Site icon IMLebanon

الصينيون الجدد.. تصدير البرجوازية بثوب السياحة

Chinese-tourists-Luxury
(Money is honey) أو “المال عسل” لم تكن جملة توصيفية في سياق حديث عابر بين صديقين، بل كانت التحية التي ألقاها علي رجل أعمال صيني على مشارف الخمسين من عمره في مطار بكين، رددت التحية بابتسامة صغيرة تحمل تأكيدا ضمنيا أن المال مصدر السعادة، إلا أن ابتسامتي لم تكن كافية للنجاة من ثرثرة محتملة.

دون أي مقدمات بدأ جاو مينغ باستعراض رحلاته الخارجية، ومغامراته العاطفية مستخدما جهاز الآيباد لتوثيق كلامه بالصور ومقاطع الفيديو، وما كان ملفتا قيامه بتخصيص صفحة للخريطة الأوروبية يشطب منها كل دولة يزورها، وقد أبلغني أنه زار حتى رحلته الأخيرة 15 عاصمة أجنبية بتكلفة وصلت إلى نحو نصف مليون دولار.

وحين سألته عن السبب الذي يجعله يصرف نصف مليون دولار بهذه الطريقة قال إن الأوروبيين يدفعون أكثر من ذلك للاسترخاء والاستجمام في بلدانهم. وأضاف أن “أوروبا وطن الأثرياء، وأنا رجل ثري، فلماذا لا أزور وطني!”.

أكبر مصدر للسياح

على الرغم من أن جاو مينغ رجل ثري ينتمي للطبقة البرجوازية فإنه يمثل شريحة واسعة من الصينيين أصحاب الدخل المتوسط الذين باتوا يصطفون في طوابير أمام السفارات الأجنبية للحصول على تأشيرة “شينغن” رغبة منهم في السياحة الخارجية التي لم تكن قبل عشرة أعوام غاية ملحة كما هي عليه اليوم.

وتشير التقارير الصادرة عن الإدارة الوطنية للسياحة في الصين إلى زيادة متواصلة في حجم السياحة الخارجية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ففي عام 2013 بلغ عدد السياح الصينيين المسافرين لخارج الصين 98 مليونا، وارتفع العدد إلى 109 ملايين عام 2014، وهي أرقام غير مسبوقة مكنت الصين من احتلال المرتبة الأولى كأكبر مصدر للسياح في العالم.

وتتوقع منظمة السياحة العالمية أن يقفز هذا العدد إلى خمسمئة مليون سائح خلال الـ15 عاما المقبلة في ظل التنمية الاقتصادية السريعة في الصين، وزيادة متوسط دخل المواطن الصيني، وهذا دفع العديد من الدول الأجنبية إلى التنافس في ما بينها، لاجتذاب السياح الصينيين كونهم من محبي البذخ والإنفاق، حيث اتخذت دول أوروبية بينها -بريطانيا وإسبانيا وفرنسا- إجراءات قانونية لتسهيل حصول السياح الصينيين على التأشيرة الأوروبية.

أوروبا أولا

وتحتل أوروبا المركز الثاني كأفضل مقصد سياحي للصينيين بنسبة 8.2% من إجمالي الرحلات الخارجية، وتأتي بعدها القارة الأميركية بنسبة 2.7%، أما حصة الأسد من رحلات الصينيين الخارجية فكانت من نصيب القارة الآسيوية بنسبة 89%.

وتشير أحد التقارير الصادرة عن هيئة أناليسيس الدولية إلى أن حجم معاملات سوق السياحة عبر الإنترنت في الصين قد بلغ 33.26 مليار يوان في عام 2014، وأن عدد وكالات السفر التي تزاول أعمال السياحة الخارجية للمواطنين الصينيين تجاوز 2700 وكالة حتى نهاية عام 2014، أي ما يمثل 10% تقريبا من إجمالي عدد وكالات السفر العاملة في الصين.

هذا وكان المدير التنفيذي لمنظمة السياحة العالمية السيد تشو شان تشونغ قد قال في معرض حديثه عن القفزات الكبيرة التي حققتها الصين في مجال السياحة الخارجية إن السياح الصينيين ساهموا بـ129 مليار دولار من مجمل اقتصاد السياحة العالمية.
جاء ذلك خلال الدورة الثامنة للمنتدى الدولي حول الاتجاهات السياحية الذي عقد في مدينة قويلين جنوب غرب الصين في الـ13 من أكتوبر/تشرين الأول 2014.

تحول مجتمعي

كافة المعطيات السابقة تشير إلى تحول كبير في المجتمع الصيني نحو حياة البذخ والإسراف والترف، وهو الذي كان يعاني حتى وقت قريب من ظروف سياسية واقتصادية سيئة ذاق خلالها ويلات الحروب والجوع والحرمان.

ولم تقتصر هذه الحالة المرضية على المجتمع الصيني المهوس بالغرب وبنمط حياته العصرية، بل طالت أيضا قيادته السياسية الغارقة بالفساد المالي والأخلاقي، والتي باتت تنفق على التلذذ بالحياة أكثر مما تنفق على إصلاحها، وليست آخر الفضائح القادمة من الصين فضيحة المسؤول البارز في الحزب الشيوعي الصيني بو تشيلاي الذي أنفق مليون دولار في ليلة واحدة قضاها في أحد النوادي الليلية في ماكو.

وقائع وحقائق تتناقض مع القيم والمبادئ الاشتراكية التي يتغنى بها الشيوعيون، فهل يتحول المجتمع الصيني إلى مجتمع رأسمالي؟ وهل تصبح الشيوعية مجرد ممارسة سياسية في الصين؟ أسئلة ستجيب عنها السنوات القادمة.