Site icon IMLebanon

السلفة الموعودة وصلت… فهل تنقذ مستشفى بيروت الحكومي؟

RaficHaririHospital2
هديل فرفور

في الحادي عشر من شهر حزيران الماضي، نُشر في الجريدة الرسمية مرسوم حمل الرقم 2132، يقضي باعطاء مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي سلفة خزينة بقيمة عشرة مليارات ليرة لبنانية. استغرق «وصول» السلفة الى ادارة المستشفى أكثر من شهرين لاسباب مجهولة. خلال هذه الفترة، بقي مدير المستشفى الدكتور فراس الأبيض ممتنعا عن الحديث الى الإعلام، «حتى وصول السلفة والقيام بخطوات اصلاحية عملية»، وفق ما صرّح به.

وعلى الرغم من أن هناك جوّا «إصلاحيا» كان قد أُثير عند تسلم الابيض الادارة في نيسان الماضي، وخصوصا بعد تأكيد وزير الصحة العامة وائل ابو فاعور ان «اصلاح المستشفى سيبدأ مع استقالة المدير السابق فيصل شاتيلا»، إلا أن خلفية «عدم محاسبة المخالفين السابقين» التي يتمتع بها الابيض تطرح تساؤلا عن جديته في «النهوض» بالمستشفى، انطلاقا من ان الاصلاح يبدأ بمحاسبة ومساءلة الموظفين الاداريين، والتحقيق في ملفات الصفقات والفساد المتعاقبة على مر سنوات.
الفساد الذي يُشار اليه عند الحديث عن أزمات المستشفى المتكررة يعود الى عوامل «متجذرة» في ادارة المستشفى.

ابتكار الوظائف

تعزو بعض المصادر المطلعة سبب «إنهيار» المستشفى الرئيسي الى «التنفيعات التي حصلت على مستوى تعيينات الوظائف من الدرجة الثانية منذ افتتاح المستشفى عام 2004». تقول المصادرنفسها، إن تولي بعض الموظفين «النافذين»، مراكز الإدارات الرئيسية هو الذي أدى الى «تآكل» المستشفى نتيجة «الصفقات الكثيرة التي تحصل داخل هذه الدوائر».
أهم الدوائر الاساسية في المستشفى التي تعدّ أرضا «خصبة» للكثير من الصفقات تتمثّل بمصلحتي الشؤون المالية والإدارية ومصلحة الموارد والمشتريات الذي كلّف الابيض نفسه مسؤولية توليها بعد استقالة محمد الكردي نتيجة الضغط الذي مارسه اعضاء مجلس الإدارة المسيحيون، الذين رأوا ان هذا الموقع «للمسيحيين». حينها، جرت تسوية إقصاء الكردي مقابل التعاقد معه كاستشاري في أمور المشتريات براتب رئيس المصلحة نفسه (حوالى 4 ملايين) وهو ما يعّد هدرا كبيرا لموازنة المستشفى الواقع في العجز. اللافت ان الوظيفة التي يتولاها الكردي غير محددة في المرسوم الذي ينظم العمل في المستشفى. وهي ليست الوظيفة «المبتكرة» الوحيدة، إذ جرى في عهد شاتيلا استحداث وظيفة بمسمى «رئيس دائرة نصرة المريض»، حدّدت على مقاس مشرفة الاستقبال (حيازة شهادة بكالوريا فقط) ليجري ترفيعها اليها.
ثمة «نماذج» أخرى سائدة في المستشفى تفرض تحديا امام الابيض لالغائها وتخفيف العجز الذي تساهم فيه، فالنقاش هنا يدور حول الهدر الحاصل على مستوى التعيينات، نتيجة التسويات والتنفيعات التي من شأنها ان تمثل عبئا على موازنة المستشفى (مضاعفة الاعتمادات).
ويُذكر في هذا الصدد، ابتكار صيغة «المياومة»، التي لم ترد في أي من الأنظمة المرعية الإجراء في المستشفى، والتي ادت الى ادخال حوالى 600 موظف من دون إخضاعهم لمباراة مجلس الخدمة المدنية، بل اتوا في سياق شراء الولاءات السياسية، واستؤجرت خدماتهم دون الاستناد إلى أي معيار لجهة الخبرة والشهادات، وبأجور متفاوتة ما أدّى الى تفاقم العجز.

غياب البيانات المالية وبدلات وهمية!

بالعودة الى مصلحة الشؤون المالية والادارية، المفارقة تكمن في غياب البيانات المالية الدقيقة المتعلّقة بالوضع المالي للمستشفى. عندما طلب ابو فاعور الاطلاع على البيانات المالية، أُخبر أن البيانات المالية غير جاهزة، ما دفع الابيض الى «تسخير» نحو 12 محاسبا لمساعدة رئيسة المصلحة على انجاز مهماتها. يقول مصدر مطلع في المستشفى إن مصلحة الشؤون «أغفلت في بياناتها إبراز الأصول المتمثلة بالأبنية والتجهيزات والمعدات المتخصصة والأثاث والمفروشات، التي جهز بها مجلس الإنماء والإعمار المستشفى، والبالغة قيمتها نحو 135 مليون دولار، ضمن أصوله الثابتة.

ما رتّب تخفيفاً كبيراً ووهمياً للعجز، من خلال عدم تسجيل أعباء استهلاك هذه الأصول في سجلات المستشفى المحاسبية، وما أدى إلى انعدام القدرة على مسك محاسبة تكاليف حقيقية، تبيّن نتائج الخدمات والأقسام، كما أدى عدم مسك محاسبة مواد بالتجهيزات والمعدات المتخصصة والأثاث والمفروشات الى الحؤول دون جردها وتحديد ما بقي منها في المستشفى».
الا ان المفارقة الكبرى تكمن في أن رئيسة المصلحة تقاضت خلال فترة اربعة أعوام ما يزيد على الـ110 ملايين ليرة لبنانية، كبدلات لأعمال اضافية وهمية، إذ تؤكد المصادر أن البدلات «كانت تدفع بالاستناد إلى جداول حضور مفبركة يجري فيها الإكثار من الحضور أيام الآحاد ليدفع مقابل كل ساعة حضور خلال هذه الأيام بدل ساعتين، وذلك بمخالفة واضحة لما ينص عليه نظام المستخدمين، الذي يقضي بدفع بدل ساعة ونصف ساعة، مقابل كل ساعة حضور إضافية خلال أيام الآحاد»، لافتة الى أن «الدليل القاطع على فبركة جداول الحضور أنها تقاضت بدلات عن أعمال إضافية خلال أشهر أيار وحزيران وتموز 2009 مبلغاً إجمالياً وصل إلى تسعة ملايين ليرة لبنانية فيما لم تعمل فعلياً إلا عشرين يوماً فقط، إذ كانت في إجازة أمومة خلال الفترة الممتدة من 23/05/2009 إلى 21/07/2009.

غياب إدارة السيولة

تمثّل هذه السلفة، تحدياً أيضاً لإدارة أبيض، كي لا تلحق «سلفها»، إذ غابت الادارة المنطقية والعلمية لادارة السيولة على مر سنوات من دون مراعاة أولويات التشغيل.
يذكر هنا مثلاً أنّه في ظل أزمة السيولة التي كانت تعانيها المؤسسة في شهر حزيران 2011 جرى تحرير شيكات بقيمةٍ إجمالية تجاوزت المليار ونصف المليار ليرة لبنانية للمورّد Dima Health Care، أي بما يعادل ثلاثة أرباع السقف المالي الشهري الذي حدّدته وزارة الصحة العامة للمستشفى في ذلك الحين. كما جرى تسليم شركة Desert Petroleum خلال فترة وجيزة انتهت في 31/03/2014 شيكات تتجاوز قيمتها الإجمالية خمسة مليارات ليرة لبنانية، فضلا عن هدر أموال المستشفى في مشاريع غير مدروسة على نحو جدي، كاستئجار معدّات لتحسين المستوى الرديء لتكييف المستشفى خلال عام 2011 ، دون أن تؤدي هذه المعدات الغاية التي استؤجرت لأجلها. تؤكد مصادر معنية بالملف أن الوضع المالي المأزوم للمستشفى سيجعل من الصعب اعادة تشغيله، نظرا الى «حجم الديون المتراكمة وتقلّص الايرادات التي لا تغطي رواتب العاملين فيه»، لافتة الى ضرورة اعتماد سياسة اصلاحية شاملة، تبتعد عن سياسة الحل الجزئي، الذي يتعاطى مع الازمات بطريقة سطحية.

وترد المصادر نفسها أسباب العجز الحاصل الى بداية تشغيل المستشفى (منذ عام 2006)، «حيث فُتح المستشفى على نحو فوضوي بمعزل عن الانظمة والقوانين التي من المفترض ان ترعى المستشفى»، «كحصر الجهة الضامنة بوزارة الصحة العامة، وعقد صفقات صيانة ضخمة ومخالفة للقوانين لا تتلاءم وحجم أعمال المستشفى». هذه الفوضى باتت عرفا «متوارثا» بين الإدارات المتعاقبة، التي تغاضت عن مخالفات جمة شابتها صفقات أعدّتها مصلحة المشتريات لشراء العديد من المستلزمات والمعدات الطبية. كذلك، جرى إبقاء «تلزيم خدمات الأمن والتنظيفات وصيانة الحدائق لمتعهدين خارجيين بدلاً من إلغاء كلفة الوسطاء من خلال التعيين استناداً إلى مباريات يمكن أن يجريها مجلس الخدمة المدنية». وبالتالي ينتظر الابيض استحقاقٌ جديّ ليثبت ان الاصلاح لا يقوم الا بفتح ملفات الفساد القديمة، وأن الجرأة تكمن في مواجهة الموظفين «النافذين».

أمثلة عن المخالفات

منذ فترة، أثيرت فضيحة سرقة المازوت في المستشفى، الا ان هذه الفضيحة هي وليدة سياسة «منتهجة» في الادارة مخالفة لأحكام الانظمة المالية الخاصة بصفقات اللوازم والخدمات، وتتمثل بتعديل شروط المناقصات بعد التلزيم. تذكر هنا موافقة الإدارة على التعديل الذي اقترحه رئيس مصلحة المشتريات على شروط مناقصة «توريد المازوت»عام 2008 بعد تلزيم توريد هذه المادة لشركة Desert Petroleum، فقد جرى استبدال شرط تركيب حسّاسات لخزانات المازوت من قبل الملتزم بشرط تركيب عدّادات. كذلك الإفراج لمصلحة بعض الملتزمين عن كفالات حسن التنفيذ قبل أن يفوا بالتزاماتهم. أحد الامثلة على هذا التجاوز، دفع الكفالة النّهائيّة لمصلحة Desert Petroleum عام 2010 قبل أن تقوم الشركة بتركيب العدّادات التي قضى بتركيبها دفتر الشروط المعدّل. الا ان المخالفة «الابرز» التي باتت عرفا، تكمن في تأليف لجان المناقصات خلافاً للأصول المحدّدة في نظام المؤسسة المالي، إذ إن جميع اللجان التي أُلفت لإجراء مناقصات الّلوازم والتجهيزات الطبية ضمّت في عضويتها رئيس دائرة الهندسة الطّبية، إلى جانب ممثل مصلحة إدارة المواد والمشتريات، وذلك في مخالفة واضحة لأحكام النظام المالي في هذا الشأن.