رأى نائب “كتلة المستقبل” جمال الجراح في حديث لصحيفة “الراي” الكويتية ان النائب ميشال عون لم يعلن هدفاً محدداً من تحركه بعد بسبب الإرباك الكبير سواء على مستوى طريقة الأداء أو النتائج الممكنة. فالتحرك الماضي كان هزيلاً جداً وانعكس سلبياً على عون، وراح الشارع يقول له “أنت حجمك 171 شخصاً تظاهروا أمام السرايا الحكومية، وبالتالي أنت غير قادر على أن تحشد لقضية سياسية”.
والشارع المسيحي المؤيد لعون بات يعرف أنه يخوض معركة شخصية لا علاقة لها بحقوق المسيحيين بل هي مطالب عائلية، وبالتالي ما من حماسة للتحرك لان الشارع لا يعتبرها قضية وطنية.
وثمة سؤال يُطرح: فإذا نزل عون إلى الشارع بجمهور كبير، ماذا سيفعل في اليوم التالي؟ هل سيبقى في الشارع؟ والسؤال الأهم هل سيصطدم بالجيش، المؤسسة التي باتت تحظى بإجماع لبناني منقطع النظير؟ وهل عون كقائد جيش سابق على استعداد للاصطدام بالمؤسسة التي بدأ حياته السياسية منها؟ والمسألة الاخرى، هل الجو الإقليمي الآن جاهز ليعطي مردوداً على أي حركة في الشارع سواء كانت سلمية أو أمنية أو حتى عسكرية؟ ولنفترض حصول عمل عسكري أو أمني، مَن مستعد أن يدفع ثمنه إقليمياً؟ ما من أحد، لأنه لم يتبلور شيء إقليمياً في المنطقة بما فيها سورية، وبالتالي لا شيء متبلوراً إقليمياً بالنسبة إلى لبنان. ومن هنا، فإن أي حركة من هذا النوع ليس لها أفق.
واعتبر ان اللبنانيين قرروا وضع رئاسة الجمهورية في يد الوضع الإقليمي، بدليل أنهم عاجزون عن النزول إلى مجلس النواب لانتخاب رئيس والالتزام بالدستور؛ فقد تم تجاوز الدستور ورئاسة الجمهورية من المعطلين، حيث جرى ربط هذا الملف بالوضع الإقليمي واعتبار أن مَن سينتصر في سورية سيفرض رأيه في لبنان، وذلك بعد أن راهنوا على انتصار بشار الأسد وفرض المحور الذي ينتمون إليه رئيساً للجمهورية في لبنان.
غير أن من الواضح أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس لما كانوا يتمنونه. وأذكّر بقول الجنرال عون “إما الثلاثاء أو الخميس” (في إشارة إلى قرب انتهاء الحرب في سورية)، وتهديد 8 آذار بأن بشار سيرجع قوياً ويعيّن رئيسا للجمهورية في لبنان، وان ما من رئيس للجمهورية سوى عون. وفيما تبين أن الأمور تسير عكس ما يحلم به، إلا أن رهانهم ما زال على حاله ولا سيما بعد علمهم أن علي مملوك زار المملكة العربية السعودية حيث فسروا الامر على أن الأسد ما زال قوياً جداً ويفرض شروطه على كل المنطقة وسيختار رئيساً للجمهورية في لبنان. غير أن كلّ هذه الرهانات سقطت، وبالتالي ما الذي يمكن أن يفعله رهان الشارع؟
لقد أُعطي الجنرال عون مئة فرصة لينزل. لكن، اليوم حين نرى أنه يطرح نفسه رئيساً للجمهورية، وفي الوقت نفسه يشتم “المستقبل” صباحاً ويشتم الرئيس نبيه بري عصراً ومساء ويشتم آخرين.. كيف يمكنه إذاً أن يصبح رئيساً للجمهورية؟ إذا كان كل هؤلاء الأفرقاء فاسدين وسيئين، كيف يقبل العماد عون أساساً أن ينتخبوه رئيساً؟ هذه ذهنية رهيبة لا أعتقد أننا شهدنا مثلها في لبنان قبل ذلك، حيث نجد أن هناك من يخاصم كل الناس ويهاجم كل الناس وليس له صاحب إلا حزب الله، ويريد أن يكون رئيساً.
واضاف الجراح: لا أعتقد أن الإيرانيين سيعطوننا استحقاق رئاسة الجمهورية مجاناً، أو قبل أن تنضج تسوية على مستوى المنطقة أو على الأقل أن تتضح الخطوط الرئيسية للتسوية، الأمر الذي ما زلنا بعيدين عنه. قد يحصل هذا الأمر غداً ولكنه غير موجود اليوم، وبالتالي هناك ورقة بيدهم اسمها رئاسة الجمهورية في لبنان ما زالوا ممسكين بها وهناك مَن يؤمن لهم استمرارية هذا التعطيل هو ميشال عون.
وفي رأيي ان “حزب الله” يقول “أنا مع حليفي في ما يقرره”، ويتركه يتمادى في هفواته السياسة وحرْق نفسه سياسياً، وبالتالي الحزب لا يدفع شيئاً من جيبه. وما من ثمن تدفعه إيران للتعطيل، فعون هو مَن يدفع ومن ورائه المسيحيون في لبنان، في حين أن الأولوية المطلقة للمسيحيين هي انتخاب رئيس للجمهورية يضمن استمرار هذه المؤسسة التي تمثل رمز الشراكة الإسلامية ـ المسيحية في البلاد.
المسألة الثانية، الرئيس بري ليس الأقوى في الطائفة الشيعية ولكن “حزب الله” يعلم أنه إذا أخذ رئاسة البرلمان سيفتعل مشكلاً في البلد. والرئيس سلام ليس الأقوى في الطائفة السنية بل الرئيس سعد الحريري هو الأقوى وقد دعم وصول الرئيس سلام لأن المرحلة لا تحتمل كثيراً من التصادم مخافة أن “يفرط” البلد. وبالتالي أنتَ يا ميشال عون الأقوى لماذا لم تفعل كبقية المكوّنات السياسية؟ ألم يبق بين الموارنة إلا عون؟
العماد عون يعرف أنه عاجز عن الوصول إلى رئاسة الجمهورية وسط هذا الانقسام، والدكتور سمير جعجع اكتشف مبكراً هذا الأمر وقال انه مستعد للتوصل إلى رئيس توافقي يحفظ ويضمن وجود واستمرارية رئاسة الجمهورية.