Site icon IMLebanon

جهود جزائرية لاستقطاب أموال السوق الموازية

Algeria-Bank
كشف مسؤول في مصرف حكومي جزائري لـ”العرب” أن مصرفه لم يستقبل أي طلب لإيداع أموال من السوق الموازية، رغم دخول قرار العفو الضريبي حيز التنفيذ منذ مطلع الشهر الجاري.
وأضاف أن المصرف لم يستقبل أي استفسارات حول العملية، ما يؤكد صعوبة تحقيق طموح السلطات الجزائرية في استقطاب 17 مليار دولار من الكتلة النقدية الناشطة خارج السوق الرسمية.

وأكد المسؤول المصرفي الذي رفض الكشف عن هويته، صعوبة الحكم مسبقا على القرار الحكومي بالنجاح أو الفشل، لكن ينبغي الإقرار بالصعوبات المتوقعة، بسبب خلفية وطبيعة تلك الثروات التي تكونت في ظروف غير سليمة وغير شرعية أحيانا.

وقال إن الحملة تتطلب جهودا حساسة لإقناع أصحاب تلك الثروات بإيداع أموالهم في البنوك، مقابل الاستفادة من الامتيازات التي أقرتها الحكومة في إطار قانون المالية التكميلي الذي أعلن عنه في الشهر الماضي.

وتتضمن الإجراءات عفوا ضريبيا على رؤوس الأموال الناشطة في السوق الموازية، والتي تقدرها البيانات الحكومية بنحو 37 مليار دولار، وهي كتلة مالية تفوق ما يتم تداوله في الأسواق الرسمية، وذلك من أجل مواجهة تداعيات تراجع مداخيل الخزينة العامة والتآكل التدريجي لاحتياطات البلاد المالية.

وتتضمن الإجراءات استقطاع نسبة 7 بالمئة من الأموال المودعة في المصارف، مقابل منح المودعين شهادة العفو الضريبي في غضون 3 أيام، تسمح لهم بالانخراط فورا في السوق الرسمية.

ويعوّل الوزير كثيرا على عامل الثقة بين أصحاب الأموال والمؤسسات المصرفية والهيئات الحكومية لتحقيق هدف الميزانية التكميلية، ومواجهة التراجع الكبير لعوائد صادرات النفط والغاز.

ويرى أن الجزائر يمكنها تجاوز تداعيات الأزمة إذا تمكنت من تعويض تراجع العوائد النفطية، بعوائد أخرى، إضافة إلى دعم الإنتاج المحلي من خلال إنشاء 700 ألف مؤسسة صغيرة للجزائريين في غضون السنوات القليلة المقبلة.

وقال إن ذلك سيضمن للبلاد، الحد من الواردات وتنويع الاقتصاد، وبالتالي الخروج التدريجي من التبعية للقطاع النفطي.

وكانت الحكومة قد أقرت مؤخرا التعامل بالشيكات المصرفية على المعاملات التي تتجاوز مبلغ 10 آلاف دولار اعتبارا من مطلع الشهر الجاري، لكنه واجه انتقادات كبيرة من قبل لوبيات السوق الموازية وبعض نواب البرلمان، بحجة عدم قدرة البنوك المحلية على مجاراة القرار، بسبب آلياتها ومنظومتها البعيدة عن استقطاب مثل تلك المعاملات.

واعترف المسؤول المصرفي لـ”العرب” بما أسماه “بدائية” المنظومة المصرفية في البلاد، وهيمنة البيروقراطية على المعاملات المالية بدعوى الرقابة والتحكم في حركة رؤوس الأموال، الأمر الذي ينفّر الزبائن ويدعم بطريقة غير مباشرة السوق الموازية. وقال إن الأجدر بالحكومة أن تقوم بإصلاح جذري للمنظومة المصرفية قبل الدخول في أي إجراء آخر.

وأضاف أن هناك ثقافة سلبية ترسخت لدى أصحاب رؤوس الأموال، نتيجة غياب الثقة في التعامل الرسمي، وثقل المنظومة المصرفية وهيمنة البيروقراطية على الإدارة، ونفوذ لوبيات الاستيراد التي شكلت سوقا موازية قوية.

وأكد أن الحكومة مطالبة بالمرونة واتباع سياسة الإقناع، وإضفاء تضامن عادل بين جميع الفئات، لدفعهم للمساهمة بأموالهم في تنشيط حركة الاقتصاد الوطني.

وكانت الحكومة قد اشترطت على المودعين أن يكون مصدر أموالهم من خارج غسيل الأموال والاتجار بالمخدرات والإرهاب، وهي شروط كانت محل انتقاد بعض السياسيين، كون التأكد من مصدر تلك الأموال يكاد يكون مستحيلا، بسبب الفوضى التجارية والمالية التي ميزت المشهد الاقتصادي طيلة 15 سنة الماضية.

ويقول مراقبون إن ذلك أدى إلى ظهور طبقة من الأثرياء الجدد وتكوين ثروات طائلة تنشط خارج أعين الرقابة.

وحذر عدد كبير من تقارير الهيئات المالية والاقتصادية الدولية، الحكومة الجزائرية من التردد في اتخاذ خطة حازمة لمواجهة تداعيات انهيار أسعار النفط، في ظل توقعات ببقائها في مستويات منخفضة لفترة طويلة، لكن الحكومة لا تزال ترفض مصارحة الجزائريين بحقيقة الأزمة.

ويصر وزير المالية في تصريحاته على أن “الجزائر في حالة يقظة وتأهب وليست في أزمة أو تقشف”، وهي تصريحات دعائية رددها مرارا رئيس الوزراء عبدالمالك سلال أمام وسائل الإعلام.

وتتمسك السلطات الجزائرية حاليا بتدابير قانون المالية التكميلي الذي قلص مداخيل الموازنة من 64 مليار دولار في العام الماضي إلى نحو 34 مليار دولار خلال العام الجاري، في ظل استمرار سقف الاستيراد عند نحو 60 مليار دولار.

وتحاول الحكومة اللجوء إلى صندوق احتياطي الصرف لتغطية العجز غير المسبوق في الموازنة، وهو الصندوق الذي فقد نحو 40 مليار دولار من احتياطاته بين شهر سبتمبر من العام الماضي وشهر مارس الماضي.

ويقول مراقبون إن الاقتصاد الجزائري مرتبط بالسياسة بشكل وثيق، وأن السلطات وظفت مداخيل الطفرة النفطية في الأعوام الماضية في شراء السلم الاجتماعي من أجل البقاء في السلطة.

ويتوقعون أن تجد الحكومة نفسها في مأزق حقيقي خلال الأشهر القادمة، بسبب افتقارها للأموال اللازمة لمواجهة الاحتجاجات الاجتماعية والفئوية. وقد تتعمق تلك الاحتجاجات إذا اضطرت الحكومة لتقليص الدعم عن الوقود والسلع الغذائية الأساسية، مما يضع الحكومة أمام سيناريوهات شبيهة بأحداث الزيت والسكر التي اندلعت في عام 2011.