Site icon IMLebanon

التيّار العونيّ والأخطاء الإستراتيجية (بقلم الدكتور جورج شبلي)

tayyar-4

 

بقلم الدكتور جورج شبلي

لفتني ما حصل البارحة على الساحة السياسية، لا سيّما أداء التيّار العوني على مستوى القيادة. وأعني في هذا المجال حراك النائب ميشال عون وتصريح الوزير جبران باسيل.

أولاً: ما يخصّ الجنرال عون هو وقوعه في خطأين إستراتيجيين.

الخطأ الأول هو تحويل المواجهة في لبنان بين السنّة والشيعة، وهذا ليس بالأمر الباطن، الى مواجهة بين السنّة والمسيحيين. فاللافتات التي رفعها أنصار الجنرال في ساحة الشهداء توصّف تيار المستقبل ( السنّي ) بأنه إمارة لبنان في دولة “داعش”. وهذا يعني تحديداً إتّهام السنّة (وتيّار المستقبل يمثّل ثلاثة أرباعهم على الأقل)، بأنهم إرهابيّون وبالتالي يجب محاربتهم من دون هوادة، أي هدر دمهم علناً .

إنّ هذا الموقف البعيد عن الموضوعية والواقعية، لأنه لا يستند الى حجّة دامغة أو دليل قاطع، هو موقف مُستَهجَن من جانب الأكثرية المطلقة من اللبنانيين ومن المسيحيين خصوصاً. وهو موقف عشوائيّ إعتباطيّ الهدف منه تقديم خدمة مجانية وجُلّى لـ”حزب الله” الذي هو طرف في الصّراع السياسي مع السنّة. وبالتالي يتحوّل “حزب الله” من طرف الى وسيط، في حين يتحوّل المسيحيون من وسيط الى طرف، وهذا أشنع وأخطر ما يمكن أن ينجرّ اليه المسيحيون في تاريخ وجودهم وفي حقيقة رسالتهم في لبنان.

الخطأ الثاني الذي ارتكبه الجنرال بدا في إصدار أمره لمناصريه بالنزول الى الشارع فيزيكيّا أي التجمّع على الأرض.

وقد ظهر جليّاً أنّ الذين لبّوا نداء الجنرال الذي كرّر ظهوراته وتحفيزاته وتهديداته الى مناصريه، كانوا قِلّة، بحسب كاميرات المراسلين والتلفزيونات. وكان أجدى وأجدر بالجنرال لو أبقى أنصاره في سياراتهم، لكانت الصدمة أهون.

إنّ العدد القليل الذي لبّى نفير الجنرال، يدلّ على أنّ الرجل لم يعد قادراً على إقناع مناصريه بالتحرّك، لأن ليس لديه

قضية. فجلّ ما في الأمر أنّ الجنرال يعرف أنّ الخواتم السياسية في لبنان لا يمكن التوصّل إليها بمعزل عن القرار الإقليمي والدّولي، فما عليه سوى أن يثير ضجّة ( لِيُناقِم بالمعنى الشعبي ) ليحصل على قدرٍ من المآرب الشخصية التي لا علاقة لها البتّة بالوطنية وبمصالح المسيحيين.

والعدد القليل من المتظاهرين التيّاريين، يقدّم الجواب الواضح عن نصيحة “حزب الله” بعدم إجراء استفتاء في المنطقة المسيحية ( كما أراد الجنرال )، كي لا تظهر الحقيقة المُرّة بأنّ الجنرال ليس الزعيم الأقوى لدى المسيحيين. وهذا يعني تماماً إعتباطية الجنرال الذي يتّخذ القرارات من دون دراسة أو مراجعة أو إستشارة، وبالتالي إدخال نفسه في متاهة لا يعرف الخروج منها، في مقابل بُعد نظر “حزب الله” الإستراتيجي في القضايا التكتية (بالرغم من عدم موافقتي الكاملة على سياساته وأدائه وأجنداته ).

ثانياً: لقد استمعت الى مجريات المؤتمر الصحفي الذي عقده وزيرا الخارجية في إيران ولبنان، ولفتني قول الوزير ظريف بأنّ إيران لا تتدخّل في الشؤون اللبنانية وترفض أن يتدخّل الخارج في هذه الشؤون. (لن أعلّق على هذا التصريح وأكتفي بالإشادة النظرية به، مع التمنّي بأن يكون صادراً عن قناعة وليس عن ديبلوماسية). أما ما نفّرني فهو قول الوزير اللبناني

بالتكامل بين لبنان وإيران، وهذا ليس بالكلام المسؤول ولا يعبّر عن موقف اللبنانيين الحقيقي من العلاقة بين البلدين، بالإضافة الى أنّ كلام باسيل يتناقض بالكامل مع كلام ظريف. وخطورة هذا الكلام تكمن في جرّ لبنان الى أن يكون في مِحور( مع كلّ ما يستتبع ذلك من ارتدادات سلبية على مرافقه جميعاً)، بدلاً من أن يكون على الحياد، وهذا الأنسب له.

والمُستغرب في هذا المجال، أنّ الجنرال كان قد ذكّرنا منذ أيام قليلة بإنجازاته العارمة في زمن الوصاية، ولا سيما نضاله التاريخي لإخراج الجيش السوري من لبنان، كلّ ذلك لأنه يرفض بدعة التكامل وذوبان لبنان في سوريا، وهدفه طبعاً الدفاع عن حرية الوطن وسيادته في قراراته. وهذا يفرض السؤال: أيّ من الرجلين يحكي الحقيقة؟

وبعد، لماذا لا ينبت للعونيّين آذان توصل ما يسمعون الى العقل؟