IMLebanon

“آلان”.. ينسحب

alain-aoun-2

قلّة قليلة كانت تعتقد أنّ المسعى التوافقي الذي قاده النائب ابراهيم كنعان بين جبران باسيل وألان عون، قد يثمر عن اتفاق شامل يُغني عن فتح صناديق الاقتراع في “التيار الوطني الحر” في استحقاقه الأول. معظم من وردته أخبار هذه المحاولة أو اطلع على تفاصيلها، ظنّ أنّها لزوم ما لا يلزم أو من باب حفظ الماء، أو على طريقة “أدينا قسطنا للعلى”.. ومن بعدها المعركة.

لا باسيل كان مقتنعاً بجدوى تقديم بعض التنازلات ليجلس والفريق الآخر كشركاء، لا رئيسا ومرؤوسين. ولا ألان عون ومَن معه تأملوا بالمسعى وجديته، على اعتبار أن المكتوب يُقرأ من عنوانه “الانقلابي” على النظام الداخلي في صيغته الأولى.. ومع ذلك استمرت المحاولة.

طبعاً، لم تكن المشكلة في الفذلكات اللغوية للاتفاق ولا في توليفاته، وانما في القرار.. وموازين القوى وحدها تحدد هذا القرار. هكذا لجأ الفريقان الى الأرض ليثبت كل منهما مدى قدرته على فرض نفسه كلاعب مؤثر وتالياً جذب المؤيدين، قبل “تقريش” النتيجة على طاولة المفاوضات.

في البداية، اعتقد “الباسيليون” أنّ مجرد تلميح الجنرال بأنّه يؤيد خيار جبران فهذا سيحسم المعركة باكراً ويدفع بالآخرين الى رفع رايات الاستسلام. وتبيّن مع الوقت أنّ الانتخابات ليست بنزهة مريحة وقد تكون تكاليفها المعنوية، على “التيار” قبل غيره، عالية، وأنه من الاستحالة وضع الباقين في الجيب.

بينما الفريق الآخر ظنّ أنّ الاحتكام الى مبادئ الديموقراطية واللجوء الى صناديق الاقتراع، لن يُفقد لوحدة المنزل البرتقالي قضية، وبأن الأكلاف مهما تعاظمت فلن تعرّض أساسات البيت للاهتزاز، ولن يطال العطب مكانة ميشال عون وصورته.. واذ بالمشهد يتغيّر كلياً.

هكذا صارت التسوية حاجة للجميع، ولـ “التيار” كحالة تنظيمية تمسّ وجدان شريحة كبيرة من المسيحيين من غير العونيين، قبل غيرهم، فتوالت اللقاءات بين الجنرال والنواب الأربعة: ألان عون، زياد اسود، ابراهيم كنعان وسيمون ابي رميا، وبين باسيل وكنعان، لتقريب وجهات النظر.

وبالفعل مالت الدفة لصالح الحبكة التوافقية نتيجة المشهد الآتي:

– صار “التيار” في دائرة الاستهداف، في وقت يخوض زعيمه واحدة من أشرس معاركه بوجه غالبية القوى السياسية التي تريد عن سابق اصرار كسر ميشال عون وكسر تنظيمه من خلال استغلال الاستحقاق لتعزيز الانقسامات والإيحاء بأنّ “التيار” يواجه معركة “طحن الذات”.

– الفرز الذي سببته الانتخابات في صفوف القواعد، مناطقياً، قطاعياً وحتى شخصياً، حيث بدا جلياً أنّ الاستمرار بنفس الوتيرة، لا بل تصاعدها مع اقتراب موعد فتح صناديق الاقتراع وحماوة المعركة، سيعمّق حكماً الفرز وستزيد التشققات التي سيصعب اعادة لحمها.

– حرص العماد ميشال عون، كما النواب والقيادات المصنّفة معارضة، على الحفاظ على وحدة التيار ومتانة مكوناته، من خلال القيام بعملية صهر للعونيين بواسطة ادارة حزبية لا تقوم على أساس الأغلبية المنتصرة والأقلية الخاسرة المبعدة، في مقابل رفض الجنرال التراجع عن قراره بإجراء الانتخابات في الموعد المحدد في 20 أيلول.

بناء عليه، بدا أنّ الاقتراب من التفاهم سهل. ووضع مشروع الاتفاق على أساس:

– تعديل النظام الداخلي، لا سيما في الشق المتصل بالقيادة الحزبية، وتحديداً المجلس السياسي والهيئة السياسية، بحيث صارت صلاحيات الأول الذي يجتمع شهرياً، ومكوّن من الرئيس ونواب الحزب ووزرائه وستة أعضاء منتخبين من المجلس الوطني وثلاثة معينين من الرئيس، على الشكل الآتي: يأخذ قراراته بالتوافق، وفي حال عدم التوافق حول المواضيع الوطنية الكبرى والاستثنائية يتمّ اللجوء الى التصويت.

أما الهيئة السياسية التي تضم الرئيس والنواب والوزراء وتجتمع أسبوعياً، فيتمّ التشاور والتوافق في ما بينها على أن يحيل الرئيس أي خلاف حول القضايا الوطنية الكبرى والاستثنائية الى المجلس السياسي لبتّه وفق الأصول.

– الاتفاق على أن يكون جبران باسيل هو الرئيس لقناعة الجنرال بأنّه الأكثر خبرة بين رفاقه.

– الاتفاق على سلّة تفاهمات داخلية تعزز منطق الشراكة والتضامن، والتدقيق في جداول الانتساب الى الحزب التي أثارت ريبة خلال الأيام الأخيرة بعدما تبيّن وجود شوائب تعتريها، منها على سبيل المثال وجود أكثر من سبعين منتسبا في جبل لبنان وحده، يدين بعضهم تقليدياً بالولاء الى حزب آخر.

– يقوم الجنرال بتسمية نائبَي الرئيس بما يعكس الجو التوافقي.

– تعزيز الكتلة النيابية مركزياً وانمائياً وادارياً وتفعيل حضورها وعملها.

– التحضير المشترك للانتخابات الحزبية.

وبعد مشاورات مكثفة شهدتها الساعات القليلة الماضية، بدا أنّ الاتفاق آخر الخيارات المتاحة والعقلانية التي استقطبت المعارضة، على الرغم من رفض بعض القيادات لها. هكذا فرضت المعركة التي أرادتها المعارضة “شريفة”، اتفاقاً، كان لا بدّ منه للولادة الثانية لـ “التيار الوطني الحر”.

وعلى هذا الأساس قد يدعو الجنرال خلال الساعات المقبلة الى لقاء حزبي موسع للنواب ومنسقي الأقضية لوضعهم في صورة التفاهم، قبل البدء بترجمته.. وبالتالي، قد تقتصر الترشيحات التي سيفتح بابها اليوم، على جبران باسيل والنائبين اللذين سيختارهما الجنرال.

ومن المفترض أن يعلن النائب ألان عون، اليوم، انسحابه من المعركة الانتخابية لرئاسة “التيار الوطني الحر”، وذلك بعد اجتماع يعقد في الرابية برئاسة العماد ميشال عون في إطار التسوية التي جرى الاتفاق عليها والتي تقضي بانتخاب وزير الخارجية جبران باسيل رئيساً لـ “التيار” بالتزكية.