Site icon IMLebanon

رفع الفائدة خطر على المصارف المحشوة بالديون السيادية

InterestRates

جون بلندر

في الوقت الذي تقترب فيه فترة السياسة النقدية الفضفاضة في العالم المتقدم من نهايتها، هناك مفارقة تتطلب تفسيرا. طوال هذه التجربة النقدية الاستثنائية كان يبدو أن مديري الشركات المدرجة يرون المخاطر في كل مكان، وكانوا مترددين في الاستثمار في الأصول الثابتة على الرغم من أنها تتمتع بأقل تكاليف اقتراض في التاريخ. على النقيض من ذلك كانت المؤسسات المالية غير خائفة من دفع الأسواق نحو الأعلى بصورة متواصلة.

هذا الانقسام بين الفتور في اتخاذ المخاطر في الاقتصاد الحقيقي، وبين اتخاذ المخاطر النشط في الأسواق المالية، دفع أنخيل جوريا، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى ملاحظة أن واحدا من هذين الرأيين سيتبين خطأه. مع استعداد الاحتياطي الفيدرالي الآن إلى رفع أسعار الفائدة قد نعرف قريبا من الذي سيكون حكمه معيبا بشكل خطير.

سلوك المؤسسات المالية، سواء كانت حكيمة أو مجنونة، هو على الأقل مفهوم. كانت برامج شراء السندات بعد الأزمة من قبل البنوك المركزية قد صممت على وجه التحديد لحث المستثمرين على اتخاذ مزيد من المخاطر. وقد أعطى هذا مزيدا من الزخم إلى الانخفاض المزمن في أسعار الفائدة الحقيقية التي سبقت الأزمة المالية، ما يعتبر علامة على القوى التي من قبيل تخمة الادخار الآسيوية، ونقص الاستثمار في الغرب، والاتجاهات الديمغرافية الشاذة. وكانت النتيجة هي البحث عن العوائد، وهي الموضوع الذي نوقش طويلا.

وقد تعزز الضغط الهبوطي على العوائد بسبب النقص فيما يسمى الأصول الآمنة. وهو ما يفسر التدافع نحو السندات السيادية التي تعطي عوائد ضئيلة أو سلبية – ما يعني من الناحية العملية البحث عن غير العائد. وحتى بعد الاتجاه التصاعدي الأخير في العائدات، لا يزال المستثمرون يدفعون إلى بعض الحكومات الأوروبية حتى تأخذ أموالهم.

في خطاب ألقاه في حزيران (يونيو) الماضي، أشار أندرو هالدين، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، إلى أن هذه المعدلات السلبية لا توجد لها سابقة منذ عهد البابليين. ومن بين مختلف التفسيرات المحتملة، يضع هالدين التركيز بشكل خاص على ظاهرة “مخاطر الهلع”، وهو مصطلح يستخدمه علماء النفس لوصف المبالغة في الشعور بالخوف وانعدام الأمن في أعقاب الأحداث الكارثية.

هذا يعطي بالتأكيد تفسيرا معقولا لسلوك مدخرات القطاع الخاص بعد عام 2008. في ذلك الوقت، كانت الأسر والشركات تعاني عجزا ماليا مشتركا (الدخل أقل من الإنفاق) نسبته 2.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة و1.5 في المائة في المملكة المتحدة، في حين كانت منطقة اليورو تعاني فائضا نسبته 2.4 في المائة. وبالتالي، القطاع الخاص لم يكن يدخر ـ ولا حتى لا يدخر.

وبحلول عام 2010 كان القطاع الخاص قد تحول إلى فائض مالي كبير يبلغ 7.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، و8.2 في المائة في المملكة المتحدة، و5.8 في المائة في منطقة اليورو. وبذلك حل الادخار الخطير.

لكن هناك حدود للقوة التفسيرية لمخاطر الهلع. لماذا يجب على حدث يحصل مرة واحدة في كل خمسة آلاف سنة أن يحدث الآن، بدلا من الكساد الاقتصادي في الثلاثينيات، التي شهدت خسائر أكبر بكثير في الإنتاج والعمالة؟

نلاحظ، أيضا، أن الانقسام بين تصورات المخاطر في الاقتصاد الحقيقي والأسواق المالية هو إلى حد ما نوع من الوهم. الصناعيون أنفسهم يغذون المخاطرة في الأسواق من خلال إعادة الشراء والاستحواذ.

حدد المختصون الاقتصاديون في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقريرهم الأخير حول “آفاق المالية والأعمال” هياكل الحوافز المعيبة باعتبارها جزءا من السبب وراء التصورات المتباينة للمخاطر. وهم على حق بالتأكيد. نمو عمليات إعادة الشراء ينبع من الحوافز المتعلقة بحقوق الملكية والأجر المرتبط بالأداء. ومقاييس الأداء الأكثر شعبية، العائد على السهم والعائد على حقوق المساهمين الإجمالية، يمكن التلاعب بها من قبل الإدارة. وليس من المستغرب، إذن، أن الأدلة المستقاة من الاستطلاعات في الولايات المتحدة أظهرت أن الفرص الاستثمارية المربحة تُرفَض بشكل روتيني لمصلحة تحقيق أهداف الأرباح على المدى القصير.

هنا تفسير مختلف يأتي من الاقتصاديين في بنك التسويات الدولية في بازل. بالنسبة لهم الناس الذين يعانون أكثر من غيرهم مخاطر الهلع – على الرغم من أنهم لا يستخدمون هذا المصطلح – هم محافظو البنوك المركزية. القوم في بازل يعتقدون أن أسعار الفائدة المنخفضة تولد بعد معدلات أقل لأنها تسبب فقاعات، تتلوها عمليات الإنقاذ من البنوك المركزية. القلق هو أننا نخاطر بمحاصرة أنفسنا في حلقة مفرغة من الاختلالات المالية وحالات الإفلاس. على عكس هالدين، فإنهم يودون أن يروا عودة مبكرة إلى “تطبيع” السياسة النقدية. لكن يجب أن نلاحظ أن هذا سيكون مؤلما. حتى خطوة متواضعة في اتجاه المعايير التاريخية لأسعار الفائدة يمكن أن تشكل خطرا على الملاءة المالية، خصوصا بالنسبة للمصارف التي تعتبر ميزانياتها العمومية محشوة بالديون السيادية. البحث عن غير العائد جعل الأصول الآمنة غير آمنة، في حين قيدت أسعار الفائدة المتدنية أدوات إدارة الأزمات لدى محافظي البنوك المركزية. إن الإفلات من هذا الشذوذ الذي يحدث مرة كل خمسة آلاف سنة ربما يحتاج بالتالي إلى مهارات ساحر مثل هوديني.