ينجح بعض أرباب العمل في عدم التصريح عن رواتب الأجراء لديهم، أو تقديم أرقام وهمية عن رواتب الموظفين. ويجهد هؤلاء في إخفاء كل ما يتلقاه موظفوهم من مكافآت وعلاوات ومنح، بحجة أنها مجرّد إكرامية من رب العمل، ولا تدخل في إطار الأجر. والكثير من العمال لا يعرفون بأن المكافآت والعلاوات تدخل ضمن الأجر. إذ يعرّف قانون العمل اللبناني الأجر في الأساس على أنه كل دخل يجنيه العامل من صاحب العمل لقاء العمل الذي يقدّمه له. وقياساً على ملكية صاحب العمل للمؤسسة وما يترتب على هذه الملكية من حقوق، يحوز الأجر على ضمانات وحصانات أساسية أرستها القوانين. وقد ينقسم الأجر الى بدل مادي أو عيني يحدده العقد المنجز بين الطرفين على أن يكون كل شيء واضحاً بين رب العمل والأجير.
انطلاقاً من هذا القانون. يشير وزير العمل السابق شربل نحاس، لــ “المدن” أن قانون العمل اللبناني “لا يتدخل في المنح التي يمنحها رب العمل للأجير بسبب مناسبة خاصة أو عامة. إلا أنه يُقر بوجودها، إذ تدخل المكافآت في الإطار القانوني للأجر كجزء لا يتجزء منه. لكن في الواقع، هناك نوع الاستغلال والسلطوية على العمال، حيث قام أصحاب العمل بإقناع موظفيهم بأن المكافآت ليست من ضمن الأجر، هرباً من دفع ضريبة دخل عالية. اذ أن كل شيء يُدفع للعامل يفترض أن يسجّل تحت سجله المالي في وزارة المالية، أسوة ببدل النقل”.
واستند نحاس الى المادة 68 من قانون الضمان الاجتماعي والتي جاء فيها “إن الكسب الذي يتخذ أساساً لحساب الاشتراكات يشتمل على مجموع الدخل الناتج عن العمل بما فيه جميع العناصر واللواحق، ولاسيما تعويض الساعات الإضافية المدفوع بصورة معتادة والمبالغ المدفوعة عادة من أشخاص ثالثين (الإكراميات) وكذلك المنافع المقدمة عيناً إلى العامل”. أي ان كل ما يؤخذ من مال لقاء عمل سواء كان مادي أو عيني يُعتبر أجراً.
التهرّب من التصريح عن مداخيل الأجراء للضمان الاجتماعي من قبل أرباب العمل، يدخل في خانة الإحتيال على قانون العمل والضمان الاجتماعي اللذين يلزمان أصحاب العمل بالتصريح عن كل ما يدفعونه للعمال من أجر وأموال ومنح، حيث تندرج في إطار اللواحق. وقد تنطلي هذه الخدعة على العمال الذين صدّقوا أن أجرهم يقتصر على الراتب الشهري فقط، وأن كل إضافة مالية على راتبهم ما هي إلا مكافأة أو إكرامية. وفي أحيان كثيرة، يشارك العمال مع أصحاب العمل بالتحايل على أنفسهم والقانون في آن معاً، من خلال الإتفاق على تجزئة راتبهم إلى نصفين حتى لا يُصرّح للضمان الإجتماعي عن حقيقة الدخل، أو يتفقون معاً على التصريح للضمان الاجتماعي براتب وهمي.
هذه الأساليب الاحتيالية، يقول عنها رئيس ديوان مديرية التفتيش بالضمان الاجتماعي شوقي أبو ناصيف انها “طرق غير قانونية تؤثر سلباً على صندوق الضمان الإجتماعي وتؤدي الى عجز مالي بسبب إنخفاض الاشتراكات في الضمان. والمعادلة تقول انه كلما ارتفعت الاشتراكات عبر التصريح عن الأجور الحقيقة للأجراء، كلما ربح صندوق الضمان أموالاً إضافية. الأمر الذي ينعكس إيجاباً على تعويض نهاية الخدمة الذي يُدفع للعمال عند ترك عملهم لأي سبب كان”. ويؤكد أبو ناصيف لـ “المدن” أن مديرية التفتيش “تتلقى الكثير من الشكاوى في هذا الخصوص. ويقضي عمل المديرية بتصويب الأمور من خلال دعوة رب العمل الى تصويب الأجور المقدمة وإعادة تكليف الإشتراكات، وإن لم يفعل فإنه يكون أمام مخالفة تستدعي فرض غرامة مالية عليه”.
وزارة العمل بدورها لا تغيب عن هذا الملف، إذ يشير رئيس دائرة الإستخدام في وزارة العمل يوسف الخوري لـ “المدن” الى أن وزارة العمل “ترسل جداول لأصحاب المؤسسات، تملأها بمعلومات تفصيلية عن موظفيها ومن ضمنها الراتب. وتقع مسؤولية مراقبة المؤسسات على دوائر التفتيش في الوزراة التي تقوم بتفتيش دوري خلال العام، أو قصري حين تلقيها شكوى ما. في وقت تخلو صناديق الشكاوى في الوزارة من هذه الأمور”.
تقسيم الأموال التي يحصل عليها العامل يحصل منذ سنوات، والجهات الرسمية تقر بأن ذلك مخالف للقانون، والتفتيش واجب… لكن هناك مساحة شاسعة بين “المفروض” والواقع. اما العمال فمغلوب على أمرهم وجلّ ما يبحثون عنه راتب يساعدهم في عيش “كل يوم بيومه”، فظروف الحياة الصعبة والأحوال العامة للبلاد لا تترك للعمال مساحة للتفكير في الغد. لذا هم محكومون لمالكي رأس المال واصحاب العمل، الأمر الذي يضطرهم الى مجاراتهم في مطالبهم للحفاظ على وظيفتهم، سواء اتفقوا معهم أم لا. وأحياناً كثيرة يقفون في وجه مصلحتهم، ويشاركون أصحاب العمل في المخالفات والالتفاف على القوانين، وهم لا يدركون أنهم بذلك يخسرون أموالهم في المستقبل، اي تعويض نهاية الخدمة.