IMLebanon

دعم التصدير البحري يثير لُعاب التجار

IDAL

محمد وهبة

قبل يومين، كشف رئيس مجلس الإدارة المدير العام في «إيدال» نبيل عيتاني، عن صدور المرسوم 2156 الذي يمنح «إيدال» سلفة بقيمة 21 مليار ليرة لإنفاقها على دعم التصدير البحري. المرسوم الصادر بقرار عن مجلس الوزراء، يأتي بعد أكثر من 5 أشهر على إغلاق المعابر البرّية التي تربط لبنان بدول الخليج والعراق والأردن بواسطة الأراضي السورية، أي معبر «نصيب» الذي يربط لبنان وسوريا بالأردن، والذي تمرّ عبره تجارة لبنان مع دول الخليج، ومعبر «الوليد» الذي يربط لبنان برّاً بالعراق عن طريق سوريا.

شروط الاستفادة

وقد حدّد عيتاني شروط الاستفادة من الدعم على النحو الآتي: أن تنقل الشاحنة المحمّلة بالمنتجات اللبنانية المنشأ بواسطة عبّارات «رورو» أو «روروباكس» على خطّ نقل منتظم بين الموانئ اللبنانية وبين مرفأي ضبا في السعودية والعقبة في الاردن، وأن تكون شركات التصدير والشحن مقبولة من «إيدال».
وبالتالي، فإن كل شاحنة محمّلة بالمنتجات اللبنانية تسلك هذا المسار، ستُمنح دعماً مالياً يدفع مباشرة لشركات الشحن. لم تحدّد بعد قيمة الدعم الذي سيدفع عن كل شاحنة، لكنه لا يتجاوز 1300 دولار نظراً إلى قيمة المبلغ الإجمالي المخصص للدعم بما يوازي 21 مليار ليرة، وللمعدل الوسطي لعدد الشاحنات المصدرة يومياً البالغ 53 شاحنة (37 شاحنة محملة بمنتجات زراعية و15 محملة بمنتجات صناعية).
ولا شكّ أن التدقيق في منشأ المنتجات أمر أساسي للاستفادة، وينسحب الأمر على بلوغ الشاحنة المرفأ المقصود سواء في العقبة أو ضبا. وبحسب عيتاني، فإنه سيتم تكليف شركات خاصة لمراقبة هذه العملية من أرض المزرعة حتى أرض العبّارة أو الباخرة، وسيجرى إعداد تقارير تفصيلية عن عمليات التصدير وعدد الشاحنات ونوع البضاعة وسواها.

فساد الدعم

رغم ذلك، تبقى هذه الآلية، كغيرها من آليات الدعم، عرضة لأكثر من خرق. فمن هي الجهة التي ستحصل على مال الدعم؟ هل هم المصدرون والتجار أم شركات الشحن ووكلاء البواخر؟ وهل هناك ضرورة قصوى لهذا الدعم؟
في ضوء المعطيات التي قدّمها عيتاني يتبيّن أن المصدرين بدأوا ينسجمون مع الوضع الجديد، أي مع إغلاق المعابر البرية. لهذا السبب تراجعت قيمة الصادرات الزراعية بنسبة 35% فقط خلال الشهرين اللذين أعقبا إغلاق المعابر البرية (أيار وحزيران)، ثم تبيّن خلال الفصل الثاني من السنة، أن التصدير الجوي ارتفع بنسبة 87%، فيما بلغت نسبة الزيادة عبر البحر 328%. هذا يعني أن المصدرين كانوا في أول شهرين تحت الصدمة، لكنهم تأقلموا مع وسائل التصدير المتاحة، أي التصدير بواسطة الطائرات والتصدير البحري بواسطة الحاويات (الكونتينرات المحملة بالبضائع والتي تشحن بواسطة بواخر الشحن العادية وهي مختلفة عن الشحن بواسطة عبارات رورو أو رورباكس التي تنقل الشاحنات المحملة بالبضائع مع سائقيها أو ينتقل سائقوها بواسطة الجول لملاقاتها). هذه المعطيات تثير التساؤلات عن المنفعة التي ستخدم اقتصاد لبنان من هذا الدعم طالما أن المصدرين لديهم القدرة على التصدير البحري والجوّي وسداد الأكلاف المرتفعة مقارنة مع أكلاف التصدير البري.

كذلك يبدو واضحاً أن بعض كبار المصدرين الذين يسيطرون أصلاً على صغار المزارعين ويشترون محاصيلهم بأسعار بخسة، سيعملون أيضاً على الاستحواذ على مبالغ الدعم لوحدهم. وبحسب مصادر مطلعة، فإن كبار المصدرين طالبوا، خلال الاجتماعات المخصصة لدرس دعم التصدير البحري وآلياته، بأن يحصلوا على مبالغ الدعم مباشرة في جيوبهم بدلاً من أن تدفع لشركات الشحن. ولكن بعد إصرار إيدال على أن تدفع مبالغ الدعم لشركات الشحن، بدأوا يجرون مفاوضات مع أصحاب هذه الشركات للحصول على عمولات مقابل عقود التصدير التي تشمل منتجات صغار المزارعين أيضاً المسيطر عليهم. لكن المشكلة أيضاً أن شركات الشحن ستسعى هي أيضاً لاستغلال مبالغ الدعم من أجل فرض أسعارها على الشحن، إذ لن يكون أمام المصدرين سوى الاستفادة من مبالغ الدعم ولو فرض عليهم الأمر تقاسمها مع شركات الشحن!

تجارب غير مشجّعة

هذا يعني أن أمام «إيدال» تحدٍّ للالتفاف على ألاعيب التجار والشركات الساعين إلى النهب من المال العام. مهمة عيتاني لتجاوز الهدر والفساد تبدو شبه مستحيلة. التجارب السابقة في مجال الدعم هي مؤشر في هذا المجال، فعندما قرّرت الدولة دعم الخبز العربي، احتارت في آليات الدعم، فكانت تدفع مرّة للأفران مباشرة ما أدّى إلى تفريخ مئات الأفران الجديدة، ثم قرّرت أن تدفع الدعم مباشرة للمطاحن، إلا أن هذه الأخيرة نفخت حجم استهلاك الخبز العربي بالتعاون مع الأفران المحظية، وعمدت إلى بيع الكميات الإضافية المخصصة للطحين المدعوم لمنتجات أخرى مثل الخبز الافرنجي والحلويات والمناقيش وغيرها بأرباح هائلة.
وفي حالة دعم التصدير الزراعي، لا شكّ بأن إثبات منشأ المنتجات أمر أساسي لمعرفة حجم السوق، وخصوصاً أن الأمر ليس ثابتاً لأن المحاصيل الزراعية غير متوقعة. وبحسب المصادر، فإن هناك كثيراً من حالات الغش التي شهدتها السوق وتبيّن فيها وجود منتجات زراعية غير لبنانية مثل البطاطا والبصل تستفيد من برامج دعم التصدير، إذ يشتري المصدرون اللبنانيون كميات من المنتجات من سوريا التي تأتي مهرّبة بأسعار بخسة، ثم يدسونها بين المنتجات المحلية لزيادة الكميات المصدرة ولزيادة حصّتهم من برنامج دعم الصادرات الزراعية.
ويأتي هذا كلّه، فيما لا تزال «إيدال» مترددة في تقديم أي وعود تتعلق بدفع مبالغ الدعم لأنه حتى الساعة لم تحوّل أي مبالغ إلى حساباتها من وزارة المال، علماً بأن لدى المؤسسة مبالغ مستحقة عن سنوات سابقة ولم تحوّل إلى حساباتها بعد.