الشيخ أحمد الأسير… في الأسْر. مفاجأة أمنية مدوّية دهمت بيروت يوم أمس وانتهى معها واحد من أبرز المطلوبين الى العدالة اللبنانية في قبضة الأجهزة الأمنية، خلال محاولته مغادرة البلاد متخفياً وبجواز سفر فلسطيني مزور عبر مطار رفيق الحريري الدولي متوجّهاً الى القاهرة ومنها الى نيجيريا.
وفي موازاة الملابسات المثيرة لتوقيف الأسير، الذي سبق للقضاء اللبناني ان طلب له في مارس 2014 الإعدام على خلفية المواجهات التي وقعت في حزيران 2013 بين مجموعته وبين الجيش اللبناني في منطقة عبرا (صيدا) وادت الى سقوط 18 عسكرياً لبنانياً بينهم ضابطان، شخصت الأنظار على التداعيات الأمنية المحتملة لهذا الإنجاز الذي حققه جهاز “الأمن العام” اللبناني، خصوصاً في ظل الصلات التي تربط الأسير بجماعات فلسطينية وتنظيمات سورية متطرّفة كـ “جبهة النصرة” و”داعش”، والمخاوف من ردات فعل عزّزتها “تحركات” عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمناصري “داعش” و”النصرة”، بلغت حدّ التهديد بقتل العسكريين اللبنانيين المخطوفين لديهما (منذ 2 اب 2014) ما لم يتمّ إطلاق الأسير سريعاً.
وأعلنت المديرية العامة للأمن العام ان الأسير (47 عاماً) أوقف في مطار بيروت أثناء محاولته الفرار الى نيجيريا عبر القاهرة بجواز سفر فلسطيني مزوَّر.
وكانت معلومات أفادت ان الجواز حمل اسم رامي عبد الرحمن طالب، وان الأسير أجرى تغييراً في ملامح وجهه وتنكّر بزيّ امرأة في السيارة التي أقلّته الى المطار، مشيرة الى توقيف شخص آخر كان يرافقه ويحمل جواز سفر مزوَّراً باسم خالد صيداني.
وفيما ذكرت تقارير ان الأسير اوقف داخل الطائرة، افادت معلومات أخرى لصحيفة “الراي” الكويتية ان القبض عليه حصل عند نقطة ختم جواز السفر للمغادرة، وسط اشارة بعض وسائل الإعلام الى ان عملية مطاردة الأسير التي لم تتوقف أصلاً منذ تواريه قبل عامين ونيّف تكثّفت قبل ايام استناداً الى معطيات جديدة تشير الى نيّته مغادرة لبنان.
وفيما أوضح النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود ان “التحقيق مع الارهابي أحمد الاسير يجري في مكتب شؤون المعلومات في الامن العام وملفه جاهز للاحالة على المحكمة العسكرية”، سادت حال من الترقب صيدا ومخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
فصيدا التي وُلد فيها أحمد محمد هلال الأسير الحسيني العام 1968 من والد سنّي (كان يتعاطى الفن – غناء وعزفاً) ومن أم شيعيّة من مدينة صور، بدت في أجواء طبيعية بعيْد كشف خبر توقيف الأسير الذي كان اسس فيها العام 1997 مسجد بلال بن رباح وبقي إمامه حتى وقوع أحداث عبرا، قبل ان يشكّل حالة ابتداء من العام 2011 حين بدأ يتردّد صدى خطبه النارية المناهضة للنظام السوري ولـ “حزب الله” اللبناني، ليكتمل صعود نجمه الصاروخي صيف 2012 حين نصب خيماً اعتراضية في اعتصام مفتوح وسط الطريق على احد المداخل الشمالية لصيدا عاصمة جنوب لبنان والممر الإجباري إليه، ويعلن في 2013 إنشاء “كتائب المقاومة الحرّة” للقتال في سورية والجهاد في القصير حيث تم التداول بصورة له داخلها (لم تتأكد صحتها) وأعقبتها صورة له على متن إحدى دبابات “الجيش السوري الحر”.
ورغم الاجراءات الامنية المشددة التي تم اتخاذها في صيدا تحسباً لأي ردات فعل من أنصاره، فقد استبعدت اوساط سياسية حصول اي خضات في عاصمة الجنوب باستثناء بعض التحركات العابرة مثل الاعتصام الذي نفّذته بعد ظهر امس إحدى زوجتيْ الاسير وزوجات مناصريه عند دوار الكرامة، وسط معلومات عن ان كل مَن كان يرتبط بالشيخ الموقوف موضوع تحت مراقبة شديدة منذ وقوع أحداث عبرا في يونيو 2013 والتي سبقتها حوادث امنية عدة بين مجموعة الأسير وعناصر من “سرايا المقاومة” التابعة لـ “حزب الله” في صيدا.
اما عين الحلوة، الذي تردّد كثيراً ان الأسير والفنان المعتزل فضل شاكر (كان من أبرز المنضمين الى مجموعة الأسير) هربا اليه بعد مواجهات عبرا، فلم يشهد في الساعات الاولى التي أعقبت توقيف الاسير اي مظاهر احتجاجية، علماً ان المخيم يضم مجموعات اسلامية متشددة تلتقي مع الشيخ الموقوف كـ “جند الشام” وتيارات اصولية أخرى.
واذا كان الاطمئنان النسبي الى ان القبض على الاسير سيمر بهدوء في لبنان، فان الخشية بقيت قائمة من تفاعلات لهذا الملف على صعيد المجموعات المتطرفة والارهابية، وخصوصاً ان مناصري “داعش” واكبوا خبر التوقيف بإطلاق “هاشتاغ” عبر “تويتر” بعنوان “كلنا الشيخ احمد الاسير” فيما كان يُنقل عن “النصرة” تهديدها بإعدام العسكريين اللبنانيين المخطوفين لديها ما لم يتم الإفراج عن الأسير في غضون 8 ساعات.
وكان الأسير الذي يملك حساباً على “تويتر”، قال في آخر تغريداته قبل اكثر من شهر في اشارة ضمنية الى ما عاشه في فترة اختفائه عن الأنظار التي ترافقت مع شائعات عدة حول انه اصبح في سورية او تركيا: “تنقلت 20 مرة تحت الخطر وأحياناً جعتُ وبردتُ وانقطع عني الدواء ونمتُ في البساتين ولم أجد بيتاً يأويني… هذا ليس مهماً، والأهم ان يرضى الله”.
وسبق للشيخ الموقوف ان “اوصى” في شريط مسجّل نشره على “تويتر” في مايو الماضي بأنه “إذا قتلت أو اعتُقلت هذه وصيتي لاخواني المجاهدين في العراق والشام: أناشدكم الله وأستنصركم بالله أنا العبد الحقير أحمد الاسير الحسيني بأن تنصرونا في لبنان وأن تنصروا أهل السنة في لبنان لأن المجرمين قد أجمعوا علينا”.
وشكّل هذا التسجيل واحداً من مجموعات “إطلالات صوتية” للأسير خلال مرحلة “تخفيه” وهاجم فيها بعنف النظام السوري و”حزب الله” والجيش اللبناني وتيار “المستقبل” والنائب بهية الحريري والجماعة الاسلامية ورئيس الحكومة تمام سلام، وبينها شريط قال فيه انه حمل السلاح ليدافع عن نفسه في مواجهة “حزب الله” الذي “يشنّ مع صحوات تيار المستقبل، حرب إلغاء على من يرفع لواء مظلومية أهل السنّة”.
ومعلوم انه تم التداول باسم الأسير في الفترة التي شهد خلالها لبنان مجموعة من التفجيرات على خلفية مشاركة “حزب الله” العسكرية في سورية، وسط تقارير عن علاقة مناصرين له ببعض هذه التفجيرات.