كتب عمّار نعمة في صحيفة “السفير”:
فرضت المواقف الأخيرة للعماد ميشال عون، نفسها، على تحييد سابق غير معلن للخلاف معه من قبل مسيحيي قوى «14 آذار»، الذين في جعبتهم الكثير ليقولونه حول ما يتعلق بـ«الجنرال» وأجندته التي تتخذ مع الأيام ذلك المنحى التصاعدي «وصولا الى تفجير البلاد»، حسب قيادي آذاري.
يشعر هؤلاء المسيحيون بالحرج بسبب استقطاب عون لنبض الشارع المسيحي ودغدغته لمشاعر هذا الشارع عبر رفضه تحويل المسيحيين الى «أهل ذمة»، ورغبته، أو أقله، إعلانه، تصميمه على «مقاومة» ما يحصل لهم من تهميش وتهجير وقتل، كما هي الحال في المحيط العربي.
يرفض القيادي المسيحي الآذاري التسليم بمبدأ ان مسيحيي «14 آذار» قد باتوا في موقف الدفاع او الإحراج «لا يمكن لنا إلا أن نكون مع مبدأ العدالة بالنسبة الى اللبنانيين جميعاً الذين يجب ان يكونوا متوازين في الحقوق والواجبات».
ويستذكر القيادي «الفترة المظلمة للمسيحيين» خلال الحقبة السورية التي حملت محاولة لتهميش الوجود السياسي لهم، ما أدى الى استنكاف الجمهور الأكبر منهم نتيجة شعورهم بالاضطهاد. ويطل على مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان العام 2005، حين بدأت محاولات إعادة التوازن المفقود الى الوجود المسيحي. ويقول: لقد قمنا بجهود عملية منذ ذلك الحين لإعادة الاعتبار لهذا الحضور، وقد انطلقنا من مسلمة بالغة الأهمية مؤداها إيجاد تفهم مشترك، مسيحي ـ إسلامي، لضرورة تعزيز الحضور المسيحي، الذي يأتي لمصلحة المسلمين انفسهم، وبالمحصلة لمصلحة لبنان.
ينطلق القيادي من هذا الاستذكار لتقييم مطالب وتحركات عون. ويقول مهاجماً «الجنرال»: لقد امتطى عون حصان المطالب، ليس في سبيل إعادة التوازن الى السلطة في لبنان، بل في سبيل تأمين الولاء له عبر التوصل الى أهداف فئوية وخاصة وعائلية. هو ببساطة يريد ابتزاز الآخرين، ولا يتورع عن المتاجرة بالمسيحيين للوصول الى أهدافه في مرحلة بالغة الدقة على المسيحيين، كما على اللبنانيين.
على أن الغريب، بنظر هذا القيادي، ان عون «لا يرفع مطالب لإعادة مناصب محددة الى المسيحيين، بل إنه يتصدى لمعركة قوامها استبدال قيادات مسيحية.. بأخرى مسيحية، لإيصال جماعته».. ويتابع: «هذا الامر يفقد معركة عون مصداقيتها، فهل باتت المفاضلة اليوم بين مسيحي وآخر أكثر مسيحية منه؟!». ويشير الى ان «عون يخطئ، مثلما يخطئ من حوله، ومن يدفع به الى التشدد، ذلك انه سوف يكون الخاسر في النهاية».
أما عن التلويح بالشارع، فإن القيادي يصف أسلوب عون بـ «الشعبوي الذي يضع المسيحيين في مواجهة مع إخوانهم في الوطن، بدل إبراز دورهم في التناغم مع الآخر في إطار المجموعة الوطنية».
ويتوقف عند الهجوم العنيف لعون على قائد الجيش العماد جان قهوجي، مترقباً «حروب الجنرال»، ويقول: «لقد شن عون الحرب على قهوجي، وهي ليست حرباً تتخذ طابعاً شخصياً، كما يعتبر كثيرون، بل إنها اتخذت طابع الحرب على الجيش نفسه، وهو يلعب ورقة بالغة الخطورة عبر تحريض العسكريين على قائدهم». ويسأل: «كيف يسمح عون لنفسه بدعوة العسكريين الى التمرد وإلى الثورة على قيادتهم؟ أليس الأمر معيباً.. لا بل مريباً؟ لا بل إنه لجأ حتى الى التهويل على مناصريه لإجبارهم على النزول الى الشارع.. للاصطدام بالجيش!».
يقارب قيادي آذاري آخر مواقف «الجنرال» بأسلوب أكثر هدوءاً. بالنسبة إليه، فإن من الأهمية بمكان التمسك بحقوق المسيحيين، لكنه يتقاطع مع القيادي الأول في تصنيف تحركات عون في إطار الاختلاف مع الطرف الآخر «لا مستقبل للمسيحيين في لبنان عبر مواقف تأخذهم الى خطوط تماس مع المسلمين الذين يشكلون معهم صمام الأمان المشترك للوطن، ومن المقلق ان شعارات عون قد تدفع الى إيجاد شعور بالعداوة مع الشريك المسلم في هذا الوطن».
ويرى ان الحل للأزمة في البلاد يتمثل أولاً بالاحتكام الى المؤسسات واللجوء الى الدولة الحاضنة للجميع، وانتخاب رئيس للجمهورية يضمن إشعار اللبنانيين بأنهم في اطار نظام تُحترم قوانينه. ويؤكد ان لبنان يمتلك الرئيس المسيحي الوحيد للجمهورية في العالم العربي «ويجب علينا تعزيز هذا الامر وعدم التفريط فيه، كما ان على الرئيس ان لا يكون منتمياً الى أي محور في الخارج، ويعبر في الوقت عينه عن حيثية مسيحية مقبولة من الشرائح الإسلامية كافة، فيكون بذلك رئيساً مُجمعاً عليه».
إذاً، المسألة الأهم بالنسبة الى هذا القيادي تتمثل في «عدم تعطيل المؤسسات، خاصة أن الحكومة ليست سوى عبارة عن مجموعة من التناقضات وقد تتفجر في اية لحظة».
أما عن تحركات الشارع، فإنه يشير الى ان «من حق عون اللجوء الى الشارع، وهو الأمر الذي تكفله الأنظمة الديموقراطية للتعبير عن الموقف، لكن من الممنوع المس بالنظام العام او زعزعة الاستقرار». وهو يبدي اطمئنانه الى ان الرأي العام «لن يستجيب لطروحات عون، وقد بان هذا الأمر في عدم استجابة سوى عدد قليل لدعوته الأخيرة بالنزول الى الشارع».
أما عن الهجوم على قهوجي، فإن القيادي يختصر الإجابة بسؤال: هل كان التمديد سيحصل من دون قبول الشريك الأساس لعون، «حزب الله»؟ ويؤكد: تبقى المؤسسة العسكرية حصناً أخيراً.. لن نقبل المساس به.