كتب طوني أبي نجم
قدّم ميشال عون عبر “التيار الوطني الحر” أسوأ عروضه السياسية على الإطلاق منذ العام 2005 في تظاهرته مساء الأربعاء في ساحة الشهداء. صحيح أن قائد الجيش السابق أدمن خسارة كل معاركه، لكنّ الصحيح أيضاً أنه اعتاد على محاولة تدمير الهيكل على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً في كل مرّة ينجز خسارته!
هكذا، وبعد أن أيقن عون بالأمس أنه خسر آخر معاركه “العائلية” بسقوط حظوظ صهره العميد شامل روكز بالوصول الى قيادة الجيش، أو على الأقل بالإبقاء على آماله في الوصول الى قيادة الجيش عبر تعديل قانون الدفاع ورفع سنّ التقاعد للعمداء، وبعد أن خسر معركة ادعائه أنه مرشح وفاقي لرئاسة الجمهورية وفشلت كل محاولاته لإقناع تيار المستقبل بالسير به، حاول بكل بساطة أن يدمّر هيكل الوحدة الوطنية التي تجسّدها العلاقة بين المسيحيين والاعتدال الإسلامي السنّي المتمثل بتيار المستقبل.
عن سابق تصوّر وتصميم، عملت ماكينة “التيار الوطني الحر” على تصوير تيار المستقبل وكأنه نسخة عن “داعش” في لبنان. إحدى اليافطات العونية حملت علم تيار المستقبل مع شعار: “الدولة الإسلامية- إمارة لبنان”. وثانية حملت لون تيار المستقبل مع شعار “ألوان الدولة الإسلامية في لبنان”، إضافة الى شعارات مثل أن “داعش تضع أيضا كرافات” و “ليس كل الداعشيين ملتحين… يمكنهم أن يكونوا حليقي الذقون أيضاً”!
في الوقت نفسه، وطوال النهار التجييشي البرتقالي، كانت الـOTV تحاول يائسة التحريض الطائفي ضد تيار المستقبل من باب وزير العدل اللواء أشرف ريفي الذي أصرّت على اتهامه بأن ضرب المسيحيين في الشمال من خلال بعض التشكيلات في وزارته، وبأنه أنجح الراسبين في امتحان معهد الدروس القضائية. وكأنّ العونيين بذلك أرادوا شكر أشرف ريفي الذي رفع نسبة المسيحيين في قوى الأمن الداخلي يوم كان مديراً عاماً من حوالى 20 في المئة الى أكثر من 40 في المئة، وشكره أيضا على سابقة تحصل في امتحانات معهد الدروس القضائية التي نجح فيها 19 مسيحياً من أصل 33 ناجحاً، أما الـ7 من “الراسبين” على علامة أو علامتين وطلب لهم أن يكونوا بصفة “مستمعين” في معهد الدروس القضائية فهم 3 مسيحيين و2 شيعة وواحد سنّي وواحد درزي!
هكذا أيضاً أطلق ميشال عون النار على دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين أعلن أنه هو، أي عون، من حرّر لبنان وليس “موت رفيق الحريري”!
هكذا يتعاطى عون. ساعة يشهر كتاب “الإبراء المستحيل” وساعة أخرى يجازف أمنياً ويغادر على عجل الى باريس للقاء سعد الحريري. ذات ليلة يقصد بيت الوسط ليحتفل بعيد ميلاده الثمانين ويقطع قالب الحلوى مع سعد الحريري، وذات مساء يدفع بمناصريه الى الشارع ليتهموا تيار المستقبل بانه “داعشي”.
ميشال عون يريد وضع اللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما يتحوّل هو شخصيا وأصهرته الى “العائلة الحاكمة” في لبنان فيأخذ رئاسة الجمهورية له، وقيادة الجيش لصهره، ووزارة أساسية لصهره الثاني، واما فهو مستعد ليحرق لبنان. وكم يشبه تهديده الضمني هذا تهديد بشار الأسد قبيل انسحابه مذلولا من لبنان في نيسان الـ2005!
من المؤسف فعلا أن تكون ساحة الشهداء التي شهدت بالأمس على محاولة ممنهجة لاستعداء الشارع السنّي ودفعه الى التطرّف من خلال محاولة إلصاق تهم الداعشية به، هي نفسها الساحة التي شهدت ذات يوم من آذار الـ2005 الشهيد جبران تويني يتلو قسم الوحدة اللبنانية: “نقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحدين، الى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم”!