*فؤاد زمكحل
إن القدرة التنافسية لدى أي شركة هي إمكانيتها على زيادة حصتها في السوق أو المحافظة عليها، وقدرتها على المنافسة. ولكن تمتد أيضا هذه القدرة على المنافسة ضمن البلد. يمكن تعريف القدرة التنافسية لبلد ما بقدرته على القيام بتحسين مستدام على مستوى معيشة شعبه وتزويده بمستوى عال من العمالة والتماسك الاجتماعي في بيئة تتميّز بالجودة. ويمكن أن تقاس بمدى قدرة البلدان على الحفاظ على المشاريع التجارية واستقطابها، وقدرة الشركات على مواجهة منافسيها.
أما تنافسية الأسعار فهي القدرة على إنتاج السلع والخدمات بأسعار أقل من المنافسين للحصول على جودة معادلة. كما انها تقوم على القدرة على إنتاج عرض بتكاليف أقل من تلك التي تتحملها الشركات في القطاع نفسه، ويمكنها أيضا أن تعتمد على هامش ربحية أقل إذا كانت تكاليف الإنتاج مماثلة.
تعتمد تنافسية الأسعار على: نسب مستويات خاصة بتكاليف الإنتاج، وهوامش عائدة للمنتجين ومستويات أسعار الصرف بالنسبة لشركات التصدير.
المنافسة غير السعرية أو المنافسة الهيكلية هي القدرة على فرض المنتجات أو الخدمات بغض النظر عن سعرها (الجودة، الابتكار، خدمة العملاء، صورة العلامة التجارية، مواعيد التسليم، والقدرة على التكيّف مع تنوع الطلب… الخ).
يتطلّب خلق هذا النوع من القدرة التنافسية بعض الوقت لأنه يقوم على إدراك العملاء للعرض، وهو إدراك ينشأ على المدى الطويل على أساس الرضا المستمد من الماضي. كما أنه يتطلب الكثير من الاستثمارات لتطوير خصوصية العرض والحفاظ عليها. تعتمد المنافسة غير السعرية على: الجودة، الابتكارات، السمعة…
للسنة الثانية على التوالي تحتل سويسرا المركز الأول عالمياً في مجال الابتكار، وفق الترتيب السنوي لـ141 بلدا والذي نشره المعهد الأوروبي لإدارة الأعمال INSEAD والمنظمة العالمية للملكية الفكرية OMPI . وتلي سويسرا، السويد وسنغافورة وفنلندا والمملكة المتحدة.
إن نظام التعليم المزدوج (التعليم في المدرسة وفي الشركة)، والتعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص وكذلك بيئة العمل الجذابة للغاية هي العوامل وراء هذا الإنجاز.
تحتل سويسرا أيضاً منذ عام 2009، المرتبة الأولى في الترتيب العالمي للقدرة التنافسية التي أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي WEF . القدرة التكنولوجية، وكفاءة سوق العمل، ومعاهد البحوث العلمية التي هي من بين الأفضل في العالم أو أيضاً الملكية الفكرية القوية، هي من بين المعايير المعتمدة من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي لتبرير اختياره.
تلعب أيضا جودة البنية التحتية، وحصول الشركات على التمويل، وقانون المنافسة وحماية الملكية الفكرية دوراً هاماً من حيث الابتكار والقدرة التنافسية السويسرية.
غالبا ما يتم تفسير»المعجزة السويسرية» على انها تعتمد على الإبداع وبيئة العمل الجذابة ونموذج نظام التدريب.
لتظل قادرة على المنافسة دولياً، لا خيار للشركات السويسرية سوى الابتكار باستمرار، علماً بأنها تركّز بقوة على الأسواق الخارجية حيث تولّد نصف عائداتها. يتكرر هذا الاستنتاج عندما ينبغي على الاقتصاد السويسري مواجهة بيئة دولية أكثر تقييدا، إن لم تكن معادية.
بالفعل، بسبب أزمة الدين العام في منطقة اليورو أصبح الفرنك السويسري قيمة آمنة، ممّا عّزز ارتفاع أسعار المنتجات السويسرية. يتم منح العديد من المزايا الضريبية للشركات المتعددة الجنسيات التي اتخذت مقراً لها في سويسرا في السنوات الأخيرة.
كتبت suisse Économie وهي منظمة مظلة للشركات السويسرية ان «الابتكار هو السبيل الوحيد لسويسرا لكي تظل مزدهرة على نحو مستدام». من جهته يشدد وزير الاقتصاد السويسري على ان «الإبداع اليوم هو وظائف الغد. يجب أن نبقى في طليعة التقدم إذا أردنا مواصلة نجاح سويسرا الاقتصادي».
يوافق على هذا الكلام مجتمع الأعمال ومن يشاطرهم الرأي داخل العالم السياسي إذ صرّح عضو في البرلمان السويسري قائلاً: «اقتصادنا ليس لديه خيار آخر سوى أن يكون مبتكراً من أجل الاستمرار. ينبغي أن يهدف إلى القطاعات المتخصصة وذات الجودة العالية. هذا هو السبيل الوحيد للحفاظ على إنتاج ذي قيمة مضافة عالية في سويسرا».
منذ عشر سنوات تحاول بقوة مناطق كثيرة من البلاد، على غرار وادي السيليكون، جذب الشركات الناشئة أو الشركات الجديدة المتخصصة جداً في مجالات النمو المرتفع وعلوم الحياة والتكنولوجيات البيئية على وجه الخصوص.
لقد أصبح الابتكار في السنوات الأخيرة النموذج المطلق للقدرة على المنافسة، حيث أنه يعكس رؤية للتنمية تؤمن بشدة بالتقدم التكنولوجي والعلمي.
إذا كانت سويسرا تحتل بانتظام أعلى المراتب العالمية في ما يخص الابتكار، فهذا يعود بشكل كبير للعديد من براءات الاختراع المودعة من قبل صناعة المستحضرات الصيدلانية. ان مرتبة سويسرا الجيدة هي أيضا مرتبطة بالأزمة المالية العامة التي تؤثر في العديد من الدول الأوروبية، التي كثيرا ما تضطر إلى خفض استثماراتها في مجال التدريب والبحوث. ان الصناعة السويسرية في حالة جيده لأنها يمكنها الاعتماد على قوة عاملة ماهرة للغاية، وهي تمثل المواد الأولية الحقيقية لسويسرا.
ان القطاع الخاص، وليس الدولة، هو المسؤول عن نفقات تبلغ نسبة 73 في المئة مكرسة للبحوث والتطوير في سويسرا. يعتمد تنفيذ أفكار جديدة في مجال الأعمال التجارية على عاملين رئيسيين: روح ريادة الأعمال والابتكار المعتمد كتقليد ضمن المؤسسات.
إنما اليوم، لا تزال حاضنات الأعمال، وهي هيكليات داعمة، تتكاثر في جميع أنحاء سويسرا. وتعتبر هذه الأداة على نطاق واسع على انها الطريق الصحيح للابتكار.
لا ينبغي النظر إلى الابتكار فقط من زاوية التقدم التكنولوجي، بحيث يشمل أبعاداً أوسع بكثير غالبا ما يصعب قياسها كمياً ولكن مع ذلك هي أساسية .على سبيل المثال، لا يمكن شرح نجاح صناعة الساعات، والجبنة أو الشوكولاته السويسرية إلا من خلال هذا التعريف الضيق للابتكار. هذا النجاح هو نطاق رمزي بحت، ساعدت على انتشاره إدارات التسويق القوية، ولكن أيضا المؤرخين والصحافيين، أو المجلات التي تسمح ببيع صورة تجسد الأصالة والتقليد للمنتجات السويسرية المشهودة عالمياً…
يجب الابتكار مع احترام التقليد! فالتقاليد تتطور ويجب إيجاد وسائل لجعلها باستمرار جذابة.
لدينا الكثير لنتعلمه من نموذج القدرة التنافسية السويسرية، لا سيما اننا في لبنان نتمتع بالكثير من قواسم التشابه مع هذه السوق الحيوية والمبتكرة. من ناحية أخرى، يتمتع لبنان تقريباً بجميع المكونات وعوامل النجاح الرئيسية اللازمة ليتبع هذا المثال للنجاح. من دون شك، نحن نفتقر إلى رؤية واضحة ومحددة، إلى رغبة حقيقية في التغيير، وتنفيذ استراتيجية صارمة ومراقبة ملاحقة مستمرة للأمل في المضي قدما والمثابرة.
اننا نفتقر خاصة إلى طبقة سياسية في خدمة شعبها، والشركات الخاصة واقتصاد البلد تكون أولويتهما الرئيسية تحقيق النمو وخلق فرص العمل، وبناء دولة مستقلة حقيقية على أسس متينة.
الإيمان بأحلامنا هو بداية تحقيقها…!
*رئيس تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين