Site icon IMLebanon

قادة الصين يكسرون محرّما راسخا .. خفض العملة

China-Yuan
جميل أندرليني

وفقا للحكمة التقليدية، من السهل بدء الحروب، لكن من الصعب إنهاؤها. كذلك تخفيض العملة في بكين، أكبر قرار حول العملة في يوم واحد منذ عام 1994، يمثل أحدث المناوشات في معركة ناشئة التي، يحذر بعض المحللين، ربما يكون من الصعب التراجع عنها.

هذه الخطوة تمثل تحولا في سياسة الصين خلال فترة من المتاعب الاقتصادية. في أواخر التسعينيات، كان ينسب الفضل إلى الصين على نطاق واسع لاحتوائها دمار الأزمة المالية الآسيوية، لأنها تمسكت بسعر صرف الرينمينبي في خضم التخفيضات التنافسية للعملات في أنحاء المنطقة كافة.

وفي الأزمة المالية العالمية لعام 2008، رفضت بكين أيضا تخفيض قيمة العملة حتى مع تلاشي صادراتها، التي تحرك الاقتصاد، بين عشية وضحاها.

الآن، في خضم التباطؤ الاقتصادي الصيني الحاد والمستمر، وضغوط ارتفاع قيمة العملة، الناجمة عن “الارتباط القذر” بين الرينمينبي وبين الدولار الأمريكي الذي يحلق عاليا، فقد قرر القادة في الصين القيام بالتخفيض.

قال فريزر هوي، المحلل المختص بالصين والمؤلف المشارك لكتاب ’الرأسمالية الحمراء‘: “هذا يظهر مدى يأس الحكومة بشأن حالة الاقتصاد. إذا كانوا يحاولون، كما قال البنك المركزي إنه يريد، إعادة سعر الصرف ليتماشى مع توقعات السوق، فإن معنى ذلك أنهم فشلوا فشلا ذريعا، لأن السوق الآن تتوقع فقط مزيدا من تخفيض القيمة”.

في إعلانه عن تخفيض قيمة العملة تماما قبيل افتتاح الأسواق، اتخذ بنك الشعب الصيني جهودا كبيرة في سبيل الإصرار على أن هذا كان خطوة لمرة واحدة، وجزءا من تحول أوسع إلى آلية سعر صرف أكثر توجها نحو السوق.

قال بنك الشعب الصيني إنه سيقوم بحساب تعديل الرينمينبي اليومي – السعر الذي يحدده البنك للعملة كل صباح، وحيث يسمح له بالتحرك بمقدار يصل إلى نقطتين مئويتين في كل اتجاه – من خلال الملاحظة الأكبر لقوى السوق، بما في ذلك الحركات في أسواق العملة العالمية.

قال إسوار براساد، الرئيس السابق لقسم الصين صندوق النقد الدولي: “إن بنك الشعب الصيني قام بتدبير مزيج ذكي مكون من خطوة لإضعاف الرينمينبي مع تحول إلى سعر صرف تحدده السوق أكثر، على نحو يضعف الانتقادات الأجنبية لتخفيض قيمة الرينمينبي”.

“خطوة الصين سوف يتردد صداها في أسواق العملة العالمية، وتشير إلى أن واحدا من المعاقل الأخيرة بين الاقتصادات الكبرى، قد يكون يستسلم وينضم إلى المعركة في محاولة لاستخدام سياسة العملة كأداة لمواجهة النمو الضعيف” حسبما أضاف.

جميع المحللين يتفقون على أن إحياء صادرات الصين المنخفضة سوف يتطلب تخفيضا في قيمة العملة أكبر بكثير من هذه الخطوة التي وصفت بأنها “لمرة واحدة”.

توم أورليك، كبير مختصي اقتصاد آسيا في “بلومبيرج”، يقدر أن تخفيض قيمة العملة بنسبة 1 في المائة في سعر الصرف الفعلي الحقيقي سيزيد نمو الصادرات بمقدار نقطة مئوية واحدة، بفارق زمني مكون من ثلاثة أشهر.

يقول بنك التسويات الدولية إن سعر الصرف المعدل حسب التضخم وحسب الوزن التجاري النسبي للرينمينبي مقابل جميع العملات ارتفع بنسبة 3.6 في المائة في النصف الأول من هذا العام، وارتفع بنسبة 10.3 في المائة منذ بداية عام 2014.

حتى فترة قريبة كانت في الشهر الماضي، كان كثير من المسؤولين ومختصي الحكومة يصرون على أن الصين لن تقوم بتخفيض قيمة العملة.

في أواخر آذار (مارس) الماضي، قال رئيس الوزراء لي كيكيانج: “نحن لا نريد أن نرى مزيدا من تخفض قيمة العملة الصينية، لأننا لا نستطيع الاعتماد على تخفيض قيمة عملتنا لتعزيز الصادرات.

لا نريد أن نرى سيناريو نجد فيه أن الاقتصادات الكبرى تصطدم ببعضها بعضا لتخفيض قيمة عملاتها. هذا سيؤدي إلى حرب عملات، وإذا وجدت الصين نفسها مضطرة إلى تخفيض قيمة الرينمينبي في هذه العملية، فنحن لا نعتقد أن هذا سيكون أمرا جيدا بالنسبة للنظام المالي الدولي”.

ويأتي هذا التغير في التفكير مع تباطؤ اقتصاد الصين أكثر مما كانت تتوقعه بكين. الصادرات، على وجه الخصوص، تراجعت، بعد انخفاض بنسبة 8.3 في المائة على أساس سنوي في تموز (يوليو) الماضي.

الانفجار الذي وقع في الشهر الماضي لفقاعة الأسهم المستمرة منذ عام وتدافع الحكومة لدعم الأسهم، أثار أعصاب القادة في الصين ويبدو أنه أقنعهم للقيام بكسر الأمر المحرم الموجود منذ فترة طويلة، وهو تخفيض قيمة العملة.

إلى جانب خطر حرب العملات مع بلدان أخرى، يجب أن تكون بكين حذرة من الضغوط السياسية من واشنطن، حيث التخفيض المتصور لقيمة الرينمينبي كان بمنزلة مصدر دائم للخلافات التجارية.

هناك مشكلة أخرى، وهي أن تخفيض قيمة العملة من المرجح أن يحفز هروب رؤوس الأموال، الذي أصبح بالفعل بمنزلة مشكلة هذا العام لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمن.

وقال ستيورات آلسوب، رئيس استراتيجية مخاطر البلاد والأسواق المالية في شركة بي إم آي للأبحاث: “إن تخفيض قيمة الرينمينبي ليس كبيرا بما فيه الكفاية لتحسين قدرة الصادرات الصينية على التنافس، لكنه كبير بما فيه الكفاية لإيجاد شعور بأن بكين ربما قامت جذريا بتحويل سياسة عملتها”.

“الخطر الآن هو أن المستثمرين سينظرون إلى اليوان باعتباره رهانا في اتجاه واحد بشكل أضعف، ويبدأون بالدخول في تعاملات ضد العملة، ما يؤدي إلى زيادة احتمال ضعف اليوان الكبير ومزيد من عوامل اللبس”.