كتبت رولا حداد
حققت الأجهزة الأمنية اللبنانية إنجازا مهما بتوقيف الشيخ أحمد الأسير في المطار قبيل سفره الى نيجيريا. الشيخ الأسير مطلوب أمام القضاء اللبناني منذ حوادث عبرا في العام 2013، وحسنا فعل الأمن العام بتنفيذ مذكرات التوقيف بحقه وإحالته أمام المراجع القضائية المختصة لاتخاذ كل الإجراءات اللازمة ومباشرة محاكمته لينال العقوبة التي يستحقها.
لكن ما يجب التوقف عنده بهدوء هو التمييز في التعاطي مع الملفات من قبل الأجهزة الأمنية. فالواضح أن توقيف الأسير لم يكن ابن ساعته، بل نتيجة متابعة أمنية دقيقة. في المقابل بات واضحاً أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تقوم بأي عمل أمني- استعلامي عن جميع المطلوبين من “حزب الله” بدءًا بالمطلوبين من المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مروراً بالمطلوبين أمثال محمود الحايك (جريمة محاولة اغتيال الوزير بطرس حرب)، وصولا الى اللواء المتقاعد جميل السيّد الذي اجتاح من أجله مسلحو “حزب الله” مطار رفيق الحريري الدولي من أجل منع تنفيذ مذكرة قضائية بحقه وتوقيفه، لم يكن معروفاً ما إذا كانت الأجهزة الأمنية في المطار ستنفّذها أساساً!
هكذا يتّضح بما لا يقبل أي شك وجود ازدواجية فاقعة في تعاطي الأجهزة مع الملفات القضائية. وباستثناء إنجازات “شعبة المعلومات” في توقيف أمثال ميشال سماحة وفايز كرم وغيرهما أيام كان اللواء أشرف ريفي على رأس المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يمكن الحديث عن عُقم تام في متابعة أي مطلوب محسوب على “حزب الله” أياً كان مستواه. تكفي الإشارة على سبيل المثال لا الحصر الى إجهاض الخطة الأمنية في البقاع الشمالي وفي الضاحية الجنوبية أو جعل تنفيذها بشكل أو بآخر عمليا بإشراف “حزب الله”. فحتى أمثال نوح زعيتر وماهر طليس من المستحيل توقيفهم لأنهم محسوبون على بيئة “حزب الله” رغم أنهم مطلوبون بجرائم غير سياسية.
أكثر من ذلك فإننا بتنا نسمع بطريقة شبه يومية عن قيام الأجهزة الأمنية بتوقيف ضباط سوريين منشقين عن النظام السوري من دون أن نعرف ما إذا كان الانشقاق عن نظام بشار الأسد جريمة يعاقب عليها القانون اللبناني أم أن ثمة من يقدّم خدمات مجانية لنظام الأسد وحليفه “حزب الله” في الداخل اللبناني؟
ثمة من يقول في لبنان إن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تزال تعاني من تركة مرحلة الوصاية السورية، وثمة من يقول إن هذه الأجهزة تعاني من سطوة “حزب الله” عليها تماما كما تعاني الحكومة اللبنانية ككل من سطوة الحزب على قراراتها السياسية والوطنية والسيادية. وثمة من يقول إن الفيتو الحاسم الذي وضعه “حزب الله” عند تشكيل هذه الحكومة على تعيين اللواء أشرف ريفي وزيرا للداخلية هدف بشكل أساسي الى محاولة ترويض “شعبة المعلومات” للحدّ من إنجازاتها التي عرفتها أيام الثنائي اللواء أشرف ريفي- اللواء الشهيد وسام الحسن.
أياً يكن، فإن بعض المراقبين يلفتون الى تكرار حادثة بسيطة إنما معبّرة في المطار، وهي أن ثمة مسؤولين فيه يصرّون تكراراً على بث خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على كل شاشات المطار، بما فيها شاشات إعلان إقلاع الطائرات ووصولها، في تعبير واضح على كون مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت يرزح تحت “وصاية” من نوع جديد- قديم!
فهل ثمة إمكانية لإصلاح الوضع في اتجاه بناء أجهزة أمنية تعمل وفق أجندة المصلحة الوطنية العليا أم علينا أن نكتفي بإعلان وزير الداخلية والبلديات قبل أسابيع أن الدولة اللبنانية عاجزة عن أن تفرض الأمن والقانون بالتساوي على جميع اللبنانيين؟!
في الانتظار يبدو أن اعتقال الشيخ أحمد الأسير لن يحرّر حتما الوطن الأسير!