IMLebanon

الاستثمارات الأجنبية حذرة من التدفق إلى إيران

Tehran

فرح الزمان شوقي

انتظرت طهران سنوات عدة لتتوصل لاتفاقها النووي مع الغرب، لتكون قادرة على النهوض باقتصادها وإنعاشه بعد أن كبدته العقوبات ثمناً غالياً. وتتحدث البلاد بالدرجة الأولى عن رغبة حقيقية في تطوير الاستثمار المحلي والخارجي. ولكن هذه الآمال تعترضها عقبات يرتبط بعضها أساساً بعوامل داخل إيران، وأخرى خارجية. ويرى غالبية الخبراء الإيرانيين في مجال الاقتصاد والاستثمار، وجود خلل في قانون الاستثمار الأجنبي، وهو الأمر الذي ربما ينعكس سلباً على هذه الخطط بشكل أو بآخر. وفي حلقة نقاش عقدها أخيراً عدد من الباحثين والمسؤولين الإيرانيين حول هذه المحددات، أجمع الحاضرون على أنه لا يوجد لدى النظام الاقتصادي في إيران أرضية حقيقية وعملية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية، فضلاً عن عدم وجود آلية واضحة لتحقيق هذا المبتغى. كما ذكروا أن دخول القطاع الحكومي العام في غالبية المشاريع، والحاجة لأخذ التراخيص الرسمية، كلها أمور قد تؤخر الحلم الإيراني. وبناء على هذه الحلقة تم تشكيل مجموعة خاصة في وزارة الاقتصاد والبنك المركزي الإيراني، للتعرف على هذه المحددات عن قرب ومحاولة إيجاد حلول لها، وهو ما يجري العمل عليه في الوقت الراهن. وفي هذا الصدد، قالت نائبة رئيس لجنة النقل الوطني، فاطمة مقيمي، خلال كلمتها في هذا الاجتماع، إن لدى إيران ثروات وامتيازات هامة، بل واعتبرت أن لدى البلاد الأرضية اللازمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما بعد التوصل للاتفاق النووي مع الغرب، والذي ألغى العقوبات المالية والاقتصادية عن البلاد، وهي أول العقبات التي اعترضت الاستثمار سابقا حسب رأيها. وأضافت أن الاستثمار ممكن وقابل للتطبيق، لكنه يحتاج إلى وقت لمنح المستثمرين الطمأنينة اللازمة، إلا أنها ركزت على مسألة نقل وانتقال رؤوس الأموال، وضمانة عودتها أو استلام فوائدها من قبل المستثمر.

وقالت مقيمي “عدم وجود آلية للاستثمار، تبدو مسألة محلولة بالنسبة للمستثمر المحلي، لكنها مشكلة حقيقية للمستثمر الأجنبي، وهي إحدى النقاط التي يتوجب إيجاد حلول لها، ولا سيما إذا رفعت عقوبات استخدام السويفت الدولي والحوالات المالية الإيرانية”. أما رئيس غرفة التسويق والصناعة والمعادن الإيرانية، مسعود خوانساري، فيعتبر أن سوق الاستثمار في إيران محكومة بالبيروقراطية، وبالقانون الحكومي الذي يفرض رقابة ونظاماً معينين على العديد من جوانب الاقتصاد والاستثمار نفسه. وأضاف خلال كلمته في هذا الاجتماع إن عدم وجود قانون ينظم آلية صك العقود مع المستثمرين الأجانب في عدد من القطاعات، سيؤخر تطوير الاستثمار في قطاعات كثيرة في البلاد، بينما سيتم استئناف الاستثمار المتعلق بتبادل البضائع وحسب خلال الفترة المقبلة.

أما بالنسبة للرئيس السابق للمجمع المالي والمصرفي، وممثل إيران الحالي في البنك الدولي، فرهاد نيلي، فإن المشكلة لا تتعلق بعدم وجود قوانين أو بنود واضحة في قانون الاستثمار الأجنبي وحسب، وإنما تتعلق بعدم امتلاك المستثمرين الأجانب المعلومات الكافية حول آلية الاستثمار في إيران وسبله وقطاعاته. وفي حوار مع موقع “شهروند”، قال نيلي إن عدم وجود قوانين جاهزة حول الاستثمار الأجنبي، والمشكلات المتعلقة بالنظام المالي والنقدي والمصرفي، وعدم قدرة فتح حساب خاص بالاستثمار للأجانب، على سبيل المثال، كلها أمور يجب تداركها سريعاً. ورغم آراء هؤلاء المسؤولين والخبراء الاقتصاديين، إلا أن مسؤولين آخرين يعتبرون أن لدى إيران مميزات ستمكنها من فتح مشاريع استثمارية مع الأجانب في المستقبل القريب، وقد ذكر المدير المسؤول عن شركة إيداع الأوراق المالية، حامد سلطاني نجاد، أن إيران تقدم حالياً التسهيلات اللازمة من خلال توفير شراء الأسهم، معتبرًا أن ارتفاع حجم الاستثمار في السوق الإيرانية سيكون كفيلاً بحل مسائل اقتصادية أخرى، كما سيزيد من معدل النقد في السوق. وقال نجاد: “يوجد قانون يتعلق بالاستثمار الأجنبي تمت صياغته بالفعل في عام 2010″، إلا أنه أكد أن هذا القانون بعيد عن بعض المعايير الفنية المتداولة في السوق العالمية، وهو ما يجعل العملية أبطأ من المتوقع، معتبراً أن ارتفاع نسبة التضخم الاقتصادي بشكل مضطرد، خلال سنوات العقوبات، فضلاً عن الحظر المالي، لم يسمحا أصلاً بتطبيق هذا القانون. ورغم أن غالبية الإيرانيين يدركون المشكلات، التي ستعترض حلم جذب الاستثمارات لمختلف القطاعات الإيرانية، إلا أن الخبير الاقتصادي، سعيد ليلاز، قال في محاضرة عن الأبعاد المالية والاقتصادية لسوق الاستثمار عقدت أخيراً في العاصمة طهران، إن أمام الاقتصاد الإيراني فرصة للتنفس والانتعاش بعد عشر سنوات تقريباً من التشدد، لكنه أكد على وجود عوامل أخرى غير تلك التي تتعلق بقانون الاستثمار.

من هذه العوامل ما هو اجتماعي، حيث اعتبر أن اتساع الفجوة في المجتمع ووجود فروقات طبقية شاسعة قد تقف عائقاً بوجه الاستفادة من القدرات الإيرانية في سوق الاستثمار أولا، أما العامل الثاني فهو يتعلق بالظروف الإقليمية غير المستقرة وبالمستثمر الأجنبي. أما العامل الثالث فيتعلق بأن سوق الاستثمار الإيرانية ما زالت صغيرة . ورغم التوقعات بارتفاع مشاريع الاستثمار في سوق النفط الإيراني على وجه الخصوص، إلا أن مراقبين يتوقعون كذلك عدم حصول ذلك قبل شهور عدة، والتأكد من إلغاء الحظر بشكل فعلي . في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي، علي بهبود، لـ”لعربي الجديد”، إن إيران تعمل على تطوير الاستثمار منذ سنوات عديدة، وقد أنشأت الحكومة بالفعل مؤسسة للإشراف على الاستثمار بشكل خاص قبل سنوات، بل وصاغت قانوناً يتعلق بالاستثمار الأجنبي، لكنه اعتبر أن البلاد تحتاج حاليا لسياسة اقتصادية دقيقة للتعامل الصحيح مع الخارج. واعتبر بهبود أن قطاع النفط والسيارات سيشهدان نهضة في البداية، كون عين المستثمرين عليهما، حسب رأيه، فسيكونان أرضية للانطلاق نحو مشاريع استثمارية أكبر حسب رأيه، لكن هذا يعني أن غالبية هذه الاستثمارات ستعود بفوائدها على القطاع العام. ودعا بالتالي إلى التنبه للفجوة بين القطاع العام والخاص الذي سيكون بوصلة للمستثمرين الأجانب، كما دعا لتوضيح القانون المتعلق بالاستثمار، وتحديد آلية توقيع العقود، والأهم هو محاربة الفساد المالي.