IMLebanon

أزمة القهوة: هل نشهد قريبا نهاية مشروبنا المفضل؟

Coffee-Tree

ديفيد روبسون

يهدد الجفاف، والفيضانات، والأمراض، والتغيرات المناخية محصول البن، وهو مصدر الكافيين الذي نعتمد عليه بشكل أساسي.
فهل نواجه قريبا نهاية مشروب القهوة الذي نعرفه؟ الصحفي العلمي في بي بي سي ديفيد روبسون يحاول الإجابة عن ذلك السؤال.
عندما نرتشف قهوتنا ونحن نقرأ صحف الصباح، لا يخطر ببالنا تأثير التغير المناخي على سطح الأرض على محصول البن.
لكن على بعد عدة آلاف من الأميال حيث تنتج القهوة، يكمن تهديد حقيقي لهذا المحصول.
أجرت الباحثة إليسا فرانك من جامعة كاليفورنيا لقاءات مع مزارعي البن في تشيباس في المكسيك، وعرفت منهم أن زخات المطر المعتدلة التي اعتادوا عليها قد تحولت الآن إلى هطول أمطار غزيرة تهدد نبات البن الذي يزرعونه.
أحد المزارعين أخبر فرانك قائلاً: “في الماضي، لم تهطل الأمطار بهذه الغزارة، أما الآن فالأشجار تنتج محصولاً أقل لأن المطر يؤدي إلى تساقط الأوراق والثمار”.
في وقت من الأوقات، حظي المزارعون بأحوال جوية مستقرة ومعتدلة، لكن حالياً تتراوح درجات الحرارة بين البرد الشديد الذي يعيق النمو والحرارة الشديدة التي تؤدي إلى جفاف البذور قبل أن تنضج.
كما أن هناك أعاصير وانزلاقات للتربة. أحياناً تغرق النباتات في الوحل. وقد عبر أحد المزارعين قائلا: “الأحوال الجوية غريبة جداً. أمور غريبة تحدث لم نألفها من قبل”.

قمة عصر القهوة؟

هذه المشاكل ليست مقصورة على المكسيك وحدها. فالمزارعون في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا يشاهدون أشجار القهوة تذوي حيث تجتاح مزارعهم الأمطار الغزيرة أو الجفاف أو الآفات التي تهاجم محاصيلهم نتيجة الانحباس الحراري الذي تعاني منه الكرة الأرضية.

نتائج هذا الاضطراب يمكن أن تؤثر قريبا على الامدادات التي تزود المقاهي المحلية إذ يستهلك العالم حالياً ملياري فنجان من القهوة يومياً.
كيف يمكننا ضمان تدفق إمدادات القهوة بينما تتعرض المحاصيل لكل هذه الظروف الجوية الصعبة؟ وإذا لم يتمكن المزارعون من تغطية هذه الحاجة فهل نحن على أبواب الوصول إلى قمة عصر القهوة الذي يبشر ببدء الانهيار؟
ويساور البعض القلق من أن جهودنا في مواجهة هذه التحديات ستفاقم من الخراب الذي تتعرض له البيئة. آخرون يرون أن الحل الوحيد يكمن في تغيير النكهة المحببة لمشروب القهوة. ومهما كانت الإجابة، تذوق قهوتك المركزة (الاسبريسو) بقدر ما تستطيع، فربما نكون على أعتاب مرحلة نهاية القهوة كما نعرفها.
وتنشأ المشكلة جزئياً من طبيعة اختيارنا لنوع القهوة التي نستهلكها. يوجد نوعان من القهوة التي تنتج تجارياً: القهوة ذات الرائحة القوية “أرابيكا”، والقهوة التي تميل إلى الطعم المر، وهي تشكيلة “روباستا”.
وتعد قهوة “أرابيكا” هي النوع المفضل في العالم، إذ تشكل ما نسبته 70 في المئة من القهوة التي نشربها. هذه النوعيات الراقية التي نفضلها تأتي على حساب قوة النبات، فأشجار القهوة التي تنتج أرابيكا أكثر حساسية للعوامل الجوية من شقيقتها روباست.
فكما ورد في على موقع “بي بي سي ماجزين” مؤخراً، استنبتت جميع نباتات أرابيكا التجارية كلها من كمية قليلة أخذت من جبال أثيوبيا، مما أثر على قوتها الجينية، وبالتالي جعلها عرضة للتأثر بالعوامل المناخية.
فنبتة بن أرابيكا تنمو على النحو الأفضل في أجواء تتراوح حرارتها بين 18 و22 درجة مئوية، وتحتاج إلى هطول أمطار خفيفة ومنتظمة.
يقول كريستيان بون من جامعة برلين: “تحتاج إلى مناخ خاص جداً لا يمكن أن يتوفر إلا في أماكن قليلة على سطح الأرض”. وهو ما يجعلها مختلفة عن بقية المحاصيل كالذرة مثلاً، والتي زرعت لآلاف السنين وتأقلمت مع ظروف مختلفة من المناخ.
نباتات أرابيكا الحساسة لا تستطيع التأقلم مع الظروف الجديدة المتقلبة التي أحدثها الانحباس الحراري. في المكسيك على سبيل المثال، يبدو أن ارتفاع درجات الحرارة هو السبب في هطول أمطار أكثر غزارة؛ الأمر الذي ينتج عنه الإضرار بالأشجار قبل أن تحمل بذور البن.
وتشرح اينهوا ماغراش من معهد النظم الايكولوجية في زيوريخ ما يمكن أن يحدث قائلاً: “نبات البن يزهر فقط لمدة 24 ساعة، لهذا إن حدث شيء أثناء فترة الازهار، كهبوب عاصفة قوية مثلاً، فإنها تقضي على جميع المحصول”.

في أماكن أخرى توجد مشكلة مغايرة تماماً. عندما طرحت مؤسسة “أوكسفام” أسئلة على مزارعي البن في جبال أوغندا، اشتكوا من أن المواسم الأكثر حرارة وجفافاً تتسبب في سقوط الحبوب عن الشجر قبل أن تتحول إلى ثمار يانعة. حتى عندما تحمل الزهور ثماراً تكون الحبوب صغيرة ومنكمشة.

تهديد الحشرات والآفات

ضغوط أخرى تأتي من حقيقة أن أعداء نبات البن من الكائنات الحية يعيشون على الطقس الحار، بما في ذلك الحشرات الزراعية والديدان، فضلا عن الآفات مثل صدأ الأوراق، والتي تدمر النبات.
وخلال انتشار عدوى أحد الأمراض في الآونة الأخيرة، انخفض إنتاج أمريكا الجنوبية من البن بنسبة 20 في المئة عام 2013، بعد انتشار مرض صدأ الأوراق، وهذه العدوى يمكن أن يتكرر حدوثها كلما استمر الانحباس الحراري.
لكن حساب التكلفة على المدى الطويل ليس عملية سهلة، حيث يصعب فصل الأحداث المنفردة عن الاتجاهات العامة، لكن فريقاً من الباحثين درس إنتاج البن في تنزانيا منذ الستينات، فوجد أن إنتاجية المحصول انخفضت من 500 كيلو للهكتار الواحد إلى حوالي 300 كيلو في الوقت الراهن.
المثير للانتباه هو أن هذا الانخفاض تواكب مع ارتفاع مضطرد في درجة الحرارة بمعدل 0.3 درجة مئوية كل عشر سنوات، وكذلك مع تراجع في هطول الأمطار.
كل هذه المعطيات ترسم صورة قاتمة للمستقبل. وباستخدام أحدث الاحصائيات المتعلقة بالتغير المناخي الذي تشهده الأرض، تنبأ الباحثون بأن الأراضي الزراعية التي يمكن أن تستخدم لزراعة بن أرابيكا ستنخفض بنسبة 50 في المئة عام 2050.
وستكون أكثر المناطق تأثراً بهذا الانخفاض فيتنام والهند ومعظم وسط أفريقيا.
وسوف تكون النتائج خطيرة لكل من المنتجين والمستهلكين للقهوة على حد سواء. فبالإمكان توقع ارتفاع أسعار القهوة بشكل كبير مما يجعل تناولها نوعاً من الترف الذي لا يطيقه كل الناس.
ويقول كريستيان بون في أطروحته للدكتوراة إن الأسعار سترتفع بنسبة 25 في المئة بحلول عام 2050، وسيكون ذلك ملاحظاً مع انخفاض أسعار بقية المحاصيل بسبب تطور التكنولوجيا المستخدمة في الزراعة.
ويقول بون إنه عندما يؤخذ ذلك بعين الاعتبار، فإن القهوة سترتفغ بنسبة 50 في المئة عن سعرها الأصلي لو لم يضرب التغير المناخي الكرة الأرضية.

من المرجح أن يتحول المزارعون إلى محاصيل أكثر استقراراً، تلك التي تدر عليهم أرباحاً أكثر من البن.
يقول بون: “عندما نواجه منتجي البن بالنتائج التي حصلنا عليها في أبحاثنا، يعترف الجميع بما نعرضه من حقائق، وقد بدأ المزارعون بالفعل في وسط أمريكا الجنوبية بالاتجاه نحو زراعة محاصيل أخرى”.

حلول مقترحة

وإذا أخذنا بعين الاعتبار ما هو متوفر من مال، سيتحرك آخرون بالتأكيد لملء الفناجين الفارغة لدينا، وهو ما سيكلف البيئة ثمناً فادحاُ.
فقد عمدت الباحثة ماغراش في الآونة الأخيرة إلى تحديد المناطق الملائمة لزراعة بن أرابيكا، وقارنتها بالمناطق الطبيعية.
وقد توصلت إلى أننا في أسوأ الحالات سنحتاج إلى إزالة 2.2 مليون هكتار من الغابات لتلبية حاجاتنا من البن، وهي منطقة بحجم مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة. وستكون النتيجة خسارة كبيرة للتنوع في الحياة الطبيعية.
لعل هناك حلولاً أفضل. فنظرا لصلابتها، تعتبر بذور بن روباستا أكثر تحملاً للظروف الجوية. وتقول ماغراش إنها تفضل التوسع في زراعة هذا النوع من البن نظرا لاستمرار ارتفاع درجات الحرارة.
إذا كان الأمر كذلك، فإن تغييرا بسيطاً في مذاق القهوة من شأنه أن يحل المشكلة، ومن ثم نتعود على زيادة المرارة في طعمها بالتدريج.
وهذا من شأنه أن ينقذ الغابات من التهديد بالإزالة. وتأمل ماغراش في أن وسم منتج القهوة عند بيعه بعبارة توضح أنه زرع على حساب الغابات الطبيعية، سيجعل المستهلكين أكثر وعياً بالأضرار البيئية الناتجة عن ذلك، وبالتالي يحكمون ضمائرهم ويظهرون حرصهم على البيئة عندما يفكرون في شراء القهوة أو استهلاكها.

ويأمل آخرون في أن تطور التقنيات الزراعية سيعمل على استمرار أشجار البن في النمو والإنتاج.
في هذا السياق تهدف مبادرة باسم (القهوة والمناخ) إلى مساعدة أكثر من 12 شركة منتجة للقهوة على التعاون فيما بينها لمواجهة التحديات التي تهدد زراعة البن.

ويتمثل أحد الخيارات في تركيب وغرس عيدان بن أرابيكا في جذور بن روباستا، لإنتاج خليط يكون أكثر قدرة على مقاومة الجفاف بينما نحافظ على المذاق الطيب ذاته لبن أرابيكا.
كما يمكن تطوير نوع من النبات يجمع بين الصفات الحسنة في بن أرابيكا مع الصفات الحسنة في بن روباستا، وهو ما يعمل الباحثون على التوصل إليه، لكن ليس معروفاً بعد متى ستكون ذلك المنتج الجديدة جاهز، كما تقول ماغراش.
ويعتمد دخل مزارعي القهوة وغيرهم ممن لهم علاقة بصناعة البن، والبالغ عددهم 25 مليون نسمة، حسب بعض التقديرات، أساساً على عثورنا على إجابة سريعة.

في الوقت الراهن، يواجه المزارعون حالة من الارتباك وعدم اليقين كما تقول أليسا فرانك من خلال زيارتها للمكسيك.
وعلى الرغم من أن كثيرا من المزارعين يتابعون النشرات الجوية في التلفزيون ويحاولون أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الأمطار الغزيرة المتوقعة، إلا أنهم يشعرون بأنه لا حيلة لهم في مواجهة ظروف تتعدى قدراتهم وإمكانياتهم.
بعض المزارعين يشعر أن الحديث في الموضوع بات محظوراً، ونقلت فرانك عن أحدهم قوله: “قليلاً ما نتحدث عن المناخ، ونحن نعلم الأحوال المناخية هنا، وكيف تؤثر على زراعتنا للبن، لكننا عاجزون عن فعل أي شيء إزاء ذلك”.