تنتظر المحال التجارية الشهيرة في لندن، مثل “هارودز” و”ويست فيلد”، بفارغ الصبر حلول موسم الصيف لاستقبال تدفق السياح العرب إلى العاصمة البريطانية، التي تعد من المدن الأوروبية التي يفضلها السائح العربي. ورغم الضجة التي تثيرها صحف التابلويد في لندن، حول السيارات الفارهة، التي يحضرها معهم شباب العرب، لكنها في النهاية تبقى حملات تسويقية لهذه الصحف، التي لا يخفي كتابها أن السائح العربي ينفق بسخاء خلال فترة وجوده في البلاد. وعادة ما يحضر معظم رجال الأعمال العرب إلى لندن في موسم الصيف ومعهم عائلاتهم، في رحلات ترفيه وتسوق بعيداً عن حر الصيف القائظ في منطقة الخليج العربي، وحتى الدول الأخرى ومنها مصر والأردن، التي كانت لسنوات طويلة مستقبلاً للسياحة العربية. وتعد لندن إلى جانب باريس وجنيف من أهم المحطات السياحية، التي يرتادها السائح العربي، فالأثرياء العرب يفضلون لندن على غيرها من العواصم العالمية. وحسب منظمة السياحة العالمية، فإن السائح السعودي يعد الأعلى إنفاقاً من بين باقي السياح، حيث ينفق حوالي 21.3 مليار دولار سنوياً. وهنالك حوالي 4.5 ملايين سعودي يسافرون سنوياً مع عائلاتهم.
وينفق السائح السعودي حوالي 6 آلاف دولار في المتوسط في الرحلة الواحدة. وهو بهذا المعدل يتفوق على الصيني الذي يأتي في المرتبة الثانية، والأميركي الذي يحتل المرتبة الثالثة من بين مواطني العالم الأكثر إنفاقاً على السياحة. ولكن هذه المعدلات تتعلق بالمواطن متوسط الدخل، أما بالنسبة للأثرياء فتشير تقارير بريطانية إلى أنه يصرف ما يعادل 38 ألف دولار في اليوم. وهذا المبلغ قد يعد خرافياً بالنسبة للمواطن العربي، ولكن الأمر ليس كذلك في عواصم أوروبا، حيث إن الأجنحة الفندقية الراقية جداً يصل سعرها إلى 15 ألف دولار في الليلة، وبإضافة الوجبات والرحلات والتسوق يكون هذا المبلغ قد صرف. وفيما يسافر أثرياء العرب إلى سويسرا ويقصدون منتجعات جبلية بالقرب من لوزان وسويسرا، أو يقضون بعض الأيام بين فيينا وباريس ومناطق نايتسبريدج غربي لندن، يقصد السياح متوسطو الدخل مناطق مثل إيدجوار رود، حيث تنتشر المقاهي العربية ومحلات الأرجيلة. وشارع إيدجوار رود من الشوارع التي تتكلم العربية بطلاقة ويصبح الإنجليزي غريباً عنها في موسم الصيف. وفي السنوات الأخيرة أصبحت السياحة العالمية من أهم ماكينات تحريك الاقتصاد في العالم. وبالتالي توضع تجهيزات خاصة لجذب السائح العربي والأسرة العربية في هذا الموسم، حيث تجد تغييرات طرأت على حديقة الهايدبارك تناسب الأسرة العربية. وحسب منظمة السياحة العالمية للعام 2014، فإن السياحة تخلق حوالي 105 ملايين فرصة عمل عالمياً، وتساهم بضخّ حوالي 2.4 ترليون دولار سنوياً. ورغم أن الكويت لا تضمّ شخصيات كثيرة من بالغي الثراء، إلا أن دراسة أجرتها الخطوط الجوية البريطانية مؤخراً، كشفت عن أن 33% من الكويتيين يسافرون في رحلات طويلة لمرة واحدة على الأقل في العام، بينما يسافر 21% مرتين على الأقل سنوياً. وحلّت الكويت في المركز الرابع عربياً في عدد المليارديرات لعام 2014، وفقا لدراسة صادرة عن شركة “ويلث إكس”، بالتعاون مع المصرف السويسري “يو بي إس”. وبلغ عدد المليارديرات في الكويت 12 مليارديراً، بإجمالي ثروات 23 مليار دولار، ليتراجع عددهم عن العدد المسجل في 2013 والبالغ 17 مليارديراً بإجمالي ثروات 34 مليار دولار، غير أن عدد الأثرياء الذين يملكون 100 مليون دولار وأكثر يتجاوز الـ 120 ثرياً، وهؤلاء يقبلون على خدمات السياحة الفاخرة، ولكن بدرجة أقل من أصحاب المليارات. ولا يرى رجل الأعمال الكويتي، زيد الخرافي، اتجاه رجال الأعمال إلى قضاء إجازاتهم في منتجعات فاخرة وجزر خاصة نوعا من الإسراف أو البذخ غير الضروري.
وقال “الإنفاق المتزايد لأصحاب الثروات الضخمة، أمر طبيعي للبحث عن التميز، والراحة”، مضيفا أن “رحلة لجزيرة خاصة في المحيط الأطلسي تكلف أضعاف فندق فاخر في قلب باريس، ولكن الهدف الذي يبحث عنه الأثرياء هو الاستجمام، ولهذا يفضلون البعد عن الأماكن المزدحمة، كما أن الخصوصية أمر مهم وضروري”.
ويرى عاملون في المجال السياحي أن الاضطرابات السياسية والأمنية والحروب التي تشهدها بعض الدول العربية وتمدد تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تسهم في زيادة عدد السياح العرب المتجهين نحو الدول الأوروبية بشكل خاص، بعد أن كانت دول مثل لبنان ومصر والأردن واليمن والمغرب تتنافس على جذب السائح العربي خلال موسم الصيف. بل تحول أصحاب الدخول المرتفعة والأثرياء في هذه الدول السياحية بالدرجة الأولى إلى الاتجاه أيضا للسياحة الخارجية بعد أن كان أغلبهم يقضي فترة إجازته في المنتجعات والمناطق السياحية الفاخرة داخل بلده. وفي مصر، رغم الإجراءات الحكومية لتشجيع السياحة الداخلية في الفترة الأخيرة، إلا أن عاملين في القطاع يتوقعون أن يتجاوز عدد السائحين المصريين بالخارج 500 ألف سائح هذا العام. وكانت وزارة السياحة قد أطلقت العام الماضي حملة لتشجيع السياحة الداخلية بعنوان “مصر في قلوبنا”، وقالت الوزارة حينها إنه تم طرح برامج سياحية بأسعار مخفضة لتنشيط السياحة الثقافية لمدينتي الأقصر وأسوان جنوب البلاد، وذلك بالتعاون المشترك مع شركة مصر للطيران الناقل الجوي الرسمي للبلاد والعديد من الفنادق والشركات السياحية العاملة في مجال السياحة الداخلية. وبحسب هاني الشاعر، نائب رئيس غرفة الفنادق السابق في مصر، في تصريح لـ”العربي الجديد”، فإن السياحة المصرية في الخارج لم تعد تقتصر على الأغنياء فقط، ولكن مع أسعار برامج سياحية تنافسية مثل إسبانيا أو تركيا، فإن هناك نمواً في أعداد المصريين القاصدين تلك البلدان للسياحة من أصحاب الدخول الجيدة. ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للأردن، فرغم تعدد منتجاته السياحية، إلا أن عدداً كبيراً من الأردنيين، خاصة طبقة الأغنياء ورجال الأعمال، تفضل السياحة الخارجية وزيارة العديد من البلدان وإنفاق مبالغ طائلة، وفق المستشار في وزارة السياحة والآثار زياد البطاينة. وأكد البطاينة لـ”العربي الجديد”، أن “السياحة الأردنية للخارج تعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه القطاع السياحي من حيث الأموال الكبيرة التي ينفقها الأردنيون في الخارج وحرمان بلدهم منها”. وبحسب أحدث بيانات المصرف المركزي الأردني، فقد بلغ إجمالي ما أنفقه الأردنيون على السياحة في الخارج خلال الخمسة أشهر الأولى من العام الحالي حوالي 481 مليون دولار. وقال البطاينة إن سياحة رجال الأعمال تختلف عادة عن سياحة الأشخاص العاديين من حيث معدلات الإنفاق، مشيرا إلى أن باريس ومدريد وسويسرا ولندن هي أكثر المدن التي يتجه إليها رجال الأعمال لأغراض السياحة، وهم ينفقون مبالغ كبيرة خلال رحلاتهم.
وفي لبنان، أكد مسؤولون في وزارة السياحة، أن المخاوف الأمنية والقيود على السفر من جانب دول الخليج إلى لبنان، أدت إلى هبوط أعداد السائحين القادمين بنسبة 27% خلال ذروة الموسم السياحي في هذا البلد المُطل على ساحل البحر المتوسط. وتعد شواطئ لبنان وحاناته وأماكنه التاريخية مصادر جذب للسائحين، لكن البلاد تعاني من تداعيات الحرب الدائرة في سورية المجاورة بين المعارضة المسلحة ونظام بشار الأسد. ولم تنج تونس التي كانت مقصداً للأوربيين أنفسهم من الضربات التي تعرض لها القطاع السياحي، بفعل العمليات الإرهابية التي استهدفت أماكن ومنتجعات سياحية مؤخرا. لكنها حملت نموذجاً مختلفاً بالنسبة لأثريائها الذين فضل الكثير منهم وفق ناشطين في القطاع السياحي، قصد منتجعات داخلية كنوع من التضامن مع سياحة بلادهم. وبينما اتجه أغلب السياح العرب، لاسيما أثرياؤهم، إلى أوروبا، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة استطاعت خلال الأعوام الأخيرة، اجتذاب شرائح من الذين فضلوا السفر خارج بلدانهم وعدم التوجه إلى المقاصد التاريخية والتقليدية في مصر ولبنان والأردن واليمن بشكل خاص. أظهرت بيانات لمنظمة السياحة العالمية، أن الإمارات استحوذت على نحو 25% من عائدات السياحة الدولية في معظم منطقة الشرق الأوسط، خلال عام 2013، بعد أن جاوز إجمالي العائدات 11.5 مليار دولار، مقابل 45.7 مليار دولار للمنطقة. وأشارت المنظمة إلى تطور قطاعي السياحة البحرية، وسياحة الأعمال والمعارض والمؤتمرات في دبي، ما مكن الإمارة من استقطاب مجموعة أوسع من الزوار. واستحوذت دبي وحدها على 19.4% من إجمالي أعداد السياح الدوليين إلى المنطقة العربية، بعد أن استقبلت 9.9 ملايين سائح دولي، مقابل 8.9 ملايين سائح في عام 2012.