Site icon IMLebanon

فكرة إفلاس الحكومات تعود إلى الطاولة من جديد

WorldMoneyGOld

إيلين مور

أثارت أزمة الديون المطولة والمريرة في اليونان كثيرا من ردود الفعل في أوروبا، بدءا من الغاضبة إلى المتعاطفة والمحبطة. لكن وسط هذا الضجيج هناك فكرة واحدة مثيرة للجدل تكسب زخما، على الرغم من أن المرأة التي كان لها فضل تقديمها يتضح أن من الصعب إعطاء توصيف دقيق لها.

آن كروجر، المرأة البالغة من العمر 81 عاما التي كانت في السابق النائب الأول للمدير الإداري لصندوق النقد الدولي وكبيرة الاقتصاديين السابقة في البنك الدولي، عليها طلب من قبل المسؤولين الحكوميين ومسؤولي المصارف المركزية والأكاديميين. كلهم يريدون أن يسمعوا منها كيف يمكن تغيير طبيعة الأساسيات التي ترتكز عليها الديون العالمية، من أجل مساعدة الدول المثقلة بالديون دون تحطيم النظام.

هذا يفسر سبب إيجاد كروجر الوقت لمقابلتي، فقط بتأخير مقابلة أخرى والتضحية بوقتها صباح يوم السبت. في اليوم السابق، كانت ضيفة شرف في مؤتمر عقد في لندن، وفي اليوم التالي سافرت إلى آيسلندا في إطار دورها مستشارة للحكومة، قبل التوجه إلى واشنطن، حيث تعمل أستاذة للاقتصاد الدولي في جامعة جونز هوبكنز. ومن ثم تتوجه إلى بورتوريكو، حيث يتضح في وقت لاحق، أنها كتبت التقرير الرسمي حول مشكلات الديون في الجزيرة.

وهي ترفض أي إيحاء بأن هذا الجدول الزمني يبدو مضنيا. تقول “لا أعتقد أن هذا الجدول الزمني مكثف. ما الكثير فيه؟ أسافر الآن أقل مما كنت أفعل عندما كنت أعمل لدى صندوق النقد الدولي”.

صحيح أن من الصعب رؤية أي أثر سلبي من كثرة السفر بالطيران. بمظهرها ذي الحجم الضئيل والملبس الأنيق، تبدو لديها طاقة أكبر من معظم هؤلاء المتنزهين الذين يتنعمون حولنا في بذخ فندق ماندارين أورينتال في لندن.

سترتها بلون المجوهرات وشعرها المصفف بأناقة ينمان عن مهنة قضتها في الحياة العامة، رغم أن محادثاتها تتخللها التعابير الأكاديمية الجديدة. هذا الشيء، إلى جانب عادتها في التحدث بسرعة، يجعلني في بعض الأحيان متخلفة عن متابعتها، وفي هذه اللحظة تفقد هي بعضا من إحسانها التعليمي.

هناك ديباجة صغيرة – ليس فقط لأن الأزمة في اليونان تتطلب العجلة، ولكن لأن اهتمامها بتلك المواضيع لم يكن أبدا مقتصرا على أسبوع العمل من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء. تصر على أنها لم تفكر قط في التقاعد. عندما أسألها بأن تصف نفسها، تقول بكل بساطة “أنا مختصة اقتصادية”.

ولدت كروجر عام 1934، وظهرت في صفوف بعض المنظمات العالمية الأكثر نفوذا في وقت كان عدد النساء اللواتي يدخلن سوق العمل قليلا، ناهيك عن كونهن حاصلات على شهادة جامعية في الاقتصاد. من إنديكوت، نيويورك، وهي بلدة تكبرها سنا بـ 13 عاما فقط، كان اهتمامها المبكر بالاقتصاد مدفوعا بالأحداث المتعلقة بالحرب العالمية الثانية وما أعقب ذلك من إنشاء منظمات مثل صندوق النقد الدولي، المكلف بتعزيز الاستقرار المالي في العالم.

تقول “كنت دائما مهتمة. الاقتصاد يعتمد على فهم العالم. إذا فهمته، فبإمكانك القول: لقد وجدت الأمر الذي لا يصلح. إنه يتعلق بفهم السلوك”.

بعد عقود في الأوساط الأكاديمية، أغريت من قبل البنك الدولي في أواسط الثمانينيات لتشغل منصب كبيرة الاقتصاديين، حيث أصبحت ثاني شخص ينال المنصب ولا تزال المرأة الوحيدة التي حصلت عليه.

بعد مضي أربع سنوات، عادت إلى الأوساط الأكاديمية قبل أن تستفيد منها إدارة بوش لتصبح أول نائب للمدير الإداري لصندوق النقد الدولي في عام 2001. كانت في الـ 67 من عمرها في ذلك الوقت ويتذكرها الموظفون السابقون على أنها مختصة اقتصادية لامعة تجرأت على إبقاء المحادثات متركزة – وهو أمر لم يتمكن منه أسلافها.

يقول بيتر دويل، المختص الاقتصادي والموظف السابق لدى صندوق النقد الدولي “أكن لها تقديرا كبيرا، لكنها كانت غير محبوبة لدى بعضهم لأن أسلوبها الشخصي قد يكون فظا. يحب العاملون في صندوق النقد الدولي التحدث للأبد. لم تكن تمنحهم أكثر من دقيقة واحدة وهذا كان يثير حنقهم”.

ويضيف أن بغض النساء كان أيضا عاملا محتملا. “لدينا امرأة (كريستين لاجارد) تترأس صندوق النقد الدولي الآن، لكن لا تتخيل أن حياة امرأة موظفة كانت تسير بكل سهولة. في تلك الأيام، كان الصندوق عبارة عن ناد للذكور. كانت المحادثات المهمة تتم في غرف الرجال، وكانت هناك طريقة للتحدث وإثارة القضايا ومناقشتها. من ثم جاءت آن وهي ذكية جدا، بشكل مخيف، وواثقة جدا بنفسها. وهذا أثار حفيظة بعض الناس”.

قال موظف سابق آخر، طلب عدم الكشف عن اسمه “إنها مهتمة بالعمل. إنها ذكية جدا ونشيطة جدا، لكنها تحب فكرة الأسواق وليس المشاركين”.

حتى كروجر نفسها ترفض فكرة أن العمل لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كان أمرا صعبا. تقول “إن المنظمات الدولية مخلوقات مختلفة، وتعلُّم آلية عمل أنظمتها يستغرق بعض الوقت. لكن واحدة من المزايا الكبيرة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي هي درجة تطورهما وتكيفهما”.

وعلى أي حال، لا تمتد هذه القدرة على التكيف إلى مستوى يدعم اقتراحها – الذي تم طرحه أولا في خطاب ألقي في عام 2001 ونتج عن حالة الإعسار الفوضوية التي أصابت الأرجنتين، وكانت الأكبر في التاريخ آنذاك – المتعلق بإعادة صياغة الطريقة التي يمكن من خلالها إنقاذ البلدان المثقلة بالديون بشكل حاسم.

تقول “إن الفكرة بسيطة. ينبغي للحكومات أن تكون قادرة على إعلان إفلاسها، تماما كما تفعل الشركات. بدلا من عمليات الإنقاذ والعقود الضائعة من التقشف، ينبغي لها أن تكون قادرة على مسح اللوح والبدء من جديد”. وتتابع “هذا الأمر ليس معقدا من الناحية الفنية. إذا وصلت إلى مرحلة تكون فيها ديون البلد كبيرة جدا لدرجة تحول بينه وبين النمو، عندها تحتاج إلى إعادة التفكير في الطريقة التي يمكنك من خلالها مساعدة ذلك البلد”.

ومع أن ذلك قد لا يكون معقدا من الناحية الفنية، إلا أن فكرة كروجر تسببت في صدمة للأسواق العالمية وبقيت فكرة مثيرة للجدل بشكل كبير. ويشعر دعاة السوق الحرة في الولايات المتحدة وفي كل مكان بالخوف والفزع من فكرة التدخل. وقد أسهم ضغطهم في قرار صندوق النقد الدولي المتمثل في عدم دعم ذلك المقترح في ذلك الوقت. ويقول بعض الموظفين السابقين، “إن ذلك تسبب في الإضرار بدرجة صدقيتها”. وتقول هي عن فشل الخطة “كنا نعتقد أن لدينا فرصة. هل فوجئت؟ لا. هل شعرتُ بخيبة الأمل؟ نعم”. رسميا، كانت الفكرة ميتة، لكن خلف الأبواب المغلقة لم تختف قط. ومنذ الأزمة المالية ظلت الحكومات تقترض أكثر من أي وقت مضى، ما رفع أعباء الديون لديها إلى 58 تريليون دولار، وفقا لبحوث أجراها معهد ماكينزي.

وأهمية الديون في تسهيل دوران عجلة الرأسمالية أدت ببعضهم إلى دق أجراس الإنذار بسبب حالة التضخم التي وصلت إليها. لقد شهدت اليونان، التي أنقذها الدائنون الدوليون من أزمة ديون مدمرة قبل ثلاث سنوات فقط، دينها العام يقفز من 126 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2009 إلى 177 في المائة عام 2014. والآن أوكرانيا والأرجنتين وبورتوريكو وفنزويلا جميعها تومض بإشارات تنذر بأنها هي الأخرى ربما تواجه صعوبات في سداد ما عليها من ديون. وعندما تتعرض البلدان للمشكلات، فإن الإنقاذ الذي تتلقاه من المنظمات الدولية يكون مصحوبا عادة بتخفيضات حادة في الإنفاق العام وتدابير تقشفية غير شعبية يمكنها إثارة حالة من الاستياء وعدم الاستقرار داخل البلد.

ويتزايد توافق الآراء على ضرورة فعل شيء ما. وفكرة كروجر توصف من قبل بعضهم بأنها هي الإجابة أو الحل. ومن بين مؤيديها نورييل روبيني، المختص الاقتصادي واسع النفوذ، ومارتن وولف، من “فاينانشيال تايمز”. وقال البابا فرانسيس أخيرا “إنه هو أيضا يدعم ويؤيد الفكرة المتعلقة بعملية التعامل مع الإفلاس العالمي”. وبعد أن صوتت الأمم المتحدة لمصلحتها، تعمل كروجر الآن على مراجعة واستعراض مقترح خاص بالفكرة.

يقول ليلاند جوس، رئيس الرابطة الدولية للأسواق الرأسمالية، التي تمثل أكبر المصارف والمستثمرين في العالم “كانت آن كروجر الشخص الذي اقترح الفكرة ووضعها على الخريطة قبل زمن طويل والآن عادت. في الواقع، أنا لا أختلف تماما معها في ملخصها، رغم أن هناك بعض المشكلات العملية”.

وتقول كروجر “إنها مسرورة لكنها غير مندهشة”. في الوقت الذي يتشاجر فيه قادة العالم حول الفكرة، تجدها منخرطة في عملها في الجامعة وفي أزمة الديون في بورتوريكو، التي يطلق عليها يونان الولايات المتحدة. وتقول ببرود “كنتُ دائما أعتقد أن الفكرة ستعود مرة أخرى، ولا أزال أعتقد أنه سيتم تطبيقها عمليا. لكن ذلك قد يستغرق أزمة خطيرة أخرى قبل أن يتم اعتمادها نهائيا. وهناك أزمة مقبلة، رغم أن مصدرها من المرجح أن يفاجئ الجميع”.