هنري ساندرسون ونعومي روفنيك ولوسي هورنبي
عندما فرضت حكومة الولايات المتحدة رسوم مكافحة الإغراق على الشركة الصينية “تشونجوانج القابضة” قبل أربع سنوات، وجد ثاني أكبر صانع لمنتجات الألمنيوم في العالم عزاءه في السوق المحلية المزدهرة في الصين.
تحقق الشركة الآن أعلى الهوامش لأي منتج للألمنيوم في العالم. لكن مع تلك المكانة – والتحولات الكبرى في سوق المعدن خفيف الوزن – أتت موجة جديدة من التدقيق العالمي. طوفان الألمنيوم المتدفق من الصين، الذي يضغط الأسعار في الأسواق العالمية، أدى إلى تركيز الاهتمام على تشونجوانج وغيرها من شركات معالجة المعادن الصينية، التي يهدد نجاحها بإثارة توترات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة.
في أواخر الشهر الماضي، اتهمت جهة غير معروفة سابقا، تتعامل في البيع على المكشوف، تدعى دوبريه أنلاتيكس، تشونجوانج بتوجيه الألمنيوم من خلال شركات يسيطر عليها ليو تشونجتيان، رئيس مجلس إدارة تشونجوانج، ما يسمح لها بالمطالبة برديات ضريبية من الحكومة الصينية. هذا المعدن، كما يُدَّعى، يباع بأقل من التكلفة في الخارج، ما يؤدي إلى تراكم الألمنيوم الفائض. ووصفت تشونجوانج التقرير بأنه “لا أساس له نهائيا”. وعلقت التداول في أسهمها في بورصة هونج كونج ورفضت تقديم أي تعليقات أخرى على ذلك التقرير.
ولم تكن شركة دوبريه متاحة لتقديم تعليق. ولا توجد أي معلومات لجهة اتصال متاحة على موقعها الإلكتروني، الذي تم تتبعه إلى عنوان في أوستن في ولاية تكساس.
وتعد هذه الاتهامات جزءا من معركة صدامية متزايدة للهيمنة على صناعة الألمنيوم البالغة قيمتها 100 مليار دولار، التي تنتج المعدن لاستخدامه في السيارات والعلب والطائرات والأجهزة، مثل ساعة أبل. وتشكل الصين الآن أكثر من نصف الإمدادات العالمية، مرتفعة عن 18 في المائة عام 2003 بفضل الطاقة الرخيصة والمصاهر الأكثر كفاءة. وتشعر شركات الإنتاج العريقة من أمريكا الشمالية إلى روسيا والشرق الأوسط – التي تواجه أدنى الأسعار منذ الأزمة المالية، مع تراجع الهوامش والأرباح – بالقلق لكنها لا تريد تخفيض طاقتها خوفا من فقدان حصة السوق.
وبحسب جيريمي راثول، وهو محلل لدى شركة إنفيستيك “تمتلك الصين الآن أفضل مصانع الألمنيوم وأقلها تكلفة في العالم – وسيحاولون اللجوء إلى التصدير للخروج من مأزق الطاقة الزائدة. وهذا ينظر إليه على أنه أمر غير عادل على مستوى العالم. لقد كان تحولا زلزاليا – خاصة أن الصين الآن آخذة في التباطؤ”.
إحباط المنافسة
فتح نظام الضرائب في الصين الباب ليس أمام تشونجوانج فحسب، وإنما غيرها من منتجي الألمنيوم لضخ منتجاتهم إلى الأسواق، ما يعمل، بحسب بنك ستاندرد تشارترد، على دفع الأسعار القياسية للمعدن الرئيسي الذي يتم تداوله في بورصة لندن للمعادن، إلى أسفل.
وحققت أسعار الألمنيوم الأسبوع الماضي أدنى مستوى لها منذ ست سنوات، بعد أن كشفت الصين عن كميات إنتاج قياسية في حزيران (يونيو). وارتفع الإنتاج 11 في المائة تقريبا خلال الفصل الأول من هذا العام، مغذيا ارتفاعا نسبته 35 في المائة في صادرات الصين من منتجات الألومينوم. ووفقا لنيكولاس سنودون، المحلل لدى بنك ستاندرد تشارترد: “سوق الألمنيوم في وضع صعب لا رجاء فيه، بسبب سنوات من مستويات الأسعار المؤلمة”.
وتقدر شركة ألكوا، أكبر منتج في الولايات المتحدة، حدوث فائض عالمي في الألومينوم يبلغ 760 ألف طن هذا العام – ما يكفي لبناء 16 ألف طائرة من طراز بوينج 747 – بسبب الصاردات الصينية. وقد انخفضت أسهم الشركة نفسها بنسبة 37 في المائة هذا العام في الوقت الذي تراجعت فيه الأسعار بنسبة 14 في المائة.
ويقول لو تشانجكينج، المدير التنفيذي لتشونجوانج: “كل اتهامات الشركات الأجنبية المتعلقة بصادرات الصين من الألمنيوم كانت مستندة إلى مصالح تلك الشركات الأجنبية”. ويضيف: “الشكوى ضد المنافسين لن تساعدهم على تحسين قدرتهم التنافسية”.
في عام 2005، فرضت بكين ضريبة على صادرات الألمنيوم الأولي – المعدن الخالص – لكبح جماح التوسع الجامح في المصاهر المتعطشة للطاقة والمسببة للتلوث. وفي الوقت نفسه تقريبا، قرر المخططون المركزيون مكافأة الشركات التي تستثمر في المنتجات المعالَجة، أو المصنعة ذات القيمة الأعلى – مثل تلك المستخدمة في البناء والمركبات – بمنحها الحق في رديات على ضرائب القيمة المضافة.
وكلما كانت القيمة المعلنة أعلى، ازداد المال الذي يحصل عليه المنتج – ما أوجد حافزا لزيادة القيمة المعلنة للمنتجات دون الحاجة للقلق إزاء نوعيتها.
ويقدر بنك ستاندرد تشارترد أنه في بعض الأشهر من هذا العام، نحو ثلثي المعدن الذي تم تصديره على أنه منتجات ذات قيمة عالية كان في الواقع مجرد معدن أعيد صهره خارج الصين ليتحول إلى ألمنيوم خام بسيط. وتنفي شركة تشونجوانج الإقدام على إعادة صهر الألمنيوم خارج الصين.
لكن مصادر الصناعة تلاحظ أن الممارسة العامة أدت في الماضي إلى حدوث حالات تم فيها تحويل المعدن إلى منتجات لم يكن القصد منها أن تُستخدَم قط.
ويقول مايكل كوميساروف، المستشار لدى شركة يوراندالين للاستثمارات في أستراليا: “عند حد ما، كانت إطارات السيارات المصنوعة من ألمنيوم رديء النوعية أمرا شائعا. لم تكن تجرؤ على وضعها في سيارتك. كانت أقرب إلى كونها مربعة منها دائرية الشكل”.
بصورة عامة استهان المنتجون المنافسون بهذا الأمر في الوقت الذي كانت فيه الصين – التي كانت مغمورة بالأموال التحفيزية في فترة ما بعد الأزمة – تستوعب معظم إنتاج البلاد. لكن مع تباطؤ الاقتصاد، كثير من المعدن يجد طريقه الآن نحو الأسواق، ما يُضعف الأسعار العالمية ويفرض المزيد من الضغط على المنتجين العالميين.
الاندفاع الغربي
أتاحت الطاقة الكهرمائية الرخيصة ومناجم الفحم الجديدة في المناطق الصحراوية من شينجيانج، على حدود آسيا الوسطى، حدوث زيادة ضخمة في طاقة الصهر الصينية. ووفقا لبنك جولدمان ساكس، في غضون أربع سنوات فقط، تحولت شركة واحدة فقط، هونغشياو الصينية، من كونها خامس أكبر منتج في الصين إلى أكبر شركة في العالم بحلول نهاية عام 2014.
وتبدي الحكومات المحلية الواقعة في ضائقة مالية ترددا في إغلاق مصانع تم بناؤها للتو، بالتالي المعدن الذي لا يمكن بيعه في الصين لا بد أن يذهب إلى مكان ما.
وفي تموز (يوليو) الماضي، قال كلاوس كلاينفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة ألكوا، دون تسمية أية شركات معينة: “إنهم يتحايلون على رسوم التصدير المفروضة على الألمنيوم الأولي، البالغة 15 في المائة في الصين، ويتلقون خصما على ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13 في المائة (على المنتجات النهائية). ويتنافسون مباشرة ضد الشركات الغربية. وفوق كل هذا، غالبا ما يعمل هؤلاء الرفاق على تضخيم أسعارهم للحصول على زيادة في رديات ضريبة القيمة المضافة”.
بمجرد أن يغادر المنتج النهائي الصين، جامعا الرديات على طول الطريق، لا بد أن يباع. وإحدى قنوات بيعه هي إعادة صهره ليتحول إلى ألمنيوم أولي يمكن بعدها تداوله في سوق بورصة لندن للمعادن. أما الحل الآخر فهو بيعه داخل الولايات المتحدة، التي تعد كبيرة بما يكفي لاستيعاب الألمنيوم المخفض.
هذا يمكن أن يسمح للمنتجين في الصين بشراء الألمنيوم الأولي بأسعار مخفضة، وإعادة تشكيله بالحد الأدنى ومن ثم تصديره، وفقا لأحد المشاركين في السوق.
ويقول لو، من تشونجوانج، متحدثا عن الصناعة: “من وجهة نظر منتجي الألمنيوم، هم يستوفون جميع متطلبات السياسة عندما يتعلق الأمر بالصادرات. إنهم لم ينتهكوا أي قوانين”.
ويقدر مسؤولون تنفيذيون في الصناعة أن إعادة صهر المعدن تضيف نحو 4 في المائة للتكلفة، لكن هذا يتم التعويض عنه من خلال الأرباح المستوفاة على رديات ضريبة القيمة المضافة.
يقول جيف هندرسون، مدير العمليات في مجلس مكابس الألمنيوم في الولايات المتحدة: “شهدنا بعض السلوك الغريب جدا من قبل هيئات التصدير الصينية في الأمريكتين ونحن نشعر بالقلق الشديد من أنهم يشقون طريقهم إلى الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى”.
رسوم مكافحة الإغراق التي فرضتها الولايات المتحدة على منتجات الألومينوم المشحونة من قبل تشونجوانج لم تفلح في أن تشكل حاجزا يذكر، على اعتبار أنها تنطبق فقط على نطاق محدود من المنتجات. ويجد بعض من هذا المعدن طريقه أيضا إلى داخل الولايات المتحدة عن طريق التهريب. في عام 2013 حكمت هيئة محلفين فيدرالية كبرى على خمسة أشخاص بسبب شرائهم الألمنيوم من الصين، وإعادة تعليبه بفواتير مزيفة في ماليزيا ومن ثم استيراده عبر بورتوريكو. في ذلك العام نفسه، تم تغريم مستورد في أوهايو 1.1 مليون دولار لتزوير وثائق جمركية تتعلق بمنتجات صينية من الألمنيوم.
المنتجات المصنعة
خلافا للعديد من المنتجين الصينيين الآخرين الذين يمتلكون أيضا مصاهر تستورد الخام من شركات التعدين الدولية، تعتبر تشونجوانج لاعبا رئيسيا في مجال المنتجات المصنعة. فهي تشتري الألمنيوم الأولي الرخيص في الصين، ثم تعالجه لبيعه لمستهلكين محليين أو أجانب. وتبين التقارير المالية لتشونجوانج أن 16 في المائة فقط من مبيعاتها البالغة 15 مليار رنمينبي العام الماضي كانت من الصادرات. ويقول لو، المدير التنفيذي لتشونجوانج، إن تلك هي بشكل رئيسي عبارة عن قطع أو أجزاء سيارات وسكك حديدية ومنصات ذات قيمة عالية مستخدمة في النقل البحري. وفي مقابلة أجرتها معه “فاينانشيال تايمز” في العاشر من تموز (يوليو)، أكد لو أن من بين كبار العملاء لتشونجوانج توجد شركات ظهرت أيضا في تقرير البائعين على المكشوف في الشهر الماضي.
وفي حزيران (يونيو) 2013، قال لو إن تشونجوانج لديها خط إنتاج طاقته 150 ألف طن سنويا في فيتنام وخط آخر طاقته 200 ألف طن سنويا في المكسيك، وفقا لإشعار ظهر على الموقع الإلكتروني لإحدى الحكومات المحلية في الصين.
لكن في مقابلة الشهر الماضي، قال إن الشركة ليس لديها أي مشاريع في فيتنام ولا تزال تدرس السوق. وأضاف أنها تبحث عن فرص استثمارية في كل من كندا وفيتنام والولايات المتحدة.
وينفي لو أيضا أن القسم المكسيكي مرتبط بشكل مباشر بشركة تشونجوانج القابضة، المدرجة في البورصة، قائلا إنها تنتج الألمنيوم الأولي لإمداد سوق أمريكا الجنوبية ويتم إدارتها من قبل نجل ليو.
لكن “مجلس مكابس الألمنيوم” حث الأسبوع الماضي حكومات كل من الصين وفيتنام وماليزيا والمكسيك والولايات المتحدة على التحقيق في الإدعاءات الواردة في تقرير دوبريه. واجتذبت شحنات تشونجوانج اهتمام البائعين على المكشوف بسبب أهمية الشركة في عالم صناعة الألمنيوم. وأثارت شركات أخرى أيضا الانتباه لتطوير طرق ومسارات ملتوية من أجل الحصول على الألمنيوم وإخراجه من الصين. وتضع بعض مصانع معالجة الألمنيوم الصينية المعدن الساخن على شكل سائل وتلفه مباشرة على شكل حلزوني، ما يجعله مؤهلا للحصول على رديات على ضريبة القيمة المضافة عند التصدير، لكن يمكن إعادة صهره بكل سهولة ليعود مرة أخرى معدنا أوليا في بلد ثالث. وتقول شركة تشونجوانج إنها لا تفعل هذا. ولدى المصاهر الأخرى عقود مع بيوت التداول الغربية لتصدير ألواح الألمنيوم، التي تحصل أيضا على رديات على ضريبة القيمة المضافة أثناء ذلك.
ودعا منتجو الألمنيوم غير الصينيين بكين إلى إلغاء الحوافز الضريبية. لكن مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، يبدو من المرجح جدا أن المزيد من الألمنيوم سيتم تصديره من قبل الصين.
لكن مصاهر ومكابس الألمنيوم التي تزدهر بفضل هذه الثغرات في السياسة الوطنية غالبا ما تكون عبارة عن دافعي ضرائب محليين مهمين وأرباب عمل كبار. وعارضت الحكومات الإقليمية وحكومات المقاطعات والمدن أي جهود للإصلاح. وكان الهدف من رديات الضريبة على القيمة المضافة للصادرات هو تحفيز الصناعة الصينية للانتقال إلى منتجات ذات قيمة أعلى، بحسب ما يقول يي تان، وهو خبير اقتصادي مستقل في شنغهاي. “إذا تسببت هذه السياسة فعليا في حدوث قضايا تتعلق بالطاقة المفرطة وفيها الكثير من الثغرات، حينها يكون قد آن الأوان لإعادة التفكير في تلك السياسة”.