IMLebanon

الديمقراطية في قلب الدراما الاقتصادية اليونانية

EuroGreece3
مارتن ساندبو

السؤال الأكبر الذي أثاره فوز حزب سيريزا في الانتخابات في كانون الثاني (يناير) الماضي لم يكُن يتعلّق باليونان. كان السؤال هو ما إذا كان أي عدد سكان في بلد معين اعتمد اليورو يستطيع التعبير بشكل جاد عن الخيار الديمقراطي.

هذه حالة اختبار لليورو نفسه. إذا كان الاتحاد النقدي والديمقراطية غير متوافقين، حتى أصدقاء اليورو الأكثر التزاماً يجب أن يختاروا الديمقراطية. لحسن الحظ هما متوافقان. لكن السياسة الأوروبية ترتكز على وجهة النظر المُعاكسة. بدون تغيير في النهج، لا بد أن ننتهي إلى الفشل.

قائمة الضغوط على اليونانيين فيما يخص تحديدهم مصيرهم طويلة بشكل فريد. فهي تتضمن، أولاً، الإدارة الجزئية غير العادية للسياسة الاقتصادية من قِبل الجهات الدائنة. ثانياً، التدخل الجريء في الانتخابات اليونانية من قِبل القادة الأوروبيين الذين أوضحوا تماماً في كل من عام 2012 وعام 2015 أنهم أرادوا من اليونانيين إعادة انتخاب النخب نفسها التي فقدت صدقيتها. ثالثاً، الجهود الهائلة المبذولة لتجنّب أي اضطراب ينجم عن استفتاء، أو حتى دعم، لبرنامج السياسة في منطقة اليورو.

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، ونيكولا ساركوزي، رئيس فرنسا في ذلك الوقت، أجبرا رئيس الوزراء، جورج باباندريو، على التوقف عن محاولة إثبات حق اليونان في الحصول على قرض إنقاذ ثان (والشروط المُرافقة) من خلال إجراء استفتاء. وفي حين إن منطقة اليورو فشلت في إخافة حزب سيريزا لكيلا يجري الاقتراع في حزيران (يونيو) من هذا العام، إلا أن ذلك لم يكُن بسبب عدم المحاولة. لماذا هذا الموقف العدائي بشكل مدهش تجاه السماح للناس بالاختيار؟ الجواب واضح بقدر ما هو مُثير للقلق: أن القادة في أوروبا يخشون أن الناس سيتخذون الخيار الخاطئ.

في اليونان كانت استطلاعات الرأي متناسقة بشكل ملحوظ بشأن أمرين: أن معظم اليونانيين يريدون الحفاظ على اليورو عملة لهم، ومعظمهم أيضاً يرفض السياسات التي فرضتها المؤسسات الدائنة المعروفة سابقاً باسم الترويكا. هذا ما كان يعنيه “الرفض” الساحق هذا الصيف؛ وهو ما كان استفتاء باباندريو سيُظهره أيضاً لو لم يتم إحباطه.

إنه التعبير عن هذا التفضيل الخاص – الحفاظ على اليورو، لكن مع سياسات مختلفة – الذي فعلت النخبة السياسية في منطقة اليورو كل ما في وسعها لمنعه. هل هذا مُبرّر؟ هناك ثلاثة تفسيرات: واحد مُخادع؛ وواحد خيري؛ وواحد ساخر. وجميعها مُقلقة للغاية بالنسبة إلى أي ديمقراطي.

القصة المُخادعة هي أن سكان اليونان صوتوا للحصول على مزيد من أموال الآخرين مقابل لا شيء. وهذا ليس شيئاً تمنحه الديمقراطية إلى أحد باعتباره خيارا شرعيا لاختياره. لكن حكومة اليونان تمكّنت من تلبية الاحتياجات منذ عام 2013؛ وحتى قبل أن يذهب عُشر القروض فقط لتغطية الإنفاق الأساسي. وفي الغالب “البقاء في اليورو مع سياسات بديلة” يعني العجز عن السداد داخل منطقة اليورو.

التفسير الخيري هو أن قادة منطقة اليورو يعتقدون أنه لا يوجد بديل – باستثناء انهيار اليورو بالكامل – للسياسات التي دعموها، وهي تأمين الدعم المالي من ألمانيا والبلدان الدائنة الأخرى مقابل سياسة مالية ونقدية مُتشدّدة وإصلاحات هيكلية مفروضة من المركز. ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، هو المؤيّد الأوضح لهذه الفكرة. فهو يُجادل بأن جميع أعضاء منطقة اليورو لديهم مصلحة في تأكيد أنه لا يوجد أي عضو سيكون أفضل حالاً عند مغادرة الاتحاد النقدي، ولديهم ما يُبرّر المطالبة بإصلاحات هيكيلة لجعل اليورو يعمل بشكل أفضل.

التفسير غير الخيري هو أن النخب في المؤسسة الأوروبية ربطت صدقيتها بسياسات يُمكن لومها، عن حق، على أنها السبب في تقييد النمو الاقتصادي في أوروبا، وبالتالي لا تستطيع تحمّل الاعتراف بأنها كانت على خطأ. فحين تدعي أنه لا يوجد بديل، فإن هذا الادعاء لا يُمكنه الصمود في حال إقامة الدليل على وجود بديل ناجح. بالتالي، الضرورة السياسية تقتضي الإصرار على أن اليورو يتطلب الإجماع على احترام فكرة “النقود مقابل السيطرة” – وأن تحدّي هذا الإجماع هو بمثابة التخلّي عن اليورو.

لكن هذا ليس صحيحاً. إعادة هيكلة الديون السيادية وديون المصارف في وقت مُبكر في اليونان كان من شأنها إزالة الحاجة للحصول على قروض إنقاذ رسمية ضخمة. التحوّل إلى سياسة التقشّف والتشديد النقدي في الفترة 2010-2011 كان خياراً من خيارات السياسة؛ وهناك خيارات أخرى كان من الممكن اتخاذها. وأجندة الإصلاح التي تُشكّل الآن الأيديولوجية المُهيمنة في أوروبا قد تكون، أو لا تكون، جيدة للنمو على المدى الطويل – صندوق النقد الدولي يُعطي حُكماً متباينا – لكن بالكاد هي شرط لا غنى عنه لبقاء اليورو. إذا اختار أحد البلدان سياسات أقل ملاءمةً للنمو من غيره، فيجب أن يتقبّل ببساطة أن يكون متخلفا عن غيره. هذا هو ما ينبغي أن تكون عليه الحال في اتحاد الديمقراطيات.

لكن أعدادا لا تحصى من المراقبين المستقلين دققوا بشكل ضعيف في خطاب “لا يوجد بديل”، دون إدراك أنه إذا كان صحيحاً، فهو بمثابة إدانة فظيعة للاتحاد النقدي. هدف اليورو كان تسهيل التجارة والاستثمارات عبر الحدود وتعزيز الروابط السياسية التي تمنع العودة إلى العداوات الماضية. الهدف لم يكُن إزالة أي خيار بشأن النماذج الاقتصادية التي ترغب البلدان المختلفة العيش بموجبها.

حقيقة إن البدائل موجودة هي أمر يبعث على الارتياح، لكنها أيضاً تبعث على اليأس. من خلال التظاهر أنها غير موجودة – وفي اليونان، محاولة جعل هذا يبدو حقيقياً من خلال إغلاق النظام المصرفي بدلاً من فرض إعادة هيكلته – فإن أوروبا تخون القيم الخاصة بها. وواحدة من القيم الأثمن عبَّر عنها فولتير: الدفاع عن حق الشخص في التعبير عن ـ والعيش وفق ـ وجهة نظر تختلف معها بشدة.

أوروبا يجب أن تتمسك بهذا المبدأ بدرجة أعلى من شكّها المُبرّر في أجندة حزب سيريزا. القيام بالعكس هو بمثابة خيانة لا يُمكن إلا أن تؤدي إلى زيادة الدعم لليساريين واليمينيين المُتطرفين.