نعمت أبو الصوف
ناقوس الخطر بدأ يدق من جديد محذرا من هبوط آخر في أسعار النفط. منذ بداية الشهر الجاري وعقود أسعار خام بحر الشمال القياسي ـــ برنت ـــ تتذبذب في سوق المبادلات “إنتركونتيننتال إكستشينج” (ICE) في نطاق ضيق قرب أدنى مستوياتها في عدة أشهر دون 50 دولارا للبرميل، فاقدة نحو 20 في المائة من قيمتها منذ نهاية شهر حزيران (يونيو). في حين يستمر المعروض العالمي في النمو، حيث تظهر موارد النفط الصخري في الولايات المتحدة مرونة غير مسبوقة في مواجهة انخفاض الأسعار، وأعضاء “أوبك” في منطقة الشرق الأوسط مستمرون في ضخ مزيد من النفط الحامضي. مع استمرار أساسيات أسواق النفط بالإشارة بقوة إلى زيادة العرض، يراقب المتداولون في أسواق النفط بحذر مستوى 46.6 دولار للبرميل الذي وصله خام بحر الشمال في سوق المبادلات في شهر كانون الثاني (يناير) من هذا العام. تشير التحليلات الفنية، التي تتابع عن قرب من قبل المتداولين، إلى أن هبوط أسعار برنت إلى دون 40 دولارا للبرميل قد يصبح محتملا فيما إذا تجاوز حاجز 45 دولارا للبرميل.
في الوقت الحاضر، تحصل أسواق خام برنت الفورية (Physical Brent) على بعض الدعم المؤقت الذي يشوه الصورة الهبوطية العامة للأسواق. حيث إن قيام المشترين الآسيويين بالإقبال على شراء شحنات من النفط الخام النيجيري ونفط حقل فورتيز (Forties) الإنجليزي أسهم في تشدد أسواق بحر الشمال الفورية، ما خفف مؤقتا من الضغوط على أسعار خام برنت (dated Brent) إلى درجة أن أسعار عقود خام برنت في الأسواق الآنية تم تداولها بعلاوة نادرة على عقود برنت الآجلة لأقرب شهر. إن السبب في إقبال المشترين الآسيويين على شراء نفط حوض الأطلسي الحلو يعود إلى ضعف علاوة خام برنت على خام الشرق الأوسط المتوسط الحامضي. إضافة إلى ذلك، قام منتجو حوض الأطلسي بتخفيف فروقات نفوطهم مقابل أسعار خام برنت (dated Brent)، لتوفير حافز إضافي – على سبيل المثال، تم أخيرا تسعير النفوط النيجيرية بأقل الفروقات عن خام برنت.
طالما هناك مجال لتخزين مزيد من النفط في الصهاريج، أسعار النفط سوف تبقى محمية إلى حد ما من فائض الإمدادات. بالفعل، بدأت حالة التأجيل Contango، أي أن أسعار العقود المستقبلية (الآجلة) أعلى من الأسعار الفورية، في منحى أسعار خام برنت في الاتساع مرة أخرى، ما يوفر حافزا ماليا أكبر لتخزين النفط لبيعه في وقت لاحق، على افتراض وجود سعة تخزين كافية. لكن اتساع حالة التأجيل Contango يعكس أيضا توقعات جديدة بأن فائض النفط الخام من غير المرجح أن ينحسر خلال النصف الثاني من هذا العام كما كان متوقعا. بعد تقلص الفجوة بين عقود برنت لأقرب شهر وعقود الستة أشهر إلى ما دون دولارين للبرميل عادة، واتسعت إلى نحو ثلاثة دولارات للبرميل، ما يجعل صهاريج التخزين البرية جذابة مرة أخرى.
المملكة العربية السعودية والعراق رفعا إنتاجهما في الربع الثاني، تزامن هذا التصعيد تماما في الوقت نفسه الذي أصبح من الواضح أن نمو الإمدادات من خارج دول منظمة أوبك لم يتباطأ بالسرعة التي كانت متوقعة. حيث بينت المملكة في أكثر من مناسبة أنها تنتج أكثر ببساطة لتلبية الطلب، وقد تخفض قليلا بعد موسم الصيف. في الواقع، كان الطلب العالمي على النفط قويا للغاية في النصف الأول من عام 2015، حيث استوعب مزيدا من الإمدادات أكثر مما كان متوقعا، ولكن من المتوقع أن يتباطأ في النصف الثاني. في المستقبل القريب التوقعات قاتمة، حيث من المرجح أن يتجاوز فائض العرض العالمي مليوني برميل في اليوم للفترة المتبقية من العام.
ما يعقد التوقعات المستقبلية لخام برنت أكثر هو دور المضاربين، الذين باعوا ثلث صافي مراكزهم الدائنة (net long positions) منذ شهر نيسان (أبريل)، عندما كانت أسعار برنت عند ذروتها في شهر أيار (مايو) قرب 68 دولارا للبرميل. على الرغم من ذلك لا يزال المضاربون يحتفظون بأكثر من 200 ألف من صافي مراكزهم الدائنة – حيث يراهنون على ارتفاع الأسعار – هذه العقود قد ترسل أسعار برنت إلى القاع إذا ما بدأ المضاربون ببيعها. لكن التقلبات تلعب دورا هنا أيضا. حيث راهن المضاربون على أن الفجوة بين أسعار برنت وعقود خام غرب تكساس الوسيط في أسواق نايمكس سوف تتسع، لذلك قاموا ببيع عقود خام غرب تكساس الوسيط واشتروا عقود برنت في الفترة بين منتصف حزيران (يونيو) ومنتصف تموز (يوليو)، لكنهم الآن يعكسون هذه العملية. بالفعل الفرق بين خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط ارتفع أكثر من الضعف من نحو 3.1 دولار للبرميل في 15 حزيران (يونيو) إلى 7.1 دولار للبرميل في 15 تموز (يوليو)، لكن عاد وتقلص إلى نحو خمسة دولارات للبرميل في نهاية تموز (يوليو) بعدما عكس المضاربون عملية الشراء. في الوقت الحاضر يحتفظ المضاربون تقريبا بصافي مراكزهم الدائنة نفسه في خام برنت التي كانوا يحتفظون بها قبل عام، عندما كانت أسعار النفط 50 دولارا للبرميل أعلى. التعاملات الورقية في خام برنت تنمو، ما يحسن السيولة ولكن في الوقت نفسه تزيد من التقلبات. هذا وقد وصل مجموع العقود المستحقة لخام برنت هذا العام حتى الآن إلى أكثر من 1.8 مليون عقد، مقابل 1.48 مليون عقد في عام 2014 ككل، في حين أن حجم تداول برنت وصل إلى 745 ألف عقد في اليوم بارتفاع 20 في المائة من عام 2014.