نيكول بولوك وإيريك بلات
التخفيض المفاجئ لقيمة الرنمينبي أثار مخاطر التباطؤ الاقتصادي في الصين بالنسبة إلى الشركات العالمية التي تعتمد على الصين باعتبارها مُحرّك النمو في جميع أنحاء العالم.
هذه الخطوة أوجدت حالة من عدم اليقين بشأن حالة الاقتصاد الصيني – وبالتالي الاقتصاد العالمي – وبشأن توقيت رفع أسعار الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي، وسط مخاوف بشأن احتمال نشوب حرب عملات واسعة.
كل هذا يأتي في الوقت الذي كانت فيه الشركات تُكافح بسبب انخفاض أسعار النفط وارتفاع الدولار الأمريكي. والتقييمات، في الولايات المتحدة على الأقل، تبدو ممطوطة بمعدل 17 مرة بالنسبة إلى مؤشر ستاندرد آند بورز 500.
يقول نيكولاس كولاس، كبير مختصي استراتيجية السوق في شركة كونفيرجيكس “نحن جميعاً نعلم أن الاقتصاد الصيني تعرّض للضغط، لكن تخفيض قيمة العملة كان مؤشراً على أن الأمر أسوأ مما كان متوقعاً، وهذه تُعتبر مشكلة بالنسبة إلى أرباح الشركات”.
الشركات الممتازة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ومنطقة اليورو، التي تعمل في قطاعات تعتمد منذ فترة طويلة على الصين، بما في ذلك شركات صناعة السيارات وشركات التعدين ومتاجر التجزئة للسلع الفاخرة، تعرضت أسهمها لعملية بيع الأسبوع الماضي.
وكانت قطاعات الطاقة، والمواد الأساسية، والصناعة مُتخلّفة بشكل سيئ خلال فترات طويلة من هذا العام، مع انخفاض أسعار السلع الأساسية الذي يُشير إلى أن الطلب من الصين تراجع إلى مستوى أقل بكثير.
يقول توبياس ليفكوفيتش، رئيس استراتيجية الأسهم الأمريكية في سيتي جروب “إن الشركات التي لديها مبيعات تبلغ 20 في المائة أو أكثر في الصين تضرّرت كثيراً في السوق، لكن كذلك أيضاً كان حال الشركات المُرتبطة بأسعار السلع الأساسية، حيث الطلب من المناطق النامية كان الأساس لفرضية الدورة الكبيرة السابقة”.
ويضيف “أولاً وقبل كل شيء كانت الفكرة هي أن الطلب الصيني يتراجع وأن العالم قد تُرك مع وفرة من الإنتاج والمخزون أدتا إلى تخفيض أسعار كل شيء، من الأدوية إلى الإلكترونيات إلى السيارات (وتجاوزت كثيراً النفط وخام الحديد فقط)، وهي تضغط على أرباح الشركات في جميع أنحاء العالم”.
والسؤال الذي يواجه مستثمري الأسهم هو ما إذا كان تخفيض قيمة العملة في الصين يمكن أن يعزز النمو والطلب بالنسبة إلى منتجات وخدمات الشركات العالمية من الولايات المتحدة وأوروبا. وفي حين إن أسعار الأسهم كانت مُستقرّة في أوروبا والولايات المتحدة يوم الخميس، إلا أن كثيرا من المحللين يقولون إن الضغط ليس من المرجح أن يتوقف في أي وقت قريب.
وبحسب ديفيد ليبوفيتس، مختص استراتيجية السوق العالمية في “جيه بي مورجان” لإدارة الأصول “في أوروبا كانت الشركات تعول على أن تبدو صادراتها أرخص من غيرها – 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي يأتي من الصادرات. المشكلة هي أن الصينيين بدأوا في العمل لدفع عجلة النمو من خلال زيادة الصادرات”.
ويلاحظ أن اليورو، وليس الدولار الأمريكي، هو الذي ارتفع بشكل أسرع مقابل الرنمينبي بعد تخفيض قيمة العملة الصينية الأسبوع الماضي. وهذا انعكس على خروج الصفقات المُضاربة من فئات الأصول المختلفة التي يتم تمويلها باليورو، الذي تكاد تكون تكاليف اقتراضه لليلة واحدة أصبحت معدومة.
لكن مثل هذه الزيادة في العملة الموحّدة تؤكد اعتماد الشركات الممتازة في منطقة اليورو على نمو الصادرات. وخلال كثير من هذا العام، كانت تدفّقات الاستثمار تُفضّل أسهم منطقة اليورو، بناءً على انخفاض التقييمات ووجود احتمالات أفضل لتحقيق الأرباح من الشركات الممتازة المنافسة لها في الولايات المتحدة.
وهذا يُفسّر السبب في أن الشركات في منطقة اليورو كانت الأكثر تضرّراً من منافساتها في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، مع تفاقم الضغط على شركات صناعة السيارات بشكل خاص يومي الثلاثاء والأربعاء. وانخفض مؤشر فاينانشيال تايمز لشركات صناعة السيارات وقطع الغيار الأوروبية بنسبة 8.3 في المائة خلال هذين اليومين، وهو الانخفاض الأكبر خلال عام على الأقل، مدفوعاً بمخاوف من انخفاض الطلب على الصادرات الأوروبية.
مع ذلك، أثيرت أسئلة أيضاً حول الشركات الصناعية في الولايات المتحدة، مثل كاتربيلار ودير، مع تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى حالة من عدم الربحية في إحدى المراحل الأسبوع الماضي. وهناك سبب آخر للقلق هو كيف أن القطاعات الرائدة في مؤشر ستاندرد آند بورز 500 هذا العام، الرعاية الصحية والسلع الكمالية، تعثرت خلال آب (أغسطس)، ما يوحي بأن السوق بشكل عام تقف على أعتاب تصحيح واضح. ويقول ليبوفيتس “في حالة الولايات المتحدة، نحن نبتعد عن الطاقة والمواد، ونلقي نظرة حذرة على الصناعات – جميع القطاعات الثلاثة مرتبطة بقصة الصين”.
على هذه الخلفية، يتوقّع المُشاركون في السوق مزيدا من التقلّب، فيما يتفاقم التداول الضعيف في آب (أغسطس) ويعمل على احتواء رد الفعل. والأسواق الضعيفة يُمكن أن تعني تقلّبات أكبر في الأسهم، لكن لم يكُن هناك كثير من المستثمرين لوضع رهانات ذات معنى في السوق بعد خطوة الصين.
تخفيض قيمة العملة يُمكن أن يؤثر أيضاً في خطط الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة. وفي حين إن التأجيل قد يعمل على تعزيز المعنويات على المدى القريب، إلا أنه قد يشير أيضاً إلى أن الاقتصاد العالمي يجرجر الولايات المتحدة ويثير قلق المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي.
ويقول أوليفر بورش، الرئيس التنفيذي في شركة برودرمان براذرز “التأثير الحقيقي هو أنه يضعف تقريباً أي حجة لدى الاحتياطي الفيدرالي عن السبب الذي يُمكّنه أو ينبغي بسببه رفع أسعار الفائدة في أيلول (سبتمبر)”.
كذلك ما يُسهم في استجابة السوق القلقة هو حقيقة أن قرار تخفيض قيمة العملة كان مفاجئا – وهو شيء لا تُحبه الأسواق. يقول كولاس “قد يستغرق الأمر بضعة أيام حتى تعرف الأسواق ما آثار التغيير الثاني والثالث. أنا لا أعتقد أننا شهدنا نهاية التقلّب”.