Site icon IMLebanon

عن “مظلومية” الطوائف…في “أرض التهميش”

 

 

 

 

دنيز عطاالله حداد في صحيفة “السفير”:

قبل يومين، قرعت أجراس عدد كبير من الكنائس في اوروبا دعما لمسيحيي الشرق واستنكارا لاضطهادهم. قبلها لم يوفر البابا فرنسيس مناسبة الا وذكّر فيها بما يتعرض له المسيحيون من «تعذيب واضطهادات»، مستخدما تعابير تدرجت من «الوحشية» الى «الحرب العالمية الثالثة» وصولا الى «الابادة».

في لغة الارقام يبدو الواقع مخيفا. تسعون في المئة من مسيحيي العراق تهجروا قسرا أو طوعاً. اصبحوا اليوم نحو 400 ألف في مقابل أكثر من أربعة ملايين عام 1987. في سوريا يتواصل التهجير والهجرة ويقال أن من تركوا بلادهم ما بين 300 و325 ألف مسيحي سوري. سبق مسيحيو لبنان هؤلاء واولئك، الى دول الاغتراب والهجرة. قبلهم فعل مسيحيو فلسطين الامر نفسه.

تشابهت الاسباب وتقاربت الحكايات في كل تلك الدول. أما البحث في الخلفيات الفردية والاجتماعية والسيكولوجية والمفاهيم الوطنية وسواها، فشأن كثرت فيه التحليلات وتعددت حوله الآراء. ومع ذلك تقاطعت جميعها عند معضلة «الاقليات» في هذا الشرق، والشعور المضمر بالاستهداف.

لكن ماذا لو كان السُنّة يتشاركون الاحساس «الاقلوي» ويشعرون بالاستهداف؟ اليس في ذلك ما يدعو الى التوقف عنده والبحث عما هو أبعد مما يطفو على سطح الامور؟

في تسجيل صوتي تم التداول به على مواقع التواصل الاجتماعي نداء من أحمد الاسير يدعو فيه لـ « نصرة أهل السنة في لبنان».

صحيح أن غالبية القوى السياسية السنّية غسلت يديها من دم الاسير، بطريقة أو بأخرى. لكنها بغالبيتها ايضا، لم تتنصل من بعض مضامين طروحاته، وفي مقدمها «استهداف أهل السنة». هذا «الاستهداف» دخل في أدبيات الطائفة وصار مثار نقاش وقارب المسلمات، خصوصا مع وضعه في التداول منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005. ولم يكن موقفا عابرا كلام الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز سنة 2012 ، الذي ابدى فيه قلقه العلني من «استهداف احدى الطوائف الرئيسية التي يتكوّن منها النسيج اللبناني».

ليست الشكوى المتواصلة، لتيارات سياسية اسلامية، من التهميش والاستهداف غيمة صيف. في ذلك شيء يقيم ويترسخ. فمن المسؤول؟ من يُقزّم «أمة» الى طائفة مستهدفة؟ كيف يمكن لاكثرية في هذا الشرق أن تنتهج سلوكا أقلويا؟ هل تستقيم حياة سياسية في بلد كلبنان تشعر كل طائفة فيه، بما فيها الطائفة السنية، أنها مستهدفة ومستضعفة؟

يتوقف أحد السياسيين المستقلين عند «برودة فريق من اللبنانيين لتوقيف الاسير. صحيح أن ما طفا على السطح لم يكن كبيرا، لكن في بعض الاوساط السنيّة تحديدا، احساسا عميقا بالتمييز على اساس صيف وشتاء فوق سقف واحد. لا يصلح هنا اعتماد سياسة النعامة. نعم الاسير ارهابي قاتل وقتل الجيش اللبناني. لكنه حين اطلاق حركته كان يتأرجح بين الشعبوية والاستعراض، ومع ذلك وقع بعض خطابه على ارض خصبة. لماذا؟».

برأي السياسي نفسه ان «تراكم الفواجع، والتهميش المتواصل لمناطق سنية وغياب الانماء المتوازن، اضافة الى قضية الموقوفين الاسلاميين المعلّقة، كلها ساهمت في ادخال تعبير المظلومية السنية الى ادبيات هذه الطائفة». لذا يشدد السياسي على «وجوب وقف هذا المسار الانحداري للطائفة السنيّة اليوم. اولا لانه غير دقيق ولا يعكس واقع الحال من جهة، وثانيا لأن فيه منزلقات خطيرة سبق واختبرها لبنان مع طوائف اخرى شعرت بالظلم والاستهداف، فانتقلت الى الاستقواء وبعده كان الانهيار الكبير».

ربما يفترض بالمسؤولين السياسيين اليوم اعادة الاعتبار الى اعتدال السنة وانفتاحهم وشعورهم بأنهم اهل هذه الارض والديار وشركاء مؤثرون في تقرير مصيرها. لأن اي شعور بالتهميش والاستهداف يستولد حكما شعورا نقيضا بمحاولة الاستقواء والاستئثار، وكلاهما حدّا مغامرة لا يحتمل البلد أن يخوضها السنة تحديدا.