دخلت الجزائر واقتصادها دائرة الخطر، والسبب استمرار تهاوي أسعار النفط الذي توفر إيراداته 60% من الموازنة العامة للدولة، كما يمثل النفط والغاز معاً 95% من صادرات البلاد.
ويزداد مأزق الدولة العربية النفطية مع عدم وجود مؤشرات تؤكد قرب تعافي أسعار النفط، أو أن الأسعار في طريقها حتى للاستقرار، بخاصة مع قرب دخول إيران سوق الإنتاج؛ وهو ما قد يغرق الأسواق الدولية بالنفط، بخاصة مع إصرار منظمة “أوبك” ودول أخرى منتجة للنفط خارج المنظمة على عدم خفض الإنتاج لتفادي التعرض لمزيد من استنزاف إيراداتها النفطية ودخول موازنتها في عجز مزمن.
وحسب الأرقام فإن الجزائر تخسر 50 مليون دولار يومياً، جراء تراجع أسعار النفط المستمر، ويرتفع رقم الخسائر مع استمرار تراجع الأسعار منذ منتصف العام الماضي وحتى الأن واتجاه السعر سريعاً نحو 40 دولاراً للبرميل الواحد، وهو إن حدث، سيشكل كارثة حقيقية للدول النفطية بخاصة دول الخليج وروسيا والجزائر وفنزويلا والعراق وغيرها.
وترتب على هذا المأزق الخطير الناجم عن استمرار تهاوي أسعار النفط انخفاض إيرادات الجزائر النفطية بنسبة 71.43% في النصف الأول من العام الحالي 2015، ما أدى إلى زيادة عجز الميزان التجاري للبلاد بمعدلات قياسية ليبلغ العجز 78.7 مليار دولار، مقابل فائض 2.3 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
والأخطر من ذلك ما ذكره خبراء اقتصاد جزائريون من أن البلاد ستواجه صعوبات شديدة في توفير الغذاء لمواطنيها، بحلول العام بعد المقبل 2017 إذا عجزت عن إيجاد بدائل سريعة لإيراداتها التقليدية الحالية.
وهذا يتطلب تنويع الاقتصاد الجزائري القائم على تصدير النفط والغاز، وعلى الطاقة في توليد إيرادات الموازنة، وهو أمر قد يكون صعباً في ظل تخلف قطاع الصناعة بالبلاد، وإهمال الحكومة لسنوات قطاع البنية التحتية من كهرباء وطرق ومياه وصرف صحي، وكذا وجود صعوبات شديدة تواجه الدولة في جذب استثمارات خارجية بخاصة مع سيطرة الجيش على المشهد الاقتصادي.
وتزداد المشكلة أيضا إذا ما نظرنا لأولويات الإنفاق العام في الموازنة، والإنفاق الحكومي الضخم على الأمن والدفاع؛ والذي وصل لنحو 20 مليار دولار في العام الحالي 2015.
إزاء هذا الموقف الصعب تحركت الجزائر خلال الأيام الماضية نحو اتخاذ خطوات سريعة، للحيلولة دون انهيارها اقتصاديا وانهيار عملتها الوطنية واستنزاف الاحتياطي الأجنبي، حيث جمدت المشاريع الاستثمارية الجديدة التي أعلنت في وقت سابق عن تنفيذها، وألغت مشاريع البنى التحتية من كهرباء ومد خطوط مياه وغيرها، وخفضت الإنفاق الحكومي بما فيه على الصحة والتعليم، وقررت زيادة الضرائب، ورفعت جمارك بعض السلع المستوردة، بخاصة الحديد والصلب والألومنيوم.
هذه الإجراءات التقشفية وغيرها ستغضب الشارع، بخاصة الشباب الذي يعاني من بطالة متفاقمة في دولة تمتلك ثاني أكبر احتياطي من النقد الأجنبي بعد السعودية، ولنا عودة للحديث عن هذا الجانب، وفرص قيام ثورة شعبية في الجزائر احتجاجاً على تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية للمواطن، وعن عدم استفادة الشباب من ثروات بلاده، واستفادة الجنرالات من عوائد النفط والغاز.