بحلول الساعة الثامنة وخمس وأربعين دقيقة من صباح التاسع عشر من شباط (فبراير) في 1942، انطلقت نحو 50 مقاتلة وقاذفة قنابل يابانية من على ظهر حاملة الطائرات سوريو. بعد مضي ساعة، كانت الطائرات بقيادة مقاتلات ميتسوبيشي “زيرو” إيه 6 إم، قد بدأت بقصف داروين – وهي غارة قتلت المئات، وأغرقت ثماني سفن وكانت الأكبر من أي وقت مضى، تشن من قبل قوة أجنبية ضد أستراليا.
بعد مضي سبعة عقود، تعود اليابان – ولكن هذه المرة عن طريق الدعوة. أعربت الحكومة الأسترالية، كجزء من برنامجها البالغة قيمته 20 مليار دولار لتحديث أسطول الغواصات لديها، عن اهتمامها ورغبتها في شراء سفن يابانية تعمل بالديزل والكهرباء المسماة تكريما لحاملة الطائرات سوريو. إذا فازت اليابان بهذه الصفقة، سوف يتم بناء الغواصات، على الأقل جزئيا، من قبل شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة.
لمدة 70 عاما، كانت اليابان تعد عملاقا نائما في قطاع الدفاع، لكنها الآن آخذة في الاستيقاظ. في نيسان (أبريل) من عام 2014، كجزء من موقفها الجديد المتعلق “المسالمة الاستباقية”، أنهى رئيس الوزراء شينزو آبي حظر تصدير الأسلحة المفروض ذاتيا في اليابان.
تمتلك اليابان تكنولوجيا عسكرية متطورة، لكن السؤال الذي يخيم على خطة آبي هو فيما إذا كان إنتاج ترسانة أسلحة عالية الجودة سيكون كافيا. إن النجاح في بيع المعدات الدفاعية يعتمد على كثير من العوامل الأخرى، مثل التدريب العسكري، التي من الصعب على دولة سلمية تحقيقها.
هنالك علامات على أن طوكيو بدأت في اعتبار الصادرات الدفاعية مسألة لا تتعلق بالسياسة الصناعية فحسب، بل باعتبارها عنصرا مهما كذلك في استراتيجيتها الدبلوماسية، في منطقة مضطربة بسبب صعود الصين. في ظل مثل هذه الرهانات العالية، تظهر اليابان عازمة على التغلب على كل العقبات.
يقول أكيرا ساتو، وزير الدفاع الياباني، في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز: “إن العمل مع البلدان الصديقة حول المعدات أو التكنولوجيا يسهم في التعاون الدفاعي والأمن الثنائي، في حين يمكن لمشاريع التنمية المشتركة أن تعمل على تعزيز قطاع الصناعة الدفاعية لدينا والقاعدة التكنولوجية، ما يعمل على رفع القدرة الدفاعية في البلاد.
من الناحية الاستراتيجية، أعتقد أن هنالك عديدا من المجالات التي ترغب اليابان في متابعتها”.
من الناحية النظرية، فتح قرار آبي السوق الدولية أمام ما يقدر بثلاثة آلاف شركة يابانية خاصة مشاركة في إنتاج المعدات العسكرية ومكوناتها. لم تعد طموحات تلك الشركات المصنعة ومواردها المالية متأثرة بميزانية التوريد السنوية الصغيرة نسبيا البالغة سبعة مليارات دولار، ذات الصلة بقوات الدفاع الذاتي اليابانية – التي هي في الواقع عميلها الوحيد منذ الخمسينيات. قد تعمل المبيعات الخارجية على تخفيض تكاليف الوحدات بشكل حاسم للاحتياجات الخاصة في اليابان، وقد تحافظ على كثير من الموردين الصغار الذين يعانون في مجال الأعمال التجارية. في الواقع، من المرجح أن تستفيد مجموعة رفيعة المستوى من رفع الحظر. يقدر استشاريو الصناعة أن أقل من 300 شركة يابانية تجني أكثر من نصف دخلها من وراء الدفاع.
أحد الأسباب التي تجعل شركة ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة وشركة كوماتسو وآي إتش آي وغيرها من الشركات المتعاقدة الرائدة، هو أنها نادرا ما تتكلم عن الدفاع فهو لا يمثل سوى ما بين 1 و11 في المائة من إجمالي الإيرادات.
في المقابل، تجني أكبر الشركات المتعاقدة الأمريكية ما بين 60 و90 في المائة من إيراداتها من الدفاع.
يقول شينيتشي كيوتاني، المستشار الأول في “مركز كانوا لمعلومات الدفاع”: “لا تريد الشركات اليابانية أن تقول إنها تخوض أعمال حرب، خصوصا عندما تكون أعمال الحرب صغيرة جدا بالنسبة إليها. حتى الشركات – على سبيل المثال المتخصصة في بصريات الرؤية الليلية – التي تلقت استفسارات مباشرة من الجيشين الأمريكي والفرنسي، لا ترغب في التكلم حول هذا الموضوع لأسباب تتعلق بصورتها في الأذهان”.
ويضيف أنه لدى الآخرين أسباب قوية في أنهم يريدون التصدير. وفقا لمحللين في شركة ديلويت توماتسو، من المتوقع أن ترتفع ميزانية المشتريات الخاصة بقوات الدفاع الذاتي البالغة قيمتها 6.7 مليار دولار في عام 2011 إلى 7.3 مليار دولار بحلول عام 2019، حتى أن ذلك قد يتقلص إذا تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وفي المقابل، كانت ميزانية الشراء الصينية 18.1 مليار دولار في عام 2011 ومن المتوقع أن تصل إلى 46.8 مليار دولار في عام 2019.
يقول كيوتاني: “تحتاج اليابان إلى عملاء ليسوا من خارج قوات الدفاع الذاتي”.
العجز في الجوانب الفنية
كان حظر التصدير فقط واحدة من كثير من العقبات بين اليابان وشركات التصدير ذات المهمة. يقول مختصو الصناعة إنه قد يثبت أن الجهات ذات منعة. إن غياب اليابان الطويل عن السوق الدولية جعلها تفتقر إلى المعلومات الاستخبارية والدراية والحنكة.
لقد تخلف المسؤولون اليابانيون ورجال الأعمال عن عملية التوريد في جميع أنحاء العالم لعقود، بحسب ما يقول تيت نوركين، المدير الأول في مجلة الدفاع الأسبوعية “آي إتش إس”.
على الرغم من أنها وظفت مئات من البيروقراطيين والضباط العسكريين في وكالة التوريد والمبيعات الجديدة، لا يزال ينبغي لوزارة الدفاع اليابانية أن تعالج بالضبط كيفية عملها، وفيما إذا كانت ستعتمد نهجا أوروبيا أو أمريكيا لمبيعات الدفاع.
قد تندلع حروب مؤلمة على “مناطق النفوذ” في الوقت الذي يتشاجر فيه وزراء الدفاع والتجارة والمالية حول الجوانب التقنية لكل صفقة. حتى الشركات نفسها تعترف بكونها مصابة بالحيرة والارتباك.
شركة أنظمة الدفاع (جي إم يو)، التي تصنع حاملة الطائرات المروحية طراز إزومو 250م – ستطلق أكبر سفينة حربية أطلقتها اليابان منذ الحرب العالمية الثانية – في قلب الحدث، حيث إن مركبتها البرمائية الجديدة يمكن أن تكون جذابة لمجموعة من البلدان الآسيوية التي تمتلك جزرا للدفاع عنها.
مع ذلك، وفقا لهيروهيكو ساكوراي، المدير العام لقسم المبيعات في “جي إم يو”: “تغيرت القواعد، لكننا ظللنا لا نعرف ما يمكننا وما لا يمكننا عمله”.
من ثم، هنالك الحواجز المعتادة أمام الشركات اليابانية في الخارج: تفتقر اليابان إلى المديرين التنفيذيين ذوي مهارات اللغات الأجنبية، كما أنه ليس لدى الفرق العسكرية من المقاولين الكبار، سوى القليل من المديرين ذوي الخبرة الأجنبية.
مخاوف الأسعار
يقول سماسرة معدات الدفاع الأمريكية إن اليابان سوف تجد أنفسها أمام صدمة مفاجئة، عندما تكتشف أن منافسيها في السوق الحديثة هم ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وتركيا وغيرها من الدول، التي يمكنها إنشاء نسخة “لائقة بما يكفي” لكل ما يريده العملاء.
يقول أحد المخضرمين في هذه الصناعة: “إذا كنت من بلدان العالم الثالث، فإنه بالنسبة لكثير من هؤلاء العملاء، الرخص يتغلب على الجودة، وصناعات اليابان ليست رخيصة”.
مع ذلك، فإن حلم تحفيز النمو من خلال صادرات الأسلحة تتشاطره كثير من الشركات اليابانية، على الرغم من صورها المصنوعة بعناية كقوى مدنية محبوبة.
كانت نهاية الحظر نتيجة لعديد من السنوات التي أمضتها الشركات وهي “تعاني القيود” المفروضة بموجب التاريخ والاتفاقيات، بحسب ما يقول ريتشارد سامويلز، مدير مركز الدراسات الدولية في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا.
يقول البروفيسور سامويلز: “لم يكن هذا مجرد قيام وزارة التجارة بحفز جيل جديد من الصادرات، بل كان تحالفا للشركات الصناعية اليابانية التي تعمل جاهدة منذ فترة طويلة جدا من الزمن. بالطبع، كانت هناك حساسية للشركات المترددة في أن ينظر إليها كتجار للموت، لكنها بدت وكأنها مستعدة للتغلب على ذلك، بأن تظهر للعالم ما لديها”.
لقد بدأ بالفعل تسويق المعدات العسكرية اليابانية، ولو بحذر ومع توقع بأن تكون طوكيو أكثر احتمالا لأن تنجح كمورد للمواد الحيوية المهمة، والمكونات الفائقة أكثر من السفن والطائرات ومنظومات الأسلحة الكاملة.
في أيار (مايو) الماضي، استضافت اليابان معرضها الأول لتجارة الأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية، وفي أيلول (سبتمبر) المقبل، من المقرر أن تحضر ثماني شركات يابانية المعرض الأكبر بكثير المتعلق بالدفاع والأمن في لندن. سوف ينصب التركيز على طائراتUS-2 وطائراتP-1 التي تعرف بأنها موضع اهتمام الهند والمملكة المتحدة.
على أية حال، الهدف من تلك المعارض يجب أن يكون اعترافا بأن اليابان مقبلة إلى سوق يفوق فيها العرض الطلب، ومعقدة بشكل كبير، ووفقا لأحد المحللين: “هي مكان يدفعك إلى إبرام اتفاقيات الجنتلمان، مع أشخاص تعرف بأنهم ليسوا من الجنتلمان”.
يقول جاك ميدجلي، مدير استشارات الدفاع في شركة ديلويت توماتسو ومقرها في طوكيو، إن النمو الرئيسي في السوق العالمية مقبل من أمريكا الجنوبية وإفريقيا، حيث وضعت بالفعل كل من الصين والهند مصالحهما. وحتى عندما يتعلق الأمر ببيع المكونات والمواد بدلا من الأنظمة الكاملة، أي أن هنالك عقبات.
يضيف ميدجلي أنه “عندما تتحدث حول تصدير المكونات، فإن هذا يعني أنهم أصبحوا متعاقدين من الباطن مع الشركات الغربية مثل شركة لوكهيد مارتن.
“للقيام بذلك، سوف تحتاج اليابان إلى أنظمة لتقديم التقارير المالية، وآليات محاسبة المشاريع وغيرها من الأشياء التي تعتبر مفردات أساسية في الغرب، لكن شركات الدفاع اليابانية لا تمتلكها. حتى بالنسبة لأحد الموردين المحتملين في الولايات المتحدة، قد يستغرق الأمر سنوات كي تأخذ كل تلك الأمور مسارها الطبيعي”، حسبما أضاف.
أن تصبح مقاولا للشركات المصنعة للمعدات الدفاعية الغربية قد يرفع التكاليف لتصل إلى مئات الملايين من الدولارات لكل شركة – وهذا المال يمكنهم استثماره بشكل مربح أكثر في أماكن أخرى، نظرا لعدم وجود أي أدلة حتى الآن على الدعم المالي المقدم من الحكومة.
الشركات التي تتخذ الخطوة الجريئة ربما تكون تلك التي سبق أن أثقلت بالتكاليف المرتفعة، لإنتاج المعدات الدفاعية لقوات الدفاع الذاتي اليابانية، ولا يمكنها الخروج من تلك الأعمال. يأمل المحللون أن بيع المعدات عالميا سوف يساعدها في أن تكتسب المزيد من الكفاءة.
بناء العلاقات
الحسابات السياسية التي وراء السماح بتصدير الأسلحة واضحة جدا بقدر الحسابات التجارية. على الرغم من علاقات اليابان المضطربة مع الصين وكوريا الجنوبية، إلا أن آبي كان دبلوماسيا ناجحا نسبيا في أماكن أخرى في آسيا وحول العالم.
كما أنه يدرك تماما أن بيع منصات الدفاع الكبيرة مثل الغواصات وطائرات الدوريات – منتجات مرغوب فيها لبلدان تقع بجانب روسيا، وكوريا الشمالية والصين – يمكنها تأمين علاقات جغرافية سياسية أعمق.
وفقا لدبلوماسيين قائمين في طوكيو، كان هناك تحول ملحوظ في موقف إدارة آبي منذ رفع الحظر. في البداية، هذه الخطوة كانت جزءا من حملة آبي الأوسع لتطبيع الوضع في اليابان، مع كون الصادرات الدفاعية مجرد وسيلة أخرى لتحقيق تلك الغاية السياسية.
مع ذلك، وبسرعة كبيرة، فإن صناع سياسة الأمن الوطني في اليابان أخذوا ينظرون إلى الصادرات الدفاعية من زوايا استراتيجية.
يقول أحد الدبلوماسيين الآسيويين: “المشتريات هي ما تفعله بدلا من التحالف”، مضيفا أن طوكيو تبدو مهتمة بتعزيز صناعتها الدفاعية أقل من اهتمامها ببناء الصداقات.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت اليابان ستصدر المعدات العسكرية حتى لو لم تكن مربحة، اعترف ساتو أن الأمر “ممكن على أساس كل حالة على حدة”.
ويضيف إن المسألة الحاسمة هي العلاقات. “علينا أن نحسب كم يمكن أن نسهم في السلام العالمي، لذلك فالمسألة ليست مجرد سعر”.
تلك الحسابات قد يتبين أنها حيوية مع اقتراب طوكيو من إنهاء صفقة من شأنها توثيق العلاقات مع كانبيرا. في الأسبوع المقبل، الحكومة اليابانية وعدد من مقاولي الدفاع الرائدين الذين تتعامل معهم، من المقرر أن يصدروا تحديثا عن المناقشات مع أستراليا لتطوير أسطول من غواصات سوريو ذات القدرة الفائقة على التخفي، التي تقودها بطاريات من أيون الليثيوم. الصفقة قد تمثل أول عقد كبير لليابان، منذ رفع حظر التصدير – وبطاقة دعوة قوية لصناعة الدفاع الأوسع فيها.
لانس جاتلينج، المستشار ووسيط الدفاع القائم في طوكيو، يقول إن مثل هذه الصفقات الكبيرة أمر حيوي. “وجود سابقة هو كل شيء بالنسبة للشركات اليابانية بشكل عام، لكنه ينطبق على هذه الحالة بشكل خاص. هذا هو الشيء الذي سيؤدي إلى بدء التقدم في كل شيء”.
غير أن يحذر من أن عقد الغواصات قد يكون فوق طاقة الشركات اليابانية. “في مشاريع التنمية المشتركة، كان بإمكان اليابان النظر إلى بعض المشاريع الأبسط لتنطلق بها، لكن المشاريع التي تبدأ بها معقدة للغاية. بدلا من أن يبدأوا بالتدريج، يتورطون بعمق. لا يوجد بالفعل ما هو معقد مثل الغواصات. لأن تحقيقها يتطلب أكثر من مجرد الرغبة في تحقيقها” وفقا لما خلص إليه.