رفض خبراء اقتصاد خطوة البدء بتداول الليرة التركية في أجزاء من شمال سورية المحرر (ريف حلب)، معتبرين أن هذا الإجراء يصب في تدمير المشروع الوطني وتدمير مكونات سيادة الدولة السورية لصالح بعض الصيارفة غير المسؤولين.
وقررت ما تسمى “اللجنة السورية لاستبدال عملة التداول في المناطق المحررة” التابعة للمعارضة السورية في مدينة حلب، يوم الأحد الماضي، البدء بتداول الليرة التركية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، قائلة إن الغرض من هذا التحرك هو “توجيه ضربات اقتصادية للنظام”. وحسب بيان للجنة، فإن القرار جاء باتفاق بين الفصائل الثورية والمحاكم القضائية وإدارة المعابر الحدودية.
إجراء مرفوض
غير أن تلك التحركات لاقت استهجانا من جانب بعض الخبراء، ويرى عضو غرفة تجارة إدلب السابق، نبيه السيد علي، أن هناك فهما قاصرا لفك الارتباط بالنظام على الصعيد الاقتصادي والذي أحد مظاهره العملة السورية، معتبراً أن “الأمر أعمق وأعقد من ذلك بكثير، وربما يصل لتقسيم سورية، وبالتالي ما الفائدة من استبدال العملة فقط وجزئيا مع بقاء الارتباط بالنظام على كافة الصعد ومنها الاقتصادي”.
يذكر أنه تم تسليم رواتب يوليو/تموز الماضي بالليرة التركية لموظفي المحكمة الشرعية والمجالس المحلية في حلب وريفها.
ويتساءل السيد علي، في مقابلة مع “العربي الجديد”، “هل هناك جهة اقتصادية ستجمع الليرة السورية وتعوّض السوريين عنها بالليرة التركية، أم سيضطر السوريون إلى اللجوء للصرافين لمزيد من الاستغلال”. وقال إنه إذ اعتمد الشمال المحرر المجاور لتركيا الليرة التركية، فهل يحق للجنوب أن يعتمد الدينار الأردني، وكذا المناطق المجاورة للبنان هل تتجه إلى الليرة اللبنانية؟
وتقول نقابة الاقتصاديين الأحرار إنه تم اختيار الليرة التركية وليس الدولار الأميركي لأن تركيا هي الشريك التجاري الأكبر مع المناطق المحررة في شمال سورية، وأن من السهل تأمين الفئات النقدية، لاسيما الصغيرة، لسهولة تعامل المواطنين في ما يتعلق بحركة البيع والشراء.
دوافع القرار
في المقابل، يقول محمد غياث دعاس، عضو في اللجنة وفي نقابة الاقتصاديين، إن من أسباب تبديل العملة الحفاظ على أموال الشعب السوري من الضياع نتيجة انهيار الليرة السورية، فضلا عن أن الإجراء يحارب النظام اقتصاديًّا، وذلك خلال إيقاف تدفق القطع النقدية الأجنبية إليه عبر التجار الموجودين في داخل المناطق المحررة. وأضاف في تصريحات لـ “العربي الجديد”، أن “استبدال العملة يخلق جوا من الاستقرار الاقتصادي في أسعار السلع والمواد في الأسواق بالمناطق المحررة.
وجاءت خطوة البدء بتداول الليرة التركية في بعض ريف حلب استكمالا لما أعلنته نقابة الاقتصاديين السوريين المعارضة، بالتعاون مع المجلس المحلي في حلب (شمال غرب)، في 6 يوليو/تموز الماضي عما سمتها مبادرة لتبديل العملة التركية بالليرة السورية في الأراضي المحررة، ودعت حينها كل من يملك مبلغًا زائدًا عن 10 آلاف ليرة سورية إلى تحويله للعملة التركية.
صدمة النظام
ووصف إعلام النظام السوري الخطوة “بالاستعمارية”. وقال موقع “سيرياستيبس” الممول من النظام السوري: “دون التقليل من خطورة الخطوة الاستعمارية ومضامينها السياسية والاقتصادية”، معتبرة أن الوقائع تؤكد أن الإجراء لا يعدو كونه حلقة من حلقات الضغط على سورية واقتصادها، إذ إن “حكومة المعارضة” التي تعاني نقص التمويل يمكنها أن تشكل أداة لإحلال الليرة التركية مكان الليرة السورية.
ودعا الموقع الإلكتروني السوري حكومة النظام إلى التدخل “لمناقشة الخطوة الاستعمارية الجديدة من كل جوانبها، ومحاسبة كل المتورطين في ترويج العملة التركية وتشجيع التعامل معها”.
معارضة حائرة
وحول رأي الحكومة المعارضة بتبديل العملة السورية بالتركية قال مصدر رفيع: “لم يؤخذ رأينا قبل البدء بتطبيق الخطوة، واكتفت اللجنة ونقابة الاقتصاديين بإرسال الدراسة للحكومة مطلع الأسبوع”. وأضاف المصدر وهو أحد المسؤولين البارزين بالحكومة المعارضة، وطلب عدم ذكر اسمه، أن الخطوة ورغم آثارها السلبية المتعددة، ستؤثر في النظام السوري وتحرمه من ملايين الدولارات التي تدخل المناطق المحررة وتحول لليرة السورية، لكنها بحاجة لدراسة كي لا تشتغل من بعض الأطراف على أنها بداية لتفتيت سورية وتتبيع الشمال لتركيا.
وكشف المصدر المسؤول في تصريحات لـ “العربي الجديد” أن دولة قطر ستحول نحو مليوني دولار خلال أيام كدفعة ثانية من المساعدات للحكومة المؤقتة المعارضة لصرف الرواتب والأجور.
ارتباك المواطنين
واعتبر المدرس في ريف إدلب، محمد أبو إياد، أن الخطوة ليست في صالح السوريين، وخاصة الذين مازالوا يتقاضون أجورهم بالليرة السورية. وقال لـ “العربي الجديد” معبرا عن رفضه للإجراء الجديد: “ليتركوا السوريين يتداولون العملة التي تناسبهم، وما دام يوجد صرافون يكفينا فرض آراء أصحاب المصالح”.
وفي المقابل، يقول التاجر محمد عبد اللطيف من ريف حلب: “نخسر مئات الآلاف يومياً نتيجة تراجع سعر صرف الليرة السورية”، داعياً إلى اعتماد الليرة التركية كوحدة نقد لأن التعامل والتجارة في المنطقة الشمالية كلها مع تركيا.
تراجع الليرة
وتراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار أمس الخميس، في مكاتب الصرافة بحي المرجة وسط دمشق لنحو 310 ليرات للدولار الواحد، وهو أدنى سعر لليرة منذ شهرين. وقال أحد أصحاب شركات الصرافة في دمشق ويدعى عبدو درويش، لـ “العربي الجديد”، إن سعر الدولار لم يزد عن 305 ليرات في ريفي إدلب وحلب المحررين اللذين باشرا التعامل الجزئي بالليرة التركية.