انطوان فرح
هل يتعرّض لبنان مرة جديدة الى خفض تصنيفه السيادي من قبل مؤسسات التصنيف الدولية، بعدما وصل الى نقطة حساسة؟ ومن البديهي أن أي خفض جديد سيضع البلد في خانة الـ«خطر جدا» للاستثمارات، بما يعني عملياً رفع كلفة الاقتراض الى مستويات غير مسبوقة؟
الزيارة التي قام بها وفد جمعية المصارف اللبنانية الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري شكّلت محطة محورية من حيث الشكل والمضمون.
من حيث الشكل، تأتي الزيارة بعد العاصفة التي كادت تطيح العلاقات بين المصارف ورئيس المجلس في الحقبة السابقة، حين كان يتولى رئاسة الجمعية فرانسوا باسيل. يومها أثار تصريح لباسيل غضب بري، وتوترت العلاقات، رغم محاولات باسيل تصحيح الصورة، وتطبيع العلاقات.
لكن الامور ظلت متوترة وغير سليمة. والبعض يعتبر ان هذا الوضع قد يكون أثّر على انتخابات الجمعية، قبل فترة، وان المجيء بالرئيس الحالي جوزف طربيه، قد يكون احد اهدافه، تطبيع العلاقة مع بري.
ولوحظ ان وفد الجمعية حرص على زيارة وزير المالية علي حسن خليل قبل زيارة رئيس المجلس، وكانت الزيارة الاولى تمهيدية للقيام بالزيارة الثانية. وهكذا، من حيث الشكل، يمكن القول ان العلاقات عادت الى مجاريها الطبيعية بين المصارف ورئيس المجلس.
هذا من حيث الشكل، اما من حيث المضمون، فقد كانت المواقف التي اعلنها المصرفيون عقب الزيارة ذات حساسية مفرطة، وانقسمت الى جزئين:
اولا – في ما يتعلق بملف التصنيف السيادي للبنان، كشف المصرفيون ان لبنان قد يتعرّض لخفض جديد في تصنيفه الائتماني، بسبب الشلل الذي يصيب المؤسسات الرسمية، بدءا من رئاسة الجمهورية، مرورا بالمجلس النيابي، وصولا الى مجلس الوزراء.
ومن المعروف ان تصنيف لبنان الأخير وصل الى ( B-)، وهو تصنيف سيء وفق المعايير الدولية، بالنسبة الى بلد يحتاج الى اقتراض ما بين 4 و5 مليار دولار سنويا، لسد العجز في موازنته.
وتصنيف الـ( B-) يعني ان لبنان دخل في حلقة الدول المصنفة خطرة بالنسبة الى الاستثمارات، وتسديد الديون. اما اذا صحّت توقعات المصرفيين وجرى خفض تصنيف لبنان، فهذا يعني انه قد يصل الى خانة الـ ( CCC)، وعندها يكون قد دخل في لائحة البلدان المصنفة خطرة جدا، وهي المرحلة التي تسبق مرحلة اعلان التعثر والافلاس.
هذا الامر سيكون خطيرا للغاية، خصوصا انه سيأتي في توقيت دقيق، حيث وصل الدين العام الى 70 مليار دولار، والعجز المقدّر في العام 2015 قد يتجاوز الـ5 مليار دولار.
وفي حال ارتفعت كلفة الاقتراض، كما سيحصل اذا تمّ خفض التصنيف، فهذا يعني ان كلفة الدين العام سترتفع الى مستويات قياسية جديدة، وكذلك أساس الدين الذي سينمو بوتيرة أسرع. وفي هذه الحال ستكون الكارثة المالية على قاب قوسين أو أدنى.
لكن تحذيرات المصرفيين، وعلى رغم واقعيتها، تحمل في طياتها أيضا بعض الضغط النفسي على السياسيين المسؤولين عن تعطيل المؤسسات لحضّهم على الخروج من هذه الدوامة. هذه الضغوطات تأخذ في الاعتبار ان الابقاء على الشلل في المؤسسات، سيما منها المجلس النيابي، سوف تزيد مصاعب لبنان المالية. والمقصود هنا تحديداً القوانين المطلوبة دولياً من اجل عدم اعلان مقاطعة لبنان.
هذه القوانين تتناول إلزامية التصريح عن المبالغ النقدية عند عبور الحدود، وكذلك توسيع لائحة الجرائم التي ينتج عن ارتكابها أموال غير مشروعة، واعتبار جريمة تبييض الأموال جريمة أصلية مستقلة بذاتها، ومشروع قانون تبادل المعلومات الضريبية .
هذه القوانين سبق ان تعثرت بسبب معارضة حزب الله، وهي موجودة في المجلس النيابي منذ العام 2012. لكن الظروف تغيرت قليلا بعد الاتفاق النووي، بما يعني ان هذه القوانين ، صار يمكن أن تمر.
لكن المشكلة أصبحت في مكان آخر، اذ أن المجلس النيابي لا يعمل لكي يقر القوانين. ووقف التشريع هو عمل سياسي يأتي في اطار تبادل الضغوطات والمزايدات بين المكونات السياسية. ومن هنا يمكن فهم حرص المصرفيين على الحديث العلني عن احتمالات خفض تصنيف لبنان، وعن الحاجة الملحة الى قوانين مالية مطلوبة دولياً.
جدير بالذكر ان المهلة التي كانت ممنوحة للبنان لاقرار القوانين المالية الثلاثة، تنتهي في ايلول المقبل، لكن هذه المهلة قد تُمدّد، او هكذا يراهن البعض، على اعتبار ان واشنطن الحريصة على لبنان والاستقرار فيه، لن توصله الى مرحلة الانهيار المالي كما سيحصل في حال تطبيق القطيعة المالية ضده.
وكما فعل البنك الدولي في ملف قرض سد بسري، من خلال تمديد فترة القرض لبضعة اشهر، كذلك من المتوقع ان تمدّد واشنطن مهلة السماح، او في اسوأ الاحوال قد تغض الطرف عن حلول موعد التطبيق، وتنتظر اكثر لكي يتمكن لبنان من حلحلة أزمته السياسية، ويستعيد المجلس النيابي زخم التشريع، ويقر القوانين المالية المطلوبة منه.