في نهاية الأسبوع الماضي، صدرت أحدث بيانات المؤشرات الاقتصادية للصين لتزداد التوقعات تعقيدا بشأن أداء الاقتصاد الصيني في النصف الثاني من العام الجاري. ويرى المحللون أن ثمة عوامل محلية ودولية تقف وراء ما شهدته هذه المؤشرات مؤخرا من تقلب، مؤكدين أن حفاظ الصين على نمو اقتصادي مستقر ومواصلتها لخطوات الإصلاح المالي من بين أفضل المسارات للتغلب على المناخ العام القاتم والخروج من بوتقة الضغوط المتصاعدة من مختلف الاتجاهات.
— الواقع: ضغوط دولية مختلفة
وقال المحللون إن المؤشرات تبين بوضوح الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الصيني، ولكنهم قللوا في الوقت نفسه من القلق المفرط الذي يساور بعض الجهات ووسائل الإعلام الدولية في هذا الصدد.
وأفادت البيانات الصادرة عن مصلحة الدولة للإحصاء يوم الأحد بأن مؤشر سعر المنتج في الصين واصل انخفاضه ليتراجع بنسبة 5.4% على أساس سنوي في يوليو، فيما كانت نسبة الانخفاض 4.7% في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري. وهبطت قراءة شهر يوليو إلى أدنى مستوى لها منذ نهاية عام 2009 وسجلت تراجعا للشهر الـ41 على التوالي، وذلك علامة على مخاطر انكماش تلوح في الأفق.
وأعرب تشانغ شي يوان، الخبير الاقتصادي بهيئة بحوث الأوراق المالية في جنوب غرب الصين، عن اعتقاده بأن بقاء أسعار سلع أساسية مثل النفط والغاز الطبيعي على انخفاضها وركود الطلب المحلي من الأسباب الرئيسية لتراجع المؤشر.
وكان بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) قد حذر من مخاطر استمرار تقلب أسعار السلع الأساسية وهي ثابتة عند هذا المستوى المنخفض مع أخذ احتمال رفع بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي لمعدلات الفائدة في الاعتبار والذي قد ينجم عنه تزداد مخاطر الانكماش في العالم بأسره.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن المصلحة العامة الصينية للجمارك، فقد تراجع حجم التجارة الخارجية للصين بواقع 7.3% على أساس سنوي، بما يعادل 2.23 تريليون دولار أمريكي، في الأشهر السبعة الأولى من عام 2015. وانخفض الفائض التجاري في يوليو الماضي بنسبة 10 % ليصل إلى 263 مليار يوان.
ويصعب على الصين أن تحافظ بمفردها على تزايد حجم التجارة الخارجية بوتيرة سريعة في ظل انكماش التجارة الدولية بشكل عام، حيث أفادت إحصاءات مصلحة بحوث السياسات الاقتصادية في هولندا بأن حجم التجارة الدولية العالمية انخفض بواقع 2% خلال الأشهر الستة الماضية.
ومن الطبيعي أن تتأثر الصين بالمناخ السلبي في السوق الدولية، فعلى سبيل المثال، تزايدت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة ودول الآسيان التي شهدت اقتصاداتها انتعاشا، فيما تراجعت صادرات الصين إلى دول أوربا بحدة بسبب عوامل سلبية من بينها افتقار الشركات هناك إلى الثقة إلى جانب انخفاض قيمة اليورو.
وإضافة إلى العوامل الدولية، تحافظ العملة الصينية (اليوان) على سعر صرف مستقر مقابل الدولار الأمريكي في ظل المساعي الرامية إلى ضم اليوان إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي وتفادي تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج، ولذلك ارتفع سعر صرف العملة الصينية مقابل العملات الأخرى غير الدولار، وهو أمر لا يصب في صالح الصادرات.
— الحل: مواصلة التعديل والإصلاح
وفي ظل هذه الضغوط البارزة و”الوضع الطبيعي الجديد” للاقتصاد الصيني، يقترح الخبراء الاقتصاديون فيما يتعلق بمسألة كيفية تحفيز صناعة الاستيراد والتصدير، يقترحون أن تخلق السلع “صينية الصنع” لنفسها مزايا جديدة وتحدد موقعها الجديد في السلسلة الصناعية العالمية، وهو أمر يعتمد على محورين أساسيين ألا وهما مواصلة الإصلاح المالي وتعديل هيكل الصناعات.
وبالفعل، بدأت بعض الشركات الصينية في تحويل نمط تطويرها مع التركيز على الابتكار والدخول في صناعات جديدة. والآن تبرز شيئا فشيئا مزاياها التنافسية خلال التجارة الخارجية.
ولا شك أن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية الطموحة وأوجه التعاون بين الصين والدول الأخرى التي تدفعها الصين بكل قوة ستتيح أيضا مناخا مواتيا للتجارة الخارجية.
وفي الوقت نفسه، لا تزال الصين تمضي بثبات في خطوات الإصلاح المالي الذي يهدف إلى خلق سوق أكثر انفتاحا. وفي هذا السياق، بذلت الصين جهودا لضم اليوان إلى سلة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.
وعلاوة على التجارة الخارجية، لفت تو شين تشيوان، الأستاذ في جامعة التجارة الخارجية الصينية، إلى ضرورة تمسك الصين بتحفيز “الطلب المحلي” ودفع “الاستثمار” باعتبارهما ركيزتين رئيستين لدفع النمو الاقتصادي بشكل مستقر.
وأكد تو شين تشيوان أن هناك مجالا كبيرا لاتساع الاستهلاك المحلي في الصين ولاسيما وأن التجارة الإلكترونية شهدت خلال هذه السنوات طفرة ضخمة تسهم في زيادة الاستهلاك على نحو مدهش، منوها إلى أهمية دفع الاستثمار المحلي باعتباره وسيلة مهمة أخرى للحفاظ على نمو الاقتصاد في النصف الثاني من العام الجاري.