رنا سعرتي
3 مشاريع حيوية يحضّر لها البنك الدولي عبر دراسات خاصة، لحلّ أزمة السير في لبنان من خلال تفعيل النقل العام وتحديثه. لكنّ السرعة في التنفيذ تبقى رهنَ الجمود الإداري والشلل المؤسساتي نتيجة الخلافات السياسية في لبنان.
بلغت مستوياتُ زحمة السير في لبنان نتيجة الكثافة السكانية، حدوداً قصوى لم تعد مساحة البلد الصغير تتحمّلها. كانت المقاربة في الماضي لمعالجة هذه الأزمة وحلّ بعض الاختناقات في السير، ترتكز فقط على إنشاء طرق وجسور جديدة.
ولكنّ خبيرَ المواصلات والنقل في البنك الدولي زياد النكت اعتبر أنّ هذه الحلول لم تعد تُجدي نفعاً اليوم، لأسباب عدّة منها كلفة تأهيل البنى التحتية وصعوبة الاستملاكات.
وقال لـ«الجمهورية» إنه وفقاً للخبرة والتجارب الدَولية، لا تكفي حلولُ بناء الطرقات لحلّ أزمة السير في بلد يتمتع بكثافة سكانية وارتفاع في الطلب على التنقل.
وأشار النكت الى أنّ «كلّ دول العالم مثل أميركا، أوروبا، ودول الخليج، التي اعتمدت بناءَ الطرقات والجسور في أوائل مراحل تطوّرها في السبعينات، تلجأ مدنها اليوم الى تطوير النقل المشترَك».
ورأى النكت أنّ هناك وعياً متزايداً اليوم لدى اللبنانيين كمواطنين وسياسيين وفنّيين، في شأن «ضرورة وأهمية النقل العام للمساهمة في التخفيف من حدّة زحمة السير».
وهناك خيارات عدة في هذا الاطار، يعمل البنك الدَولي على تحضير الدراسات اللازمة لها:
أوّلاً: مشروع الباص السريع «Bus Rapid»، مقترح على المدى المتوسط، وهو عبارة عن باصات حديثة تسير على خطوط مخصصة لها، معزولة بحواجز عن الطرقات الرئيسة «highways»، وذلك منعاً لاستعمال هذه الخطوط كـ«خط عسكري» كما جرت العادة في لبنان.
تسير هذه الباصات بوتيرة مرتفعة، تصل في ساعات الذروة، الى معدل باص كلّ دقيقة أو 45 ثانية. وتكون محطاتها شبيهة بمحطات القطار أو الترامواي أو المترو، حيث يتمّ حجز التذكرة والدفع في المحطات.
واوضح النكت أنّ هذا المشروع سهل التنفيذ، يستغرق حوالى عامين، وكلفته غير مرتفعة، وقد تمّ تنفيذه في اسطنبول وطهران واميركا اللاتينية.
أضاف: بعد التشاور مع الفنّيين والمعنييّن في الدولة اللبنانية، ارتأينا أنّ هذا المشروع هو الحلّ المناسب، ويمكن أن يغطي مساحة كبيرة من الطرقات الرئيسة في لبنان. حيث تمّ اقتراح تنفيذه كمرحلة اولى وهي ذات أولوية، على الخط الساحلي من بيروت الى طبرجا ومن ثمّ الى جبيل وطرابلس.
وفي المرحلة الثانية، يتمّ تنفيذه على الخط الساحلي من بيروت الى صيدا، اضافة الى الخط الشرقي لاحقاً، لتغطية كافة مخارج بيروت. كما أنه من الممكن تنفيذه في بعض شوارع بيروت الواسعة، مثل الكورنيش البحري وكورنيش المزرعة، وغيرها.
وشرح النكت أنّ زحمة السير في لبنان ليست ناتجة دائماً عن ضيق الطرقات، بل عن عدد السيارات الكبير نسبة الى عدد السكان. كما لفت الى أنّ المحلات التجارية القائمة على الطرقات الواسعة هي سبب أيضاً لزحمة السير لأن التوقف عندها يبطئ حركة السير، «وهناك مشروع قيد الدراسة
لانشاء طريق مخصّص فقط لتلك المحلات «service road».
ثانيا: مشروع إعادة إحياء قطار بيروت – طرابلس وصولا الى الحدود السورية. وقد اوضح النكت انه تم تحضير دراسات في هذا الصدد، «ورأت الدولة اللبنانية انه مشروع للمدى الطويل لأن كلفته كبيرة ومدّة تنفيذه تستغرق وقتاً طويلا.
ثالثا: مشروع استحداث شبكة للباصات العادية، التي تتوقف بشكل منتظم وتوقيت محدد عند محطات ثابتة «Bus Stop». وهو مشروع قيد الدراسة لتنفيذه أولا في بيروت الكبرى، وخارجها لاحقا في كسروان وجبيل.
واكد النكت ان هذا المشروع لا يستوجب إلغاء عمل الباصات والفانات الموجودة حاليا، وإنما يكمّلها ويدخل معها في منافسة تحفّزها، إما على تحديث أسطولها او تغيير خطوط عملها.
وذكر ان هذه المشاريع الثلاثة سيتمّ تنفيذها عبر قروض ميسّرة على المدى الطويل او من قبل المانحين وليس بالضرورة من قبل البنك الدولي، لأنه ليس في مقدور مالية الدولة القيام بها.
واشار الى ان البنك الدولي سيقدم الخبرة والمواكبة الفنية لتحضير وتنفيذ هذه المشاريع، لأنها تتضمن تعقيدات. ولفت الى انه « من غير السهل ولكن ليس مستحيلا، تغيير عقلية اللبنانيين تجاه النقل العام.
وبالنسبة للجديّة في التعاطي مع هذه المشاريع من قبل الدولة اللبنانية، قال النكت ان دراساتٍ حول النقل العام قُدّمت في السابق من قبل جهات معيّنة، لكنها لم تكن معمّقة، ولم يتم التعامل معها بالزخم والجديّة المطلوبة.
واكد ان الدراسات اليوم تتضمن مستويات تفصيلية كبيرة، وتلاقي زخماً واهتماماً من قبل المعنييّن. لكنه لفت الى ان الجمود الاداري في مؤسسات الدولة يصعّب العمل.
تابع: ان مشروع الباص السريع قيد التحضير ويحتاج الى اكتمال الدراسات الفنية من قبل البنك الدولي ووزارة النقل ومجلس الانماء والاعمار، ومن ثم الى التفاوض مع الحكومة اللبنانية. بناء على ذلك، يتم رفع الملف الى رئاسة البنك الدولي للموافقة على مشروع القرض، ومن ثم يتجه الملف الى مجلس الوزراء ومجلس النواب لاقراره.
وذكر ان «هذا الاجراء يحتاج وفقا لتقديراتنا الى حوالي عام، من دون احتساب فترة مناقشته في مجلس الوزراء والنواب، او اي شلل حكومي قد يجمّد المشروع». كما اشار الى ان التأخير حاصل حاليا نتيجة غياب القرارات من قبل مجلس الوزراء في ما يتعلّق بدراسات مجلس الانماء والاعمار. في الختام، رجّح النكت الانتهاء من تنفيذ مشروع الباص السريع في لبنان في غضون 4 أعوام.