كتب ملاك عقيل في صحيفة “السفير”:
إشاراتان أساسيتان في الملف الداخلي طبعتا كلمة أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله في ذكرى 14 آب: تخلّيه للمرة الأولى عن مصطلح «ميشال عون مرشّحنا الى الرئاسة ونقطة على السطر»، وتراجعه عمّا سبق أن أعلنه شخصياً في «يوم القدس العالمي» في 10 تموز أنه «ليس من الحكمة المشاركة في التظاهرات، وعون لم يطلب منا النزول الى الشارع».
في العنوان الأول أثار السيد نصرالله عاصفة من الاجتهادات، تحديداً لدى فريق «تيار المستقبل» و»14 آذار»، ذهبت الى حدّ التأكيد بأن «حزب الله» بدأ يسوّق للخيار الرئاسي الثاني بعد إبلاغه ميشال عون صعوبة الاستمرار في تبنّي ترشيحه بسبب الممانعة الحديدية من جانب خصومه، وبالتالي تكريسه ممراً إلزامياً لهذا الخيار.
في العنوان الثاني تلميح واضح الى احتمال نزول جمهور «حزب الله» لملاقاة الشارع البرتقالي على قاعدة الوقوف بوجه من يحاول «كسر ميشال عون».
لكن على وفرة التفسيرات التي أحاطت برسائل نصرالله المباشرة والنوعية، والتي شكّلت دعماً متجدّداً للحليف المسيحي، حتى من منظار اعتباره ناخباً أول (مع التسليم بكونه أصلاً المرشح الطبيعي للحزب الى ان يتخلّى عون نفسه عن ورقة ترشيحه)، فإن «التيار الوطني الحر» بالمقابل بات في قلب مواجهة حادة مع «تيار المستقبل» لم تعد تنفع معها نصائح نصرالله السابقة للفريق الأزرق بالحوار مع ميشال عون.
مواجهة انتقلت من الحكومة والصالونات الى الشارع، وأرفقت بتحذيرات وردت على لسان رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» شخصياً بإقراره أن التطرّف (بوجه المسيحيين) لا يجرّ إلا التطرّف (مساواة «المستقبل»، بعد الرئيس تمام سلام، بـ «داعش» لجهة ذهنية الإلغاء).
وإذا كانت الدائرة الضيّقة المحيطة بعون لا تزال تلعب على وتر التفريق بين ممارسات كيدية وسلطوية واحتكارية طبعت ممارسات حقبة الحريرية السياسية، حتى ما بعد الـ 2005 بهمّة «السنيورية السياسية»، وكان الرئيس سعد الحريري جسدياً وفكرياً خارج معادلاتها الحاكمة إلى أن «تورّط» شخصياً بوعود لم يتمكّن من الإيفاء بها، فإن هذا الفرز القائم في الرابية لا يلغي ما بات يصنّف في خانة «الحريريين»، من جيل الأب الى الابن، بمشروع استعداء طائفة بأكملها!
في اليومين الماضيين لم يقتنع «المستقبل» بما ساقه ميشال عون من تبريرات بشأن ما رفع من شعارات نافرة في قلب تظاهرة تدعو لاستعادة الحقوق المسيحية، فيما شكّلت قاعة مجلس الوزراء منصة انطلاق لـ «صواريخ» وزراء «المستقبل»، لم يتأخّر عون نفسه بالردّ عليها من خلال إشارته لاحقاً الى «الفجور السياسي» و «عدم الإيفاء بالالتزامات» وتوجيه رسالة قاسية الى وزير الداخلية نهاد المشنوق، الشخصية الأكثر قرباً واحتكاكاً مع الرابية، والتحذير من تسونامي قادم في حال لم يتمّ الأخذ بمطالب «التيار الوطني الحر».
اليوم باتت مسهّلات الوقوف بوجه عون متاحة أكثر بكثير من السابق. ثمّة في هذا الفريق من بات يقولها بصوت عالٍ. «بقدر ما يعطّل عون بقدر ما يمنح مشروعية لمواقفنا ورفضنا له. حزب الله تبنّى ترشيح ميشال عون في الوقت الإقليمي الضائع مسلّفاً إياه ورقة كان يستحيل صرفها بإجلاس الجنرال على كرسيّ الرئاسة. اليوم بدأ الحديث الجدي برئيس غير محسوب لا على 8 ولا 14 ويتمتع بمقبولية من الطرفين، في وقت لم يقل يوماً سعد الحريري لعون، في عزّ الحوار الثنائي بينهما، أنه يقبل به رئيساً. لكن مرحلة الوقت الضائع تشارف على نهايتها، والحزب ذاهب بالتأكيد نحو خيار رئاسي آخر. السؤال فقط هل من يجرّ عون لينهي نفسه ليس بالرئاسة فقط، بل بالسياسة؟».
يضيف هذا الفريق «هناك استحالة سنية وسياسية ووطنية بقبول مرشح المحور. في عزّ قوة حلفاء عون في مرحلة الدوحة لم يُنتخب رئيساً، فكيف اليوم؟ إنه سلوك اليائس الذي قد يدفعه لأن يخسر حتى ورقته كناخب أساس في رئاسة الجمهورية. كما سيخسر عون كثيراً في الشارع في لحظة مزاج ماروني ومسيحي غير متحمّس لهذا الخيار».
وعلى الهامش بعض المسلّمات التي يحرص فريق «تيار المستقبل» على تأكيدها في لحظة مواكبته لغضب عون في الشارع والحكومة: مبادرة اللواء عباس ابراهيم ولدت ميتة وبلا قلب. وليس ميشال عون مَن يفرض جدول أعمال تشريع الضرورة. هناك أولويات وقانون رفع سن التقاعد ليس من بينها. أما الميدان الوحيد المتاح للجنرال فهو الحكومة التي سيُجبر على الالتزام بجدول أعمالها قريباً كي لا «يأكله» ويأكل «شارعه».. شارع آخر جائع ينتظر رواتبه!
مع ملاحظة أساسية: عون لم يُخرِج سعد الحريري عن صمته إلا حين فاخر بدوره في التحرير العام 2005 قافزاً فوق «صدفة» استشهاد الرئيس رفيق الحريري. صحيح أن البيان، وفق أهل «المستقبل»، يدعو صراحة الى عدم فتح اشتباك مع عون على خلفية ما قاله، إلا أنه يقول ممّا هو أهمّ من ذلك: ردّ الحريري كافٍ على جواب انتظره «الجنرال» طويلاً ولم يأت..
وفيما برز حرص أكثرية الجالسين على طاولة مجلس الوزراء في جلسة يوم الخميس الماضي على تأمين الإخراج اللائق لمسلسل «خيبة التعيينات»، من خلال المشاركة في أدوار أوحت بالرغبة في إقرارها لكن نعمة التوافق لم تحلّ على الرؤوس، يرفض وزير العدل أشرف ريفي «المسرحية التي لم يكن هناك لزوم لها»، مؤكّداً «أنا ضد هذا الاستعراض المصطَنع داخل مجلس الوزراء. كان يجدر بمعارضي التعيينات أن يقولوها بصراحة: لا تعيين قبل انتخاب رئيس.. وماشيين بالتمديد».