طارق ابو حمدان
يقف المزارع ابو احمد عبد العال مذهولاً، ينظر الى شجر الصبار المتهرئ في بستانه عند الطرف الغربي لبلدته حلتا. الروائح الكريهة تنبعث من أوراقها وجذوعها، بعدما تبدّلت الوانها، من اخضر يانع الى بني قاتم مع مشحات رمادية عفنة. «لقد ضربت مواردنا مرة جديدة»، كما يقول، «بسبب انتشار واسع وغير مسبوق لمرض «المن القطني»، الذي بدأ يضرب الصبار منذ حوالي 7 سنوات، ليقضي على هذه الثروة الزراعية، وبنسبة ربما تجاوزت الـ 90 في المئة، يدفع عندها المزارع الحدودي ضريبة المتغيّرات المناخية والإهمال، فترتفع خسائره المتراكمة، في ظل الكساد اللاحق منذ سنوات بمواسمه الرئيسية وخاصة الزيتون».
من الجليل إلى القرى المحاذية
بوادر المرض في هذه المنطقة، بدأت تظهر أولاً في القرى المحاذية للسياج الحدودي الشائك، فمصدر هذا الفيروس حسب العديد من المزارعين والجهات المعنية، الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان قد انتقل الى هناك عبر مستوطن إسرائيلي، كان يعمل بمصنع صباغة، واستورد مستحضراً خاصاً من الأرجنتين، يحوي بداخله مادة أرجوانية تساعد في الصباغة إضافة الى هذا الفيروس، وخرجت عن سيطرته لتنتشر في الجليل، ومنه انتقلت الى القرى الحدودية، ليتوسع لاحقاً الى الحقول في عمق القرى الجنــــوبية. ومما زاد من تفاقم المشكلة عدم اكتراث الجهات المسؤولة، وتجـــاهلها لهذه الكارثة الزراعية، وعوامل الطبيعة، خاصة الثلوج التي ساعدت في تفاقم المرض وشموليته.
المزارع ابو حسن القادري، اشار الى خسائر فادحة لدى مزارعي حاصبيا ومرجعيون والعرقوب، بسبب المرض الذي أتى على معظم حقول الصبار، حتى يمكن القول إن لا صبار في المنطقة هذا العام، ولا حتى في الأعوام العشرة المقبلة، بحيث يخشى المزارع من إعادة زراعة هذه النباتات مرة ثانية. لذلك يمكن القول إن هذه الزراعة متجهة الى الانقراض، وربما تصبح من الماضي، بالرغم من مردودها المادي الممتاز على المواطن، وفوائدها الصحية المتعددة، واستخدامها في إنتاج العديد من الصناعات ومنها الأدوية.
اهمال وعدم اكتراث
يشير المزارع حسام الحرفوش إلى أن «بستان الصبار العائد له في الحاصباني، نجا بأعجوبة من المرض، بعدما عاجله برش المبيدات، مرة واحدة كل اسبوع، فالمكافحة لهذا المرض تجدي نفعاً، لكن يجب أن تكون شاملة للحقول كافة، وتتم بالتعاون مع الجهات المسؤولة في وزارتي البيئة والزراعة، والإرشاد الزراعي، فحرام أن يخسر لبنان هذه الشجرة وثمارها، بسبب الإهمال وعدم الاكتراث».
انخفاض شديد في الإنتاج
احصاءات التعاونيات الزراعية في المنطقة، حسب نائب رئيس التعاونية للزراعات البعلية والشتول، نهاد ابو حمدان، أشارت الى انخفاض حاد في انتاج الصبار هذا العام، فقرى حاصبيا والعرقوب كانت تنتج خلال الأعوام الخمسة الماضية بحدود الـ 10 آلاف طن تقريباً، تباع في الأسواق المحلية بالحبة، والأسعار تتراوح بين الـ20 والـ 25 الف ليرة لكل 100 حبة، في حين لا يتجاوز إنتاج هذا العام الـ600 الى 700 طن، وكأن لا يكفي مزارعي هذه المنطقة كساد زيت الزيتون، حتى جاءتهم مصائب المن القطني، ليضرب، وبنسبة عالية، موسم الصبار الوافر، الذي تعوّل عليه مئات العائلات الحاصبانية والعرقوبية.
تاريخ يعود لمئات السنين
تأسف أم حسن داوود على هلاك حقول الصبار، التي يعود تاريخها الى مئات السنين، فتقول: الصبار من افضل وأفيد الفاكهة اللبنانية على الإطلاق، إنها بعلية بامتياز، بعــــيدة عن كل الأسمدة والمواد الكيماوية، وتحــــمل الدولة كل المسؤولية، فهي كانت قادرة، لو قامت بحملة مكافحة للحفاظ على هذه الثروة الزراعية الجنوبية، والتي كانت تسد جــــانباً من مصاريف الــــعائلة الحـــــدودية، في ظل الضائقة الاقتصادية التي تطوق الجميع.
سياج الكروم
كانت نبتة الصبار، حسب أبو سامر حميد، «تستعيد مكانتها الزراعية من جديد في قرى حاصبيا والعرقوب ومرجعيون، بعد فترة طويلة من تخلي مزارعي هذه القرى عنها، لعدم الطلب وقلة مردودها، هذه الشجرة المسمّاة سياج الكرم والحقل نظراً لكثافة أشواكها، عادت لتتربّع على المجد الزراعي الحدودي، من خلال غرسها وفي مساحات جديدة عل حساب حقول الكرمة والزيتون، نظراً لسهولة تربيتها التي لا تحتاج الى عناية مثل الحراثة والرشّ بالمبيدات وما شابه، فهي ثمرة تعيش في أراضٍ بور وعرة ومن دون حاجة للري، لكن الإهمال وغياب الإرشاد الزراعي ضرب هذه البساتين وأتى عليها بشكل مخيف، حتى يمكن القول إنها في الطريق إلى الانقراض الشامل والنهائي».