IMLebanon

تخفيض الرنمينبي الصيني … شرر حرب العملات يتطاير في بكين

ChinaCurrency1
جون أوثرز

ماذا كان يقصد بذلك؟ هذا، على الأقل بحسب ما وصلنا من الفولكلور، كان رد فعل الدبلوماسي، مترينخ، من القرن التاسع عشر، على وفاة نظيره الفرنسي، تاليران. كثير منا كان يساوره الشعور نفسه لدى محاولتنا تفسير أحداث الأسبوع الماضي في الصين، التي عانت عملتها أكبر تخفيض لها، 1.9 في المائة، منذ عقدين من الزمن.

الإجراء كان واضحا. فقد جاء بعد أن أعلنت الصين عن أرقام تصدير فظيعة، إذ قالت الدولة التي ظلت لوقت طويل الجهة الصانعة تقريبا لكل شيء يرغب فيه بقية العالم، إن الصادرات انخفضت 8 في المائة على أساس سنوي. بالتالي، الرد الأول كان طبيعيا بما فيه الكفاية: هذا يعني الحرب، حرب العملات.

تخفيض قيمة العملة يجعل صادراتها أرخص بالنسبة للآخرين، ويجعل الحياة أكثر صعوبة للمنافسين. اشتكى كثير من الجهات الفاعلة على الساحة العالمية من حروب العملات وتخفيض قيمة العملة التنافسي منذ الأزمة المالية، حيث السياسات النقدية السهلة بشكل كبير أبقت العملات منخفضة. الآن الصين – التي مجموعتها الكبيرة من احتياطيات النقد الأجنبي تجعلها قادرة بشكل فريد على فرض أي سعر صرف معين – انضمت إلى الركب.

لقد تم إدراج تخفيض قيمة العملة الصينية منذ فترة طويلة في سيناريوهات المستثمرين “المروعة”. عندما بدأ التداول بعملة الرنمينبي بانخفاض آخر يبلغ 1.6 في المائة يوم الأربعاء، تلك الفرضيات المخيفة كانت تبدو مؤكدة. لذلك شهدنا يومين من عمليات البيع لكل شيء تقريبا كان يعتمد على البيع للصين (حتى شركة أبل، التي تحصل على نحو 20 في المائة من مبيعاتها من الصين، كانت سلبية لفترة وجيزة).

ثم جاءت موجة من الإشارات. في نهاية تداولات يوم الأربعاء، ارتفع الرنمينبي بنسبة 1 في المائة – تحرك في حد ذاته كان أكبر من أي تداول في يوم واحد في العام السابق. يوم الخميس، انخفاض آخر عند الافتتاح، لكن تم إلغاؤه بسرعة، عن طريق التدخل، مع عقد بنك الشعب الصيني مؤتمرا صحافيا نادرا لجعل نياته واضحة.

قدم البنك تخفيض قيمة العملة على أنه محاولة لتجهيز الرنمينبي للتحرك بحرية في أسواق العملة العالمية، ولتشكيل جزء من حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، وهي محاولة لإضافة انضباط السوق إلى الصين. لكن لم يكن لديه أي نية لترك العملة تذهب إلى حيثما أرادت الأسواق – كان من شبه المؤكد أن تجبرها قوى السوق على الانخفاض أكثر – وكان سعيدا بمستواها في الوقت الراهن. إذن، هذا على ما يبدو، هو ما كان يعنيه بنك الشعب الصيني. نتيجة لذلك انتعشت شركة أبل بنسبة 5 في المائة، وتم بيع السندات والذهب مرة أخرى وانتعشت الأسهم. وبحلول نهاية الأسبوع كانت معظم الأسواق الرئيسة تماما حيث بدأت إلى حد كبير. البنوك المركزية – وليس بنك الشعب فقط – من المعروف أنها غامضة. لهذا السبب توجد صناعة صغيرة مختصة بتفسيرها. لكن إجراءات بنك الشعب الصيني تتناغم مع كلماته. فهو يحاول تسريع إدخال عملته إلى النظام العالمي، وفي الوقت نفسه التأكد من أنها لن تعاني أي انخفاض متهور. إذا تبين أن هذا كان صحيحا، فإنه سيثير عدم اليقين وتقلب أسعار صرف العملات الأجنبية، لكنه ينسجم مع ما ترغب بقية العالم أن تفعله الصين. الاستجابة الهادئة على جبهات السندات، والعملات الأجنبية، وأسواق الأسهم، تظهر أنها تقبل هذا التفسير الحميد.

لكن هناك إشارات أخرى تتعلق بسؤال لا يزال مطروحا، وجوابه ليس بالضرورة حميدا. وهو أن أسعار السلع الأساسية لا تزال آخذة في الانخفاض.

تلك الأسهم الغربية التي تستمد معظم دخلها من الصين لا تزال تعاني وقتا عصيبا. فمع انتهاء الشركات الأمريكية تقريبا من الإعلان عن أرباحها للربع الثاني، هناك قطاع واحد فقط فشل في تحقيق التوقعات التي تم تحديدها له قبل شهرين، هو القطاع الصناعي الذي يتعامل بشكل مباشر أكثر مع الصين، حيث انخفضت الأرباح بنسبة 1.3 في المائة على أساس سنوي، بحسب وكالة تومسون رويترز.

ووفقا لسيتي جروب، أسهم الأسواق المتقدمة الـ 48 الأكبر التي تحصل على الأقل على 30 في المائة من مبيعاتها من الصين انخفضت بشكل جماعي بنسبة تبلغ 10 في المائة منذ حزيران (يونيو)، بينما كانت الأسواق ثابتة. وفي حين أن البيانات الرسمية، غير القابلة للتصديق على نطاق واسع، تظهر أن الناتج المحلي الإجمالي في الصين ينمو بمعدل سنوي يبلغ 7 في المائة في الربع الثاني، إلا أن هناك مجموعة مقاييس للنشاط الاقتصادي، مثل الشحن عن طريق السكك الحديدية أو إنشاءات المساكن الجديدة، تشير إلى تراجع صريح.

أداء اقتصاد الصين أسوأ مما كان مأمولا قبل عام. علاوة على ذلك، محاولتها إعادة التوجيه نحو الخدمات والبعد عن البناء والصادرات، يعني أن أي تباطؤ قد يلحق ضررا أكبر بمزوديها في الخارج مما هو في الداخل. وهذا يفسر الانخفاض في سعر السلع الأساسية التي تستخدمها الصين، وفي أسهم وعملات البلدان التي تنتجها، خاصة الأسواق الناشئة الكبيرة مثل البرازيل، التي تراجعت بورصتها تقريبا إلى أسوأ مستوياتها منذ أزمة عام 2008.

من الأفضل افتراض أن بنك الشعب الصيني كان يعني بالفعل أنه لا يريد سوى جلب انضباط السوق لعملته ولا يريد تخفيض قيمة العملة. وبدلا من ذلك، فهو يريد التركيز على الخطر المتمثل في أن المشاكل في الاقتصاد الصيني أدت في النهاية إلى فرض تخفيض قيمة العملة على أية حال. هذه مسألة تعتبر أكثر تعقيدا. وحتى تتم الإجابة عنها، السلع الأساسية والأسواق الناشئة والأسهم الدورية ستبقى في حالة ركود.