ذكرت صحيفة “الجمهورية” أن المواقف التي أطلقَها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أعادت التأكيد على ثوابت المرحلة في لبنان، وفي طليعتها الثلاثية الجديدة: استقرار، حوار، وحكومة، الأمر الذي يجعل التحرّكَ العوني محكوماً بهذه الثلاثية التي تشَكّل تقاطعاً دولياً-إقليمياً-محَلياً، وبالتالي لا أفقَ عمليّاً لهذا الحراك غير القابل للترجمة السياسية، خصوصاً أنّ كلّ التقديرات أجمعَت على أنّ الحشد العوني كان متواضعاً جدّاً، على رغم التعبئة السياسية التي رافقَته وقيادة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون شخصياً له. ومِن الواضح أنّ كلّ ما كان يريده عون هو التعويض عن المشهدية الشعبية السابقة، كونه يدرك أنّ آفاق التغيير مسدودة، والتأكيد على قدرته على الحشد من أجل التحذير من محاولة تجاوزِه في استحقاقات مستقبلية.
من جهتها، كتبت صحيفة “النهار”: “مع ان التجمع العوني الذي احتشد مساء أمس أمام نصب الشهداء في وسط بيروت بدل في شكل ملحوظ المشهدية السابقة المحدودة التي حصلت قبل أسابيع عبر تظاهرة العونيين امام السرايا الحكومية، فإنه لم يرق الى الحشود التي عرف بها “التيار الوطني الحر” منذ نشأته.
غير أن ما يقتضي الاشارة إليه ان بعض ما شاب التجمع العوني في ساحة الشهداء أثار انطباعات سلبية من حيث التهجم على “تيار المستقبل” برفع لافتات تجاوزت إطار الخلاف السياسي التقليدي الى إهانة “المستقبل” بتصويره متماهياً مع “داعش” أو حملت اسم “الدولة الاسلامية امارة لبنان” بلون الشعار الازرق الخاص بتيار “المستقبل”. وفي ما عدا ذلك، مرّ التجمع بسلام ومن دون اشكالات أمنية، بل استرعت انتباه المراقبين المرونة الأمنية التي واكبت التظاهرات السيارة والتجمع في ساحة الشهداء الذي استمر أكثر من ساعتين. ولم يحدّد “التيار الوطني الحر” موعد التحرّك التالي ومكانه، فيما تردّد أنه لن يتزامن مع جلسة مجلس الوزراء قبل ظهر اليوم بل ربما تلاها.
صحيفة “السفير” قالت: “عاد العماد ميشال عون الى الشارع، معبِّراً بهدير الأقدام عن اعتراضه على النهج المعتمد في التعاطي مع مطالبه، وصولاً الى القطرة التي طفح بها الكيل، مع التمديد للقادة العسكريين.
وإذا كان خصوم «الجنرال» قد سارعوا الى التقليل من شأن التحرك البرتقالي ومن حجم المشاركة فيه، إلا ان الأكيد هو ان تظاهرة الأمس هي أكبر من تلك التي نظمها التيار بمحاذاة السرايا الحكومية، في المرة السابقة.
وبات واضحاً أن التيار يعتمد سياسة «الإنذار المتدحرج» الذي يتخذ في كل مرة حجماً يتجاوز ما سبق، الأمر الذي يعني ان عون لا يزال يخفي في جعبته أوراقاً لـ «المستقبل»، سيستخدمها في الوقت المناسب والذي قد لا يتأخر كثيراً، إذا استمرت الازمة الحالية على استعصائها.
وقالت مصادر بارزة في التيار لـ «السفير» إن حجم التجاوب الشعبي مع دعوة عون الى التحرك كان أكبر مما هو متوقع ومخطط له، وهذا ما دفع «الجنرال» الى تعديل وجهة السير، موضحة ان التحرك المعد كان يقضي بتنظيم تجمعات موضعية في بعض المناطق مع امكانية تنظيم مسيرات سيارة، من دون ان تكون ساحة الشهداء واردة في الحسابات، لكن كثافة الحضور البرتقالي في نقاط التجمع وإلحاح المحتشدين على التظاهر، دفعا الرابية الى تعديل الخطة.
وأكدت المصادر ان ما حصل أمس أثبت ان رسالة عون وصلت الى الجمهور، والمهم الآن ان تصل رسالة الناس الى الفريق الآخر، لافتة الى ان جلسة مجلس الوزراء اليوم ستشكل اختبارا لهذا الفريق ومدى استعداده لاستخلاص العبر من تمدد الازمة الى الشارع.
وأوضحت المصادر انه لا توجد خطط معدة سلفاً للتحركات المقبلة، مشيرة الى ان الامر يتوقف على طريقة تعامل الآخرين مع المطالب المعروفة، وبالتالي فإذا لم يتم تصحيح الخلل الحاصل، سيكون التيار مضطراً الى زيادة جرعات الاعتراض.
وأمكن على هامش التظاهرة الاعتراضية تسجيل الملاحظات الآتية:
– اختيار ساحة الشهداء للتجمع المركزي انطوى على العديد من الدلالات السياسية، إذ يقع هذا المكان على مقربة من السرايا الحكومية، وضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إضافة الى انه الموقع الذي أطل منه العماد ميشال عون على جمهوره مباشرة، بعد عودته من المنفى الباريسي، وهو أيضاً المكان الذي اعتادت قوى «14آذار»على التجمع فيه في مناسباتها.
– إذا كان العونيون قد شاركوا عام 2005 في انتفاضة «14آذار» الى جانب «تيار المستقبل»، وتحديداً في ساحة الشهداء، للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان، فإن عون عاد الى الساحة ذاتها من دون الآذاريين، ولكن هذه المرة لرفع الصوت ضد نهج «المستقبل» وحلفائه، ولمواجهة تركيبة سياسية وسلطوية يعتبر «الجنرال» انها حلت مكان السوري في الهيمنة وتهميش المسيحيين، حسب ما ترى مصادر التيار.
– كان لافتاً ان بعض المشاركين في تحرك الامس ليسوا أعضاء في “التيار الحر”، لكنهم استجابوا للدعوة التي أطلقها عون الى التظاهر رفضاً لسياسة الإقصاء والاستئثار، ما يؤشر الى ان خطاب «الجنرال» بات يلقى صدى واسعاً لدى المسيحيين عموماً، بمن فيهم بعض من ليسوا محازبين للتيار، تحت وطأة الشعور المتفاقم بالاستفزاز والاضطهاد، بفعل نمط التعاطي مع «الحقوق المسيحية» في النظام الطائفي.
– مرّ التحرك البرتقالي أمس على خير، ولم يسجل أي احتكاك بين المسيرات العونية والجيش والقوى الأمنية، الأمر الذي أوحى بأن الجانبين استفادا من دروس الصدام في المرة السابقة، وتجنبا الانزلاق اليه مجدداً، فكان التحرك سلمياً وحضارياً.
– اتسمت تظاهرة الامس بتنظيم افضل وانسيابية أكبر بالمقارنة مع التجربة السابقة، قبل اسابيع.
– تم اختيار توقيت التحرك عشية جلسة مجلس الوزراء المقررة اليوم برئاسة الرئيس تمام سلام العائد من عمان، وبالتالي فقد بدا واضحاً ان عون أراد ان يوجه رسالة الى رئيس الحكومة وبعض مكوناتها بضرورة تصحيح الخلل في الشراكة وآلية اتخاذ القرار تحت طائلة مواجهة غضب الشارع.. ووزيري التيار اللذين كانا في طليعة المحتشدين على الارض.
– أوحى إصرار عون على الإعلان عن موعد التظاهر، خلال وجود وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في بيروت، بأنه يرغب في تأكيد استقلالية تحركه وعدم ربط حصوله او عدم حصوله بأي اعتبار. وهكذا، ما ان أنهى وزير الخارجية جبران باسيل اجتماعه مع ظريف حتى توجه الى مقر «التيار الحر» في «ميرنا الشالوحي» لمواكبة المسيرات البرتقالية.
وأكّد وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في حديث لصحيفة “النهار” ان التيار الوطني الحر “لن يتراجع عن تحركاته ولن نقبل بعد اليوم التهميش”.
ورفض الافصاح عن طبيعة التحركات اليوم، مؤكداً اننا اليوم نناضل كشباب التيار الوطني الحر، وغداً سنناضل في مجلس الوزراء، ونحن لا نعطل الا السيىء، والبلد لنا ونحن باقون فيه”، واوضح “أن نزول التيار العوني إلى الشارع هو للمطالبة بحقوق المسيحيين التي تهم كل اللبنانيين في شكل عام، لأن الماء والكهرباء والنفط والنفايات قضايا تهم كل اللبنانيين من دون استثناء”.
وفي سياق منفصل، ذكرت صحيفة “الراي” الكويتية ان المواقف التي أطلقها باسيل بعد استقباله وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في مقر الخارجية اثارت استياء في اوساط فريق “14 آذار” التي اعتبرت ان باسيل بدا وكأنه “فاتح على حسابه” او انه وزير خارجية “التيار الوطني الحر” ولا سيما حين اعلن “ان لبنان وايران في خندق واحد بمواجهة الارهاب وهو خندق يتسع للجميع”.