نجحت المفاوضات التي بدأت بين حزب الله وحركة أحرار الشام قبل نحو شهر تقريبا في إرساء التهدئة على جبهتي الزبداني في ريف دمشق والفوعة وكفريا في ريف إدلب، لمدة 48 ساعة تنتهي صباح يوم غد، باعتبار أن التفاهم بين الطرفين لم يتطور بعد ليشمل إجراءات أخرى، كتأمين ممر آمن للمسلحين أو إدخال مواد غذائية للمحاصرين.
وقال المقاتل أبو عبد الرحمن الموجود في مدينة الزبداني لصحيفة ”الشرق الأوسط”، إن وقف إطلاق النار بدأ فعليا الساعة السادسة من صباح يوم أمس الأربعاء، على أن يستمر حتى صباح يوم الجمعة، لافتا إلى أن “المفاوضات لا تزال جارية لتحديد باقي بنود الاتفاق، وما إذا كان سيتم إجلاء الجرحى فقط أو المسلحين أيضا”.
وفيما اعتبر طرفا الصراع نفسيهما رابحين من الهدنة، كشف عضو الائتلاف السوري المعارض أحمد رمضان، عن أن المعارضة والفصائل المفاوضة رفضت طرحا إيرانيا بتهجير أهالي الزبداني إلى الفوعة وكفريا ونقل أهالي القريتين الشيعيتين إلى الزبداني. وقال رمضان لـ”الشرق الأوسط”: “رفضنا حتى النقاش بالموضوع الذي يؤكد تحذيراتنا المتكررة من سعي النظام السوري لتقسيم سوريا إلى مناطق مذهبية”. واعتبر أن “أكثر ما يدعو للاستفزاز بملف الزبداني، أن الإيرانيين وحزب الله، هم من يتولون المفاوضات لا النظام السوري”، لافتا إلى أن “الوفد الإيراني المفاوض هو من طرح هدنة لمدة 48 ساعة، بعد الضغط الكبير الذي مارسه مقاتلو المعارضة على شبيحة حزب الله والنظام في الفوعة وكفريا”، مشددا على أن التفاهم لا يتعدّى هدنة 48 ساعة.
وفي الوقت الذي قال فيه أحد المسؤولين في حركة “أحرار الشام” لـ”الشرق الأوسط”، إن هناك قرارا من قيادة “الجناح السياسي” بعدم الإدلاء بأي تصريحات إعلامية حول عملية المفاوضات، نظرا لحساسية الموضوع، كشفت مصادر واسعة الاطلاع على المفاوضات من جهة حزب الله والنظام السوري، أن التواصل بين الحزب وحركة أحرار الشام انطلق قبل نحو شهر بعد عزل الزبداني عن مضايا وسرغايا وقطع كل خطوط الإمداد، و”أن المفاوضات توقفت بعد ضغوط مارسها المقاتلون الأجانب الموجودون داخل المدينة”.
وأشارت المصادر في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، إلى أن قوات المعارضة حاولت بعد ذلك التخفيف من حدة المعركة في الزبداني من خلال فتحها معارك أخرى في درعا وريف حلب وغيرهما من المناطق، “إلا أنّها فشلت بعد بسط حزب الله وقوات النظام السوري سيطرتهم على معظم مدينة الزبداني”. وأضافت المصادر: “بعدها استخدموا ورقة الفوعة وكفريا ما أدّى لتجدد المفاوضات بوساطة إيرانية – تركية. وقد عقدت 3 جلسات في تركيا وسوريا، إلا أنها انتهت أيضا بالفشل مع إصرارهم على اتخاذ أهالي كفريا والفوعة رهائن ورفضهم خروج المدنيين”. وقالت المصادر نفسها: “منذ نحو 3 أيام وبعد أن دخلنا (حزب الله والنظام) إلى عمق الزبداني، أعلن (أحرار الشام والمعارضة السورية) موافقتهم على هدنة 48 ساعة”، لافتة إلى أن “ما يضغط حزب الله باتجاهه، هو إخراج المدنيين من الزبداني كما من الفوعة وكفريا كخطوة أولى يليها إخراج المسلحين”.
وبحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، فإن “عددا من الفصائل في الزبداني أعلن عدم موافقته على استمرار المفاوضات بين أحرار الشام من طرف وحزب الله والوفد الإيراني من طرف آخر، ما حصر الاتفاق بهدنة 48 ساعة”. وقال عبد الرحمن لـ”الشرق الأوسط”: “لكن المفاوضات لم تصل بعد لخواتيمها وهي مستمرة، علما أن البندين الرئيسيين اللذين يتم التركيز عليهما حاليا هما تأمين ممر آمن للمقاتلين خارج الزبداني، وإدخال المواد الغذائية للفوعة”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدر من المعارضة قريب من المفاوضات، قوله إنّه “جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار لكن هناك نقاطا أخرى تستمر المفاوضات بشأنها”. أما مصدر آخر مطلع على المحادثات ومقرب من دمشق، فأشار إلى أن المحادثات تجري من خلال وسيط. وأضاف: “سيبدأ وقف إطلاق النار وسيجري إجلاء بعض الأشخاص الذين هم في حالة حرجة. وستتناول المحادثات خطوات أخرى”.
وشهدت ساعات ليل الثلاثاء اشتباكات عنيفة في الزبداني كما في الفوعة وكفريا، وأفاد المرصد بأن 40 ضربة صاروخية وجوية وعشرات القذائف استهدفت الزبداني قبل سريان قرار وقف إطلاق النار.
وأكد مصدر عسكري من الزبداني فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ”مكتب أخبار سوريا”، أن المفاوضات بين الطرفين لا تزال مستمرة، واصفًا الهدنة “بالنصر” للمعارضة، على اعتبار أنها المرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات سيتوقف القصف على الزبداني.
واعتبر المصدر أن قبول الهدنة من قبل القوات النظامية دليل على “فشلها في اقتحام الزبداني وإخضاعها لسيطرتها” بعد 40 يومًا من القصف المستمر على المدينة ومحاولات اقتحامها من جميع المحاور.
وأكد ناشطون من منطقة وادي بردى أن عدة سيارات رباعية الدفع مثبتة عليها رشاشات متوسطة، وسيارات عسكرية تنقل جنودا، شوهدت عائدة من الزبداني باتجاه العاصمة عن طريق أوتوستراد دمشق – بيروت.
من جهتها ذكرت صحيفة “السفير” ان معادلة الزبداني في ريف دمشق، والفوعة وكفريا في ريف إدلب، فرضت نفسها كصيغة جديدة، خاصة أنها ضمن مفاوضات بين إيران وتركيا.
اشار مصدر مطلع إلى أن المعارك العسكرية على كامل الجبهات أصبحت مترابطة، بملفاتها الميدانية وارتباطها الإقليمي العلني، معتبرا ان هذه الهدنة تشكل سابقة في مفاوضات الحرب في سوريا، فهي لا تشبه ما حصل منذ أكثر من سنة في حمص القديمة وخروج المسلحين منها. هي تفاوض بين إيران وتركيا، بالتنسيق مع الحكومة السورية، خاصة بعد الاتفاق النووي وتسارع وتيرة المبادرات لحل الأزمة السورية.
واعتبر المصدر ان مسار المصالحات الوطنية الداخلية لم يعد يسير وحيداً في الأزمة السورية، فهذا المسار أصبح مرتبطاً بضغوط من قوى إقليمية لها ارتباطها المباشر على أرض الميدان. وهذه التسويات لن تأتي قبل أن يحاول كل طرف تحقيق مكاسب ميدانية في أي جزء في سوريا، مشيرا الى ان تقدم الجيش السوري والمقاومة اللبنانية في الزبداني، ومحاصرة المجموعات المسلحة للفوعة وكفريا، صورة مصغرة عن الأحداث المقبلة.
ورأى المصدر أن التسويات قد تشمل مختلف المجموعات المسلحة، مثل “حركة أحرار الشام” وغيرها، لكنه استبعد أن تحدث مثل هذه المفاوضات مع “داعش” في المناطق التي يسيطر عليها، موضحا أنه كان الأمر يتعلق بجيش الإسلام فنحن نتحدث عن تفاوض مع الجانب السعودي، وإن كنا نتحدث عن أحرار الشام فالتفاوض مع تركيا، لكل منطقة ومجموعة حساباتها الخاصة والمختلفة عن الأخرى.