كتبت صحيفة “السفير”: يمكن أن يصف المتابعون القضيّة الرقم 83 الموضوعة على جدول المحكمة العسكريّة، بأنّها من أهمّ الجلسات. وتكمن أهميتها بأنّ المدعى عليهم بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي ومهاجمة مراكز الجيش اللبناني وقتل عناصره تمهيداً لإعلان إمارة إسلاميّة في شمال لبنان مرتبطة بتنظيم “داعش” وحثّ جنود الجيش على الانشقاق، هم “رؤوس كبيرة” انتموا إلى “داعش” أو اقتربوا منها.
صحيح أنّ الجلسة لم تعقد لأسباب عدّة، أبرزها عدم توكيل بعض الموقوفين لوكلاء دفاع عنهم، وعدم سوق آخرين بالإضافة إلى إبلاغ المدعى عليهم الفارين من وجه العدالة لصقاً لأنّها الجلسة الأولى، إلا أن الكثير من “الأسماء الكبرى” وقفوا تحت قوس المحكمة أو في القفص خلف القضبان.
أبرز هؤلاء هو خالد حبلص، الذي لم تغيّره أحوال السجن. فحضر بعباءته البيضاء الناصعة وحذائه الأسود النظيف وكأنّه لم يمسّه الغبار. والشيخ ذو الطلّة البهيّة والملامح الجميلة التي يعود بعضها إلى عمليات التجميل التي خضع لها مؤخراً، أبى أن يأتي إلى جلسة استجوابه من دون أن يضع مثبت الشعر على شعره الأسود الذي لم يكسه الشيب بعكس لحيته التي عاد ليرخيها بعد إلقاء القبض عليه.
ولم تغيّر مزحة رئيس المحكمة العسكريّة العميد الركن الطيّار خليل ابراهيم من تعابير قائد “مجموعة بحنين”. طلب ابراهيم ممازحاً صورة قديمة لحبلص، فردّ الأخير ضاحكاً: “بكرا بجبلك صور لتشوف الفرق (بعد خضوعه لعمليات التجميل)”.
لم يتوقّف حبلص طوال الجلسة عن تمتمة الأذكار بصوتٍ منخفض. قطعها ليجيب عن سؤال المحكمة مؤكداً أنّ اسمه ليس خالد حبلص وإنما هذا هو اللقب المعروف به، أما اسمه الحقيقي فهو خالد مصطفى محمّد.
وبعكس حبلص، وقف أحمد سليم ميقاتي وآثار التعب بادية على وجهه. وقف وسط إجراءات أمنيّة مشدّدة تحت قوس المحكمة بجينزه الأزرق وكنزته المقلّمة بالأسود والأحمر وحذائه الأسود. تغيّرت ملامح “أبو الهدى” بعدما خسر القليل من وزنه وخفّف شعره وقصّ لحيته الكثّة التي كانت تصل حتّى صدره. الموقوف يقول إنّ العناصر الأمنيّة في سجن الريحانيّة هم من حلقوا لحيته.
لم يرضَ ميقاتي أن يخرج من قاعة المحكمة إلا بعد أن يشكو همومه للعميد ابراهيم. رفع يده وقال لهيئة المحكمة: “انظروا إلى يدي فما زالت آثار الإبر على جسدي، لأنني أتلقى علاجات دائمة بسبب وضعي الصحي، وأنا لا أملك المال لذلك”.
كان لدى “أبو الهدى” الكثير من الشكاوى، إلا أنّ خلاصتها أن الإرهابي ذا التاريخ الحافل من أحداث الضنيّة إلى أحداث طرابلس وما بينهما، يريد أن ينتقل من الريحانية إلى سجن رومية إلى جانب ابنه عمر الموقوف هناك.
قال الموقوف بصوتٍ أجش: “أنا أضربت عن الطّعام وسأعاود الإضراب عن الطعام، فظروف السجن في الريحانيّة غير مقبولة هناك لا هواء طبيعياً ولا شمس ولا نظافة، أنا أبقى في سريري لأنني مريض، بالإضافة إلى أنّ العناصر الأمنيّة قاموا بتصفيد يديّ وحبسي انفرادياً ثمّ قاموا بحلق لحيتي”.
وبكلّ ما أوتي من قوّة حاول الرجل أن يستعطف هيئة المحكمة، قائلاً: “هل تريدون قتلي على البطيء؟ هل يجوز هذا العقاب؟ أنا في الريحانية أموت على البطيء”، متوجّهاً إلى العميد ابراهيم: “أنا موقوف ومتّهم وبالتالي أنت لكَ عندي ولكنّ ليس لكَ على زوجتي وأولادي الذين يزورونني هناك ثم يزورون ابني عمر في رومية، فما ذنبهم في ذلك وأنا ليس لديّ المال؟”.
وتدخّل ابراهيم ليؤكّد “أننا بالطبع لا نقبل بذلك، ولكن أمر البتّ بنقلك هو لدى النيابة العامة”. وهنا أكّد ممثل النيابة العامة القاضي كمال نصّار “أننا لا نقبل بذلك، وعليك أن تكلّف محاميك بتقديم طلب نقلك لندرسه”. وكان ميقاتي جاهزاً للردّ: “لقد كلّفت محامياً الاثنين الماضي، وسابقاً قدّمت طلب نقلي ولكنّه لم يغيّر شيئاً.. وأنا بصدد الإضراب عن الطّعام مجدداً”
.. وعمر ميقاتي يضرب عن الطعام
وليس “أبو الهدى” وحيداً في استراتيجيّة الإضراب عن الطّعام، بل سبقه في الكلام ابنه عمر ميقاتي (مواليد 1996)، الذي أيضاً يريد انتهاج الأسلوب نفسه حتى يتمّ نقل والده إلى سجن رومية. وقد بدا أنّ الأمر منسّق مسبقاً بين الرجل وابنه، إذ لدى سؤال “أبو هريرة” عن محاميه، أجاب بأنه يريد الإضراب عن الطّعام ثم نظر إلى والده الذي تدخّل ليشكو أمره للمحكمة، بالإضافة إلى إشارته الى أنّه لا يملك المال للتكليف.
وسبق لوالده أحمد أن أكّد أنّه لا يملك المال لتوكيل محامٍ عنه، ما دفع بهيئة المحكمة إلى الطلب من نقابة المحامين توكيل محامٍ عنه كمعونة قضائية. وهذا ما حصل فعلاً، وقد توكّلت عنه ممثلة النقابة في المحكمة العسكرية المحامية فاديا شديد وحضرت أكثر من جلسة قبل أن يقوم ميقاتي الأب منذ أسبوع بتوكيل محامٍ جديد عنه هو عدنان بكراكي.
وما قاله الميقاتيان بشأن عدم امتلاكهما المال لتوكيل محام، قاله أيضاً بلال ميقاتي الذي يبدو أصغر من سنّه الحقيقية وبالكاد بلغ الـ16 عاماً، بالرغم من لحية صغيرة نبتت تحت فمه. كان يوزّع ابتسامته على الموجودين كما لو أنّه ليس المتّهم الرئيسي بقتل عدد من الأشخاص ومن بينهم العسكري الشهيد علي السيّد بأمر من “داعش”.
الرقيب المنشق: لا أريد محامياً!
وبالإضافة إلى هؤلاء، فإن الرقيب أوّل المنشقّ عن الجيش عبد المنعم محمود خالد مرّ أيضاً من هنا. العسكري الذي بقي وراء القضبان، اقترب شعره من جبينه ولحيته المرخيّة تشي بانتمائه.
بقوّة وانفعال رفض ابن عكّار توكيل محامٍ، وهو الذي أعلن انشقاقه عن الجيش وانضمامه إلى “داعش” في تشرين الأوّل الماضي قبل أن يُلقى القبض عليه في نيسان الماضي. كما أنه لا يريد محامياً من المعونة القضائيّة. وباستخفاف أضاف: “لا داعي أصلاً لوجود محامٍ.. بعدين منبقى منشوف”! فردّ عليه العميد ابراهيم: “أنت تبدو لا تريد أن تحاكم”، قبل أن يشير إلى موافقته بإرسال كتابٍ إلى نقابة المحامين لتوكيل محامٍ عنه، كالموقوف في القضية نفسها غسّان صليبي.
وفي الجلسة نفسها، حضر أيضاً ابراهيم خالد بركات الذي يعرف بأنّه أمير “داعش” في التبانة ومسؤول عن تجنيد عناصر لمصلحة “الدولة الإسلاميّة”، والذي قُبض عليه في باب الرمل في آذار الماضي. وقف ابن الـ29 عاماً خلف القضبان بلحيته القصيرة التي غزاها الشيب باكراً، وإلى جانبه العديد من “إخوته في الإسلام” المنتمين إلى “داعش”.
فيما كان أبرز الغائبين هو عبد الرحمن ظهير بازرباشي الذي لم يتمّ سوقه لأسباب مجهولة، وهو ابن الـ18 عاماً الذي يعرف بـ “حفيد البغدادي” وكان مكلفاً بالعديد من المهمات من قبل “داعش” ومنها مهمّات إعلاميّة.
فيما نودي على شادي المولوي لكنّه لم يأتِ، تماماً كالفار من وجه العدالة طارق محمود الخياط، المسؤول الشرعي لـ “داعش” في الشمال والملقّب بـ “أبو عبدالله الأردني”، بالإضافة إلى أسامة منصور الذي لم تصل وثيقة وفاته إلى “العسكريّة” بعد.
مخدرات رومية
وفي “العسكريّة” أيضاً، أرجئت جلسة تهريب المخدرات إلى سجن رومية إلى 25 كانون الثاني 2016 للمرافعة، بسبب تغيّب المدعى عليه الأساسي في القضيّة العقيد السابق غسان م. وإرساله تقريراً طبياً.
وقد اعترض أحد المتهمين بالقضيّة السجين حسين المولى الذي سأل عن “سبب إخلاء سبيل المتهم الرئيسي بالملفّ وتركنا نحن موقوفين في الملفّ نفسه”، متهماً المحكمة العسكريّة بأنّها “غير عادلة”، قبل أن يعود ويعتذر من هيئة المحكمة عن هذا الكلام.
وقد تدخّل العميد ابراهيم ليشير إلى أنّ العميد والنقيب المتهمين في هذه القضية قد نالا عقابهما بطرهما من السّلك بعد خدمة تعدّت الـ22 عاماً (للعميد) وهذا يفوق بكثير عقوبة الآخرين، خصوصاً أن المولى يلاحق بأكثر من قضيّة مخدرات، مضيفاً: “لقد أخليت سبيل العميد لأسباب إنسانيّة لأن والده ينازع وعلى شفير الموت. ولذلك لا يزايدن أحد على قرار المحكمة”.
كما تمّ إرجاء محاكمة الموقوفين بقضيّة السيارة المفخخة التي ضبطت في الناعمة إلى 28 أيلول للمرافعة، بسبب تغيّب وكيلة دفاع الموقوفين المحامية ريما نصر. يذكر أنّه التغيب الثاني لنصر عن جلسات المرافعة.