كتبت ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
لم يكن مستغرباً عدم ردّ قيادة الجيش على الكلام الذي طال قائد الجيش جان قهوجي شخصياً في المؤتمر الصحافي الاستثنائي الذي عقده العماد ميشال عون في الرابية يوم السبت الماضي. لائحة اتهامات واضحة، مرفقة بتهديد مباشر يضع خطاً أحمر لحدود تعاطي الجيش مع أي تحرّك في الشارع من جانب مناصري «التيار الوطني الحر».
سبق للمؤسسة العسكرية ان تعرّضت، وقائدها، لمسلسل من الحملات في السابق من جانب من عرفوا بـ «صقور» تيار «المستقبل» وصلت الى حدّ المطالبة باستقالة قهوجي وتخوينه. لكن نادراً ما كانت مديرية التوجية تصدر بيان ردّ على الاستهدافات التي تطال المؤسسة وضباطها.
لن يكون الامر مغايراً مع ميشال عون. الأرجح ان الصمت هنا يكتسب أهمية مضاعفة من باب قرار قهوجي الشخصي بعدم الانجرار الى اشتباك مباشر مع رئيس «تكتل التغيير والإصلاح». الردود على كلام الأخير بقيت أسيرة الغرف المغلقة.
وفي إحدى المناسبات الخاصة تسنّى لبعض المقرّبين من قائد الجيش سماع ردّ مباشر على لسانه على ما قيل في الرابية «ميشال عون مخطئ في العنوان. مشكلته ليست معي بل مع القوى السياسية. يريد ان يضعني في الواجهة لكني لن أنجرّ الى اي ردّ. لست أنا المقرّر في ملف التعيينات الذي هو من صلاحية الحكومة والوزراء المعنيين. أنا اليوم أقوم بمهامي على رأس المؤسسة العسكرية وسأستمر بذلك ما دمت في موقعي».
مع بيان او من دون بيان، المعركة مفتوحة بين «الجنرالين». وبالتأكيد هي بقيت طوال السنوات الماضية ضمن سقف الضوابط الكلاسيكية الى ان أتى أوان الشارع والتمديد الثاني. وها هو ميشال عون يقولها بصريح العبارة لقائد الجيش بأنه «لا يمكنك ان تتلطى خلف الجيش لحماية أخطائك».
وفي هذا السياق يملك العارفون بكواليس «مطبخ الشارع» ما يقولونه. أي قرار بانتشار القوى الامنية على الارض هو سياسي بالدرجة الاولى يبدأ من رئيس الحكومة ليصل الى الوزراء المعنيين ولا ينحصر فقط في قيادة الجيش. وبالتالي فإن نتائج قرار كهذا تتحمّل مسؤوليته السلطة السياسية.
اكتفى عون أمس بعبارة مقتضبة «الدعوة الى التظاهر غداً» من دون تحديد المكان والزمان. قواعده جاهزة ومستنفرة، لكن القرار بالتصعيد التدريجي يبدو مرتبطاً بأكثر من معطى.
وفق ما توحي أجواء الرابية فإن مهلة السماح، ربطاً بإعطاء المجال للتفاوض بشأن اقتراح رفع سن التقاعد للضباط، سيكون حدّها الأقصى 15 تشرين الاول، تاريخ إحالة العميد شامل روكز الى التقاعد.
وتلفت أوساط وزارية في هذا السياق الى ان أي رهان عوني على إعادة البحث بقرارات تأجيل التسريح على طاولة مجلس الوزراء هو رهان غير منطقي، على اعتبار ان تطوّراً واحداً يمكن فقط ان يعطّل مفعول تأجيل التسريح: انتخاب رئيس جديد ثم تشكيل حكومة تتولى إقرار التعيينات العسكرية والامنية.
إذاً، الشارع البرتقالي ينتظر الإيعاز للتحرّك بالساعة والدقيقة والأهداف. أما في اليرزة فتأكيدات ان ليس هناك من يفكر بافتعال مشكل مع «شارع» ميشال عون، أو مع أي شارع آخر.
مصادر عسكرية تشير هنا الى ان «مهمّة الجيش حماية التظاهرات والتحرّكات السلمية، وثمة الكثير من التجارب السابقة التي كان فيها الجيش حامياً لتجمّعات واعتصامات وتظاهرات بأعداد كبيرة كان طابعها سلميّاً، لكن الجيش مسؤول عن حفظ الامن، وأي تحرّك يخرج عن اطار الاحتجاج السلمي سيعالج في حينه، وأي محاولات لاختراق مسالك قطعها الجيش ومحاولة فتح الطرق بالقوة وإزالة الأسلاك الشائكة ستعتبر بمثابة اعتداء صريح على عناصره».
وتلفت المصادر الى «ان النبرة التي طبعت كلام عون في مخاطبته شارعه للاستعداد للنزول الى الارض حملت كمّاً من التجييش الذي قد قد يدفع البعض الى التظاهر والاحتجاج بروح عدوانية، لكن ما دام التعبير عن الرأي يحصل ضمن سقف القانون فالجيش سيكون الحامي الاول لهم. مع العلم ان الجيش، ومن ضمن مهامه لحفظ الامن، هو قوة مؤازرة لقوى الامن الداخلي ولا يتدخّل إلا عندما تدعو الحاجة الى ذلك، كما حدث في 9 تموز».
ووفق المعلومات، تلقّت الرابية في الساعات الماضية جملة نصائح بتوخّي استخدام ورقة الشارع: أولاً، لأن اللجوء الى هذا الخيار يعني حكماً ان كل الوساطات والمبادرات قد وصلت الى الحائط المسدود، وبشكل أساس مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وثانياً، لأن الاصطدام المحتمل في الشارع سيشكّل نكسة أخرى لعون، خصوصاً ان الخطاب الاخير لرئيس «التكتل»، معطوفاً على الصوّر المسرّبة التي روّج لها على انها من «احتفاليات» التمديد، من شأنها ان تخلق احتقانات لدى عناصر «التيار» قد لا تجد متنفساً لها إلا في الشارع.
في الرابية كلام لا يخرج عن إطار السقف الذي حدّده عون في خطابه الاخير، ونواته رسالة تحذير «بأن لا يكون قهوجي شريكاً في الدفاع عن نظام يقمع إرادة المواطنين حين تتغاضى المؤسّسات فيه عن القيام بواجبها البديهي، في ظل دولة كل قياداتها غير شرعية. وبهذا المعنى، فإن وضع الجيش في مواجهة تظاهرة سلمية لن يتحمّل نتيجتها سوى قهوجي فقط».
وهو موقف انعكس بشكل واضح بعد بيان اجتماع «التكتل» أمس حين أشار عون الى ان «شبابنا تربّوا على المقاومة» ردّاً على قرار «وضع الجيش بوجهّنا»، مذكّراً بالتحذير الذي أطلقه يوم السبت الماضي بشأن احتمال إقدام قهوجي على هذه الخطوة.