تشهد الساحة الداخلية في الساعات المقبلة تركيزا على الزيارة التي سيقوم بها وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت ابتداء من مساء اليوم والتي تتسم باهمية نظرا الى انها تدخل الوسط الرسمي والسياسي اللبناني في آفاق الاتفاق النووي بين الدول الست الكبرى وايران وما يعني لبنان من آثاره الاقليمية المتوقعة.
كما ان الزيارة التي تستمر حتى مساء الاربعاء تتخذ دلالات اخرى من زاوية الملف الرئاسي وأزمة الشغور التي ستجد حتما مكانا لها في محادثات الوزير الايراني مع مروحة واسعة من المسؤولين الرسميين والسياسين من اتجاهات سياسية مختلفة.
صحيفة “النهار” قالت: “لا تولي مصادر وزارية وأخرى ديبلوماسية زيارة وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبيروت اليوم، التي تدرج كاحد مجالات النفوذ الايراني في المنطقة التي عمم المسؤولون الايرانيون الانطباعات في شأنها على هذا الاساس، اهمية تخرج عن الاطار الذي انطلق فيه في زيارات بدأها في دول المنطقة من اجل شرح الاتفاق النووي، وهو ادرج بيروت من ضمن جولته الثانية التي ستقوده الى دول اخرى.
فالشأن اللبناني الصرف لن يكون في أحسن الأحوال هو موضوع البحث الحصري ولو ان المسؤولين اللبنانيين الذين سيلتقيهم سيحرصون على ايصال رسالة الى رئيس الديبلوماسية الايرانية بشقين على الاقل خصوصاً في ظل معلومات تتحدث عن لقاءات سيعقدها مع قيادات عدة وليس مع المسؤولين الرسميين فحسب كرئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ووزير الخارجية وذلك استناداً الى الزيارات التي قام بها السفير الايراني محمد فتحعلي لبعض المسؤولين تحضيراً للزيارة والتي شملت قيادات في قوى 14 آذار ومستقلين كالرئيس امين الجميل والنائب وليد جنبلاط على سبيل المثال.
الرسالة الاولى تفيد بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في اقرب وقت ممكن حرصاً على استقرار لبنان وضمانا لاستعادة عمل مؤسساته الدستورية خصوصاً ان تعطيل الحكومة يساهم في تسارع الاهتراء الداخلي. والاخرى ضرورة انفتاح ايران على لبنان كدولة وليس رعاية فريق طائفي وسياسي يترتب على دعمه وتسليحه انعكاسات بالغة السلبية على مفهوم الدولة في حد ذاته كما على سلطتها وعلى التوازن السياسي في البلد. فالبند الاول غدا المحور الاساسي الذي يدرج من ضمن اي مباحثات مع مسؤولين زائرين او العكس في حين ان البند الثاني ليس جديدا وسبق لرئيس الحكومة الحالية تمام سلام ان اثاره على الاقل مع مسؤولين ايرانيين زاروا لبنان في ظروف مختلفة.
اللقاءات المتعددة المرتقبة لظريف يفترض ان تشكل تعبيراً من حيث الشكل عن استعداد ايراني للانفتاح على غير ما كان عليه الوضع سابقا قبل الاتفاق النووي على اثر خروج ايران من عزلتها الديبلوماسية دوليا.
لكن لم يفت مراقبين ديبلوماسيين الملاحظة ان رئيس الديبلوماسية الايرانية وعشية زيارته المرتقبة للعاصمة اللبنانية، اعلن في ندوة اقيمت عن الاتفاق النووي في مسعى الى تسويقه وتخفيف وطأة المعارضة الداخلية له “ان قدراتنا الدفاعية ستستمر من دون قيود كما سيستمر دعمنا التسليحي لحلفائنا في المنطقة والتي لولاها لربما كانت عواصم كثيرة تحت سيطرة داعش الآن” على حد تعبيره. وهو امر يترجم في السياق اللبناني باستمرار دعم ايران تسليح ” حزب الله” من دون تعديل على السياسة الخارجية لايران بعد الاتفاق بحيث ستبقى في هذا الشأن كما كانت قبل الاتفاق. ومع انه من الصعب وفق منطق الامور ان تدخل ايران تعديلا على موضوع دعمها التسليحي لحلفائها في المنطقة وهو موضوع سابق لاوانه على الاقل استنادا الى ان ذلك يتطلب مفاوضات تتناول شؤون المنطقة وازماتها من اجل تثبيت دور ايران كلاعب اقليمي والاعتراف بنفوذها، فان موقف ظريف يرسم اطار زيارته للبنان وابعد منها اي سياسة بلاده في المرحلة المقبلة ايضا على اساس من الاستمرارية بحيث يقفل الباب على تغييرات محتملة اقله في المرحلة المقبلة او في المدى المنظور تتصل بالبند الثاني من المطالب اللبنانية.
فإذا كانت الزيارة تبعاً لهذا الموقف تقفل الباب على مؤشرات تسمح بالبناء على احتمال تغيير في السياسة الايرانية في بعض العناصر التي تهم لبنان، فان ما يلح بالنسبة الى اللبنانيين مع زيارة وزير الخارجية الايراني لبيروت هو السؤال ما اذا كانت ايران باتت على استعداد لان تسهل حصول انتخابات الرئاسة اللبنانية بعدما رهنت هذه الانتخابات ورقة في يدها تعزيزا لموقعها في المنطقة في انتظار انجازها الاتفاق؟.
وقالت “النهار”: “التوقعات السياسية لا تصب اطلاقا في اطار امكان الحصول على جواب ايجابي على هذا الصعيد في هذه المرحلة تحديدا وسيكون مفاجئا جدا ان يحصل ذلك. اذ لم يمض اسبوعان بعد على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس لطهران في اول انفتاح ديبلوماسي بعد الاتفاق النووي. وقد تحدثت المعلومات التي توافرت عن الزيارة الديبلوماسية الفرنسية عن اثارة فابيوس مع المسؤولين الايرانيين الذين التقاهم ضرورة اجراء انتخابات رئاسية في لبنان، لكن من دون ان يلقى اجوبة ايجابية فخرج صفر اليدين على رغم عدم وجود اوهام اصلا لدى معنيين كثر بان تبيع ايران فرنسا هذه الورقة فضلا عن الاعتقاد ان فابيوس كان همه الاساسي مصالح فرنسا مع ايران ما بعد الاتفاق. وازاء الاقرار بايران لاعباً اقليمياً له ادوار يقوم بها في المنطقة، فلا يتوقع أقل من كلام اميركي او سعودي معه مباشرة او عبر طرف ثالث من اجل الافراج عن ورقة الانتخابات الرئاسية في حين قد يكون ذلك رهن محادثات فتحت او بدأت بالنسبة الى الأزمة السورية بغض النظر عن احتمالاتها ونتائجها. لكن الحركة الاقليمية التي بدأت والتي تحمل اسئلة كبيرة لا اجابة واضحة عليها حتى الآن، لا تشي على الاقل بالنسبة الى المعطيات التي تملكها مراجع سياسية ان لبنان قد يشهد حلحلة لازمته قريبا وفق ما يأمل كثر، بل ان هذه الحلحلة قد تكون مؤجلة الى امد غير واضح بعد”.
مصادر ديبلوماسية أكدت لصحيفة “المستقبل” أنّ زيارة ظريف ستشكل عملياً فرصة لاختبار توجهات إيران والمفاعل الرئاسي لاتفاقها النووي، موضحةً أنه سوف يتكشّف من خلال المحادثات التي سيجريها في بيروت ما إذا كان ثمة توجه إيراني جديد حيال الاستحقاقات الدستورية وأبرزها الاستحقاق الرئاسي خصوصاً في ضوء التحركات الفرنسية والأوروبية الأخيرة التي طالبت طهران بتسهيل عملية إنهاء الشغور في موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية.
صحيفة “السفير” كتبت: “يأتي وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى بيروت، في طريقه الى دمشق، للقول إن بلاده تعتبر لبنان، كما سوريا والعراق جزءاً من محور مواجهة الإرهاب بوجهيه الإسرائيلي والتكفيري.
ومع أهمية زيارة ظريف مضموناً، وخصوصاً اللقاء المرتقب بينه وبين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، إلا أن الشكل يكتسي أهمية، خصوصاً عند الإيرانيين، ولذلك لن يكون غريباً أن يشمل برنامج الزائر الإيراني لفتة تكريمية إزاء العماد ميشال عون، في ضوء «حرب الإلغاء» التي يتعرض لها، من الخارج والداخل في آن معاً.
ومن حسن حظ اللبنانيين أن الزيارة الإيرانية تأتي في توقيت سياسي داخلي محتدم، الأمر الذي يبرر تمديد المهل العونية، ليس الى ما بعد مغادرة ظريف الى دمشق، بل الى ما بعد خطاب السيد نصرالله المقرر عصر الجمعة المقبل أمام جمهور كبير سيحتشد في وادي الحجير الذي تحول في «حرب تموز» الى مقبرة لدبابات «الميركافا» الإسرائيلية، وكان مع عوامل أخرى، مفصلياً في قلب معادلات الميدان لمصلحة المقاومة.