Site icon IMLebanon

كيف استفاد لبنان من إنخفاض أسعار النفط؟

lebanon-economy

بروفسور جاسم عجاقة

عام مرّ على بدء انخفاض أسعار النفط العالمية التي انهارت إلى ما دون نصف سعرها الأساسي. بالطبع هناك تداعيات سلبية على الدوَل المُنتجة، لكنّ هذا الأمر يعود بالفائدة على الدوَل المُستوردة من ناحية تخفيض الفاتورة الحرارية. فكيف استفاد لبنان من انخفاض أسعار النفط؟

ما يُقارب خمسة مليارات دولار أميركي هي كلفة الفاتورة الحرارية للبنان في العام 2014، أي ما يوازي الـ 10% من الناتج المحلّي الإجمالي لبنان. هذه النسبة تضع لبنان بين أعلى مستويات الهدر الحراري، حيث إنّ نسبة الفاتورة الحرارية إلى الناتج المحلّي الإجمالي في فرنسا في العام 2014 لا تزيد عن 2.2% وفي الولايات المُتحدة الأميركية 1.8% (من الطاقة المُستوردة).

لكنّ الملاحظ على هذا الصعيد أنّ لبنان لا يَستخدم المشتقّات النفطية بشكل فعّال في ماكينته الإنتاجية (مصانع، نقل…) وهذا ما يُعبّر عنه بالكفاءة الحرارية التي تُقاس بالثروة المخلوقة من الماكينة الإنتاجية لكلّ دولار من النفط. ففي حين تُنتِج فرنسا 41 دولاراً أميركياً لكل دولار واحد من النفط، لا يُنتج لبنان إلّا 9 دولارات أميركية، وهذه النسبة هي من الأدنى في فئة البلدان ذات الدخل المُتوسط التي ينتمي إليها لبنان.

الفساد وسوء الإدارة منعا من الإستفادة…

في منتصف العام 2014 وكنتيجة لعوامل جيوسياسية، بدأ سِعر برميل النفط بالانخفاض بشكل كبير، حيث خسرَ ما يقارب الـ 50% من قيمته في حلول أواخر العام 2014. هذا الأمر أدّى وبحسب تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى التوفير على الاقتصاد اللبناني ما قيمته الـ 1.5 مليار دولار أميركي. لكن هذا التوفير يشمل الفاتورة الحرارية المُباشرة كما وكِلفة الإستيراد بفعل انخفاض أسعار النقل.

وعلى اعتبار أنّ الفاتورة الحرارية للبنان هي بحدود خمسة مليارات دولار أميركي، ومع انخفاض 50% في سعر البترول، فهذا يعني أنّ الفاتورة الحرارية المُستوردة يجب أن تنخفض بحدود الـ 40% من قيمتها أي 2.5 مليار دولار أميركي. أضِف إلى ذلك أنّ الانخفاض أتى في النصف الثاني من العام 2014، فهذا يعني أنّ انخفاض الفاتورة الحرارية المُستوردة إلى لبنان يبلغ 1.25 مليار دولار أميركي.

أمّا في ما يخص كلفة النقل ومع اعتبار أنّ أسعار النقل انخفضَت بنسبة 10% وأنّ لبنان استورَد ما يفوق الـ 20 مليار دولار أميركي وأنّ الإنخفاض طال النصفَ الثاني من العام 2014، فإنّ الانخفاض الناتج عن النقل إلى لبنان يوازي مليار دولار أميركي، ما يعطي مجموعاً إجمالياً بـ 2.25 مليار دولار أميركي.

فلماذا لم يستفِد لبنان من كلّ المبلغ؟ السبب باعتقادنا يعود إلى الفساد المُستشري في القطاع النفطي وإلى العمولات في صفقات المشتقات النفطية المُستوردة، كما وإلى غياب الرقابة في هذا القطاع الذي يُكلّف لبنان 10% من ناتجه المحلّي الإجمالي.

على كلّ حال وعلى الرغم من الـ 1.5 مليار دولار أميركي التي تمّ توفيرها في الفاتورة الحرارية، لم يستطع لبنان الاستفاد من هذه الأموال لدعم الإستثمار في القطاع الحراري ولا حتى في الماكينة الاقتصادية. بل على العكس، تمَّ استخدام هذه الأموال في سدّ العجز في الموازنة والذي كان ليكون أكبر لولا هذه الأموال.

2015 ليست واعدة…

وبالنظر إلى العام 2015، نرى أنّ أسعار النفط ما تزال منخفضة نسبياً، حتى إنّه في الآونة الأخيرة، انخفضَت أسعار برميل النفط إلى ما دون الـ 40 دولاراً أميركياً. ما يعني أنّ الفاتورة الحرارية للبنان ستنخفض ما يُقارب الـ 3 مليارات دولار أميركي إذا ما إعتمدنا تصريح حاكم مصرف لبنان، فهل سيتمكّن لبنان من الإستفادة من هذا التوفير في الماكينة الاقتصادية؟

الجواب هو لا، والسبب يعود إلى تدهور المالية العامة في النصف الأوّل من العام 2015. فعلى سبيل المثال، تدهور العجز في الفصل الأول من العام 2015 إلى 1062 مليون دولار أميركي مقارنةً بـ 840 مليون دولار في الفصل الأوّل من العام 2014 (بزيادة 26.4 %).

كما أنّ الميزان الأوّلي سَجّلَ عجزاً بقيمة 138 مليون دولار في الفصل الأوّل من العام 2015 بعد أن كان قد سَجّلَ فائضاً بقيمة 38 مليون دولار في الفترة نفسِها من العام 2014.

وهذا الأمر يُنذِر بالسوء من ناحية أنّه يُظهر فقدانَ قدرة الدولة على تحقيق التوازن المالي باعتبار أنّ التوازن لا يُمكن أن يتحقّق إلّا إذا سجّل الميزان الأولي فائضاً يفوق خدمة الدين العام أقلّه. وهذا التدهور المالي تزامنَ مع انخفاض تدفّقات الرساميل (تحويلات المغتربين والإستثمار الأجنبي المباشر) بقيمة 2800 مليون دولار أميركي نسبة إلى العام 2014.

كلّ هذا يدفعنا إلى القول إنّ الأموال التي سيتمّ توفيرها من إنخفاض أسعار النفط ستذهب إلى سدّ عجز الدولة الذي سينمو أكثر من قيمة التوفير في الفاتورة الحرارية، ما يعني زيادة العجز بالمُطلق وبالتالي تحوّله إلى دين عام.

ما هي الحلول؟

ظاهريّاً وفي ظلّ التعطيل الحاصل في مجلس الوزراء ومجلس النواب، لا يوجد حلول لهذه المُشكلة. فاستمرار ارتفاع العجز في المالية العامّة هو آفةٌ ستنعكس على كلّ القطاعات الأخرى وخصوصاً على الاقتصاد الذي يرى الأموال تذهب إلى سدّ عجز الدولة ودينها دون أن يتمكن من الاستفادة من هذه الأموال. والأصعب في الأمر هو تآكلُ الماكينة الاقتصادية والتي من المُتوقع أن تُصبحَ شِبه مشلولة في السنين المُقبلة بغياب الاستثمارات.

لذا ومِن هذا المُنطلق، نَعتقد أنّ حلّ الأزمة السياسية الحاليّة التي تعصف بلبنان، هو الشرط الأوّل لأيّ حلّ يُمكن طرحه. ثمّ تأتي المرحلة الثانية والتي تفرض وجود خطّة طارئة للسيطرة على العجز (لجم الزيادة في العجز) ما يَسمح بالإستفادة من أيّ توفير يُمكن تحقيقه في الفاتورة الحرارية. هذه الأموال يُمكن استخدامها لاحقاً في استثمارات في القطاع الحراري بالدرجة الأولى لكي يتمّ وقف نزف الخزينة جرّاء قطاع الكهرباء.

لقد أصبحَ المواطن اللبناني مقتنعاً أنّ عدم حلّ مُشكلة الكهرباء سببُه المُستفدون من قطاع مولّدات الكهرباء، ويُقدّر حجمه بـ مليار ونصف مليار دولار أميركي سَنوياً. ألَا يحقّ لهذا المواطن أن يعرف لماذا لا تنخفض فاتورة المولّدات الكهربائية مع انخفاض أسعار النفط؟ لماذا الـ 5 أمبير يتمّ تسعيرها بـ 135 ألف ليرة لبنانية؟ من الواضح أنّ هذا الملف أصبحَت تفوح منه رائحة تُشبه إلى حَدٍ بعيد رائحة قطاع النفايات.