعض المراحل إلى أكثر من 100 دولار.

هذا الواقع كلّف الكهرباء من دون الهدر والسرقات عجزاً بحوالي الملياري دولار سنوياً إذ تفوق موازنة الكهرباء حوالي 4100 مليار ليرة، بينما الإيرادات، على الرغم من تحسين الجباية 8 و10 في المئة من قبل شركات الخدمات، تصل إلى حوالي 1600 مليار ليرة في أحسن الظروف على التعرفة الحالية المدعومة بأكثر من 50 إلى 60 في المئة.

فمن سيتخذ القرار بوقف الهدر وتركيب العدادات الذكية التي كان يفترض أن يبدأ تنفيذها منذ فترة بواقع حوالي المليون و200 ألف عداد تكافح الهدر والسرقة بحوالي 40 في المئة عن الوضع الراهن؟

وهكذا تبقى الكهرباء مأساة وطن؟

قصة النفايات: معالجات قديمة تصلح اليوم

أما قصة النفايات فجاءت في الوقت السيئ، من حيث انقطاع الكهرباء وارتفاع الحرارة، مع تفشي الفراغ في المؤسسات العامة والمؤسسات الدستورية، وضياع المسؤولية بين الحكومة وغياب الادارات الفاعلة. فالفراغ على انواعه ملأ الشوارع بالنفايات والروائح الكريهة التي تعكس صورة الوضع السياسي وأداء السياسيين والقيمين على أمور البلاد، من حيث السمسرات والعمولات والتشبيح بخطوات ابتزازية للقطاعات والمؤسسات لتحسين المداخيل الشخصية، وليس مداخيل الدولة وتفعيل ادارتها، من مشاريع الطاقة والمياه إلى قضايا الكهرباء. لقد باتت الدولة عاجزة عن رفع النفايات من فوق اراضي وساحات الشوارع، كما هي عاجزة عن البحث واستخراج النفط من تحت الأرض. لقد باتت الدولة في اجهزتها عاجزة من فوق الارض ومن تحتها ومن على اعمدة الكهرباء المعلقة. كل ذلك يحصل من دون التفكير في المردود والاعباء على الوطن في قطاعاته ومواسمه الصيفية والشتوية، كذلك على المواطنين على مختلف مستوياتهم.

ان قصة النفايات ومعالجتها في لبنان قديمة، وقد بدأت في العام 1969، حيث كان كمال جنبلاط وزيراً للداخلية وأنشأ معمل الكرنتينا بعد مناقصة تمّ تلزيمها لشركتين إحداها شركة (O.D.A) الفرنسية وشركة «بوتيك».

المعمل كان يقوم بمعالجة النفايات وطاقته لحوالي 700 طن يومياً، هي عبارة عن نفايات بيروت، ولما لم يكن هناك أراض في بيروت، فقد انشئ معمل مكب النفايات في الكرنتينا والذي كان يستقبل نفايات العاصمة في ذلك الوقت. وكان المعمل يقوم بعملية الفرز، فيتحول قسم إلى حريق وقسم يحول إلى سماد عضوي والقسم الثالث يباع (كرتون ومواد أخرى قابلة لإعادة التدوير).

هذا العمل كان يُدار بواسطة شركة (O.D.A) الفرنسية وكان المقابل 10 دولارات عن معالجة كل طن، في حين ان أجور العمال والكلفة الخاصة بالعاملين فكانت تتحملها بلدية بيروت.

استمر العمل بهذا المعمل طوال سنوات ما قبل الحرب الأهلية. ثم تولّت هذا المعمل شركة سوكلين في الكرنتينا من أجل فرز النفايات.

لقد أقيم هذا المعمل على مكبّ النفايات، وهو ما زال في القسم الأكبر منه، حتى اليوم بحالة جيدة. وهو يمكن تأهيله للقيام بالعملية المطلوبة بشكل أكبر. مع الإشارة إلى أن هذا المعمل كان من أكبر معامل معالجة النفايات في المنطقة وبمواصفات دولية.

بعد ذلك جاء معمل العمروسية، ولم يكن بنوعية المعمل الأول، حيث بدأت الروائح تضايق السكان والجوار فتم إقفاله من قبل الأهالي بعد احتجاجات.

بعد ذلك جاءت عملية استيراد معملين لمنطقة الدورة وفرن الشباك، حيث تم شراء هذه المعامل، ويقال إنها لم تصل على الرغم من دفع أثمانها في حينه.

بعدها جاءت الطروحات الجديدة، وهي يمكن أن تكون بمثابة العمل الجدي في إنشاء معمل نفايات في عكار على مكب النفايات، الذي يفترض أن يقام على الساحل في مكان لا يلوّث، وعلى مساحة مليون متر مربع، وذلك بإنشاء معامل للأسمدة ومعامل تنتج الكهرباء. ويقوم المشروع على أساس أن الدولة تستملك العقارات والبلديات ترسل نفاياتها إلى عكار مقابل دفع 10 دولارات عن كل طن.

وهذا يعتبره البعض جوابا على قضية الإنماء المتوازن، بمعنى أن لا ينفرد أحد بالغرم او بالغنم. على اعتبار ان ما كان يدفع في الناعمة حوالي 7 دولارات للطن.

هذا الأمر يتطلب وجود هيئة ناظمة لضبط موضوع النفايات. وهذا ما يجري تداوله مع اتحاد بلديات عكار لإدارة النفايات والإشراف مع الدولة لعدم إحداث أي ضرر بيئي.

وفي إطار البحث عن الإنماء المتوازن، فمعروف أن عكار بحاجة إلى إنجاز الأوتوستراد العربي، ومطار رينيه معوض في إطار تحقيق الإنماء المتوازن.

فعندما تستملك الدولة المليون متر تحرّر نفسها والمنطقة من إمكانية الابتزاز والمقاولين والسماسرة وتخلق مجالاً للتمنية .

عدنان الحاج