IMLebanon

مصير الأموال الإيرانية المسترجعة !

IranMoney3
رستم محمود

ثمة نقاش شبه مجرد حول مآل الأموال الإيرانية المتوقع أن تُسترجع خلال الفترة القريبة المقبلة، نتيجة رفع العقوبات الدولية على إيران، وكبند أساسي من الاتفاق الذي وُقع بين إيران ومجموعة 5 + 1. هذه الأموال التي تُقدر قيمتها بما يتراوح بين 100 و150 بليون دولار، والمُتوقع أن تُسترجع بإجراءات بيروقراطية وقضائية معقدة، لأن كثيراً منها محتجز منذ أيام حُكم الشاه.
معضلة هذه النقاشات أنها تتخيل النظام الاقتصادي الإيراني بمعزل عن نظيره السياسي. لذلك، تعتبر أن هذه الأموال يجب أن تذهب إلى القطاعات الاقتصادية الأكثر ترهلاً في النظام الاقتصادي الإيراني العام، مثل البنية التحتية شبه المنهارة، والقطاعين النفطي والصناعي، لأنهما الوحيدان القادران على إعادة القوة إلى عصب الاقتصاد الإيراني التقليدي «الطاقة».
تذهب قراءات أكثر «رومانسية» إلى أن قطاعي التعليم والصحة الإيرانيين يجب أن يستحوذا على أكبر حصة من هذه الأموال، إذ لا تتناسب المؤشرات التي تصدرها الأمم المتحدة عن التعليم مع مستوى الاقتصاد الإيراني بتاتاً – يراوح موقع إيران حول المرتبة 112 من بين 176 دولة خاضعة للمؤشر العالمي لجودة التعليم منذ سنوات، كما أن مؤشر «تصنيف الجامعات» صنف فقط جامعتين إيرانيتين من ضمن الجامعات الـ500 الأجود في العالم، هما جامعة طهران (المرتبة 363)، وجامعة طهران للعلوم الطبية (385)، فيما باقي الجامعات الإيرانية هي ما دون المرتبة 600 في الترتيب – وهو أبرز سبب جعل إيران تحتل المرتبة 76 لترتيب الدول في مؤشرات التنمية البشرية، على رغم استحواذها على ثاني أكبر مخزون كلي للطاقة في العالم. الأمر نفسه ينطبق على مستوى الرعاية الصحية في البلاد (ترتيب إيران هو 93 من أصل 190 في مؤشر منظمة الصحة العالمية لجودة الرعاية الصحية).
تلك القراءات لا تأخذ في الاعتبار التوازنات الداخلية للنظام الإيراني الحاكم، المؤلف بالأساس من ثلاثة مراكز قوى: العسكرية، وعلى رأسها الحرس الثوري بكل استطالته الاقتصادية والسياسية، وقوى المرجعيات الدينية بزعامة الولي الفقيه التي تشكل العصب الأيديولوجي للنظام، وأخيراً قوى «بيروقراطية الدولة» المتمثلة بالرئاسة والجهاز التنفيذي للنظام.
أغلب الظن أن هذه الأموال ستوزع في شكل شبه متوازن بين هذه القوى، بطريقة تمكن كلاً منها من تقوية نفوذه وقدرته على الاستمرار كشريك رئيسي في سلطة القرار السيادي. فعائدات النفط الإيراني التي تذهب التوقعات إلى أن قيمتها لن تتجاوز 19 بليون دولار في السنة المالية المقبلة، بالكاد تكفي مسائل تدخل الدولة في دعم المواد الأساسية ووقف التضخم وتطوير القطاع النفطي نفسه.
وهكذا لن تستطيع إيران أن تضخ مزيداً من الأموال في البرامج العسكرية «الطموح» للحرس الثوري الإيراني، خصوصاً منها البرامج الصاروخية الباليستية، ما قد يدفع بهذه القوة العسكرية إلى أن تطالب بأكبر حصة من هذه الأموال لتطوير بنيتها العسكرية، معتبرة نفسها القوة الحقيقية التي ساهمت في إنجاز هذا المشروع واستعادة الأموال المحتجزة.
على مستوى آخر، فإن تراجع نمط الهيمنة السياسية والخطابية للمرجعيات الدينية والمؤسسات المشرعنة التابعة لها في شكل كبير، نتيجة تغيير النظام نمط تعاطيه مع القوى الغربية (الشيطان الأكبر)، سيدفعها إلى المطالبة بالحصة الكبرى من هذه الأموال، لتعيد ربط قواعدها التقليدية بآليات غير أيديولوجية، وهي التي تملك بالأساس شبكات كثيرة من المؤسسات الاقتصادية – الرعوية المتدخلة في كل أشكال الحياة العامة للإيرانيين، وستسعى إلى مزيد من تقوية هذه المؤسسات بمزيد من ضخ الأموال في بنيتها.
أخيراً سيسعى «التيار الإصلاحي» بزعامة الرئيس حسن روحاني إلى إيجاد شرعية أكبر لمشروعه «التصالحي» مع العالم الغربي، عبر وقف تدهور العملة الإيرانية «الريال – التومان» التي خسرت خلال 2013 فقط أكثر من 34 في المئة من قيمتها، وإلى الاستمرار بالحفاظ على مستوى التضخم ما دون مستوى 15 في المئة كما وعدت الحكومة، بعدما تجاوز 42 في المئة في ذروة أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والبنزين.
صحيح أن الحكومة الإيرانية ستسعى إلى جذب الاستثمارات إلى البلاد وتغير بعض القوانين والمناخات التي تحيط بالنمط الاقتصادي الإيراني الذي ساد طوال «زمن العقوبات»، وذلك باستغلال هذه الكتلة من الأموال التي ستتدفق على الخزينة العامة، وربما ستكون مصدر «صدام» الحكومة مع القوى المركزية الأخرى في النظام، لأن هذه الأخيرة تربط «الأمن القومي» للبلاد بمسألة «السكون الداخلي» التي تعني تماماً الحفاظ على الشبكة الاقتصادية الزبائنية الضخمة التي تضمن ولاء طبقات ضخمة من القواعد الاجتماعية الهشة بالنظام ومراكز قواه.