كتبت صحيفة “المسستقبل”:
يصبّ تمدّد التعطيل زمنياً ومؤسساتياً في خانة واحدة، خانة إعادة توزيع السلطة على الطوائف عبر مؤتمر تأسيسي يقوم على أنقاض “اتفاق الطائف”. وسبق للبنانيين أن دفعوا أثماناً باهظة بالأرواح والممتلكات والاقتصاد للوصول الى هذا الاتفاق الذي شكل مدماكاً لدستور الجمهورية الثانية.
فبغض النظر عن موازين القوى، الفعلية أو الخيالية، التي بات الاعتماد عليها يهدد الدستور، وبرغم اعتبار فريق سياسي، يمثله أساساً “حزب الله”، بأنه سيكون الرابح الأكبر في هذه الحالة، فإن لبنان سيكون حينها “الخاسر الأول”. وهذا يعني عملياً خسارة لجميع الأطراف وفق سياسي سيادي متابع عن كثب لمجمل التطورات المحلية الإقليمية والدولية.
ومما يسهل عمل الساعين للتخلص من “اتفاق الطائف” هذا الكم غير المسبوق من استنفار المشاعر الدينية. وقد تجلى ذلك، وهو ما يؤثر سلباً على متانة الوحدة الداخلية، خصوصاً في تظاهرة أنصار “التيار الوطني الحر” الأخيرة التي رفعت أعلاماً لـ”تيار المستقبل” تحمل شعارات “داعش” أو روجت صوراً لمريم العذراء وهي تحمل صورة ميشال عون في قلبها.
وقد طاول التجييش الطائفي ملفات المواطن الحياتية من أزمة النفايات، الى مشاكل الكهرباء، الى خشية العجز عن دفع الرواتب…
وكان مسلسل التعطيل قد انطلق مع الفراغ الرئاسي المتواصل منذ أكثر من عام. وقد بات هذا المنصب، وفق المصدر نفسه، عالقاً بين إيران والولايات المتحدة رغم نجاحهما في إنجاز الاتفاق على الملف النووي. فالإدارة الأميركية، رغم شبه انسحاب من ملفات المنطقة، ستحول دون نجاح إيران باستخدام هذه الورقة التي تحتجزها لتقايض فيها مع المملكة العربية السعودية عندما يحين الوقت.
كما بات التعطيل شبه صفة لازمة للحكومة بعد الخلاف المستشري على آلية عملها في ظل الفراغ الرئاسي. فالتوافق الذي طالما نادى به رئيسها تمام سلام منذ قيامها صبّ في التعطيل من جراء الشروط العونية التي ساوت ما بين التوافق والإجماع. أما التصويت وفق الآلية الدستورية المعروفة فلا يبدو أنه سيتحقق لعدم حصوله على عدد الأصوات اللازمة. وفي ظل موافقة “قوى 14 آذار” ومعها قوى “اللقاء الديموقراطي” تبدو ورقة العبور بآلية التصويت بيد رئيس مجلس النواب نبيه بري طالما أن سلام يرفض اعتماد التصويت الدستوري في ظل غياب تام للتمثيل الشيعي.
ومجلس النواب مشلول عملياً، إما لاعتبار البعض أن عمله التشريعي مجمّد حكماً باعتباره تحول منذ الفراغ الرئاسي الى مجرد هيئة ناخبة، أو بسبب اشتراط البعض، ممن وافقوا على تشريع الضرورة، الانطلاق من إقرار بندين: قانون الانتخاب واستعادة الجنسية.
ويلفت المصدر الى أن الجهود الخيّرة كانت منصبّة على تأمين استعادة الحكومة حداً أدنى من الفعالية مقابل فتح دورة استثنائية لإقرار أمور مهمة للمواطن، لكن حتى هذه الصفقة سقطت. ويبدو أن اقتراب موعد العقد العادي أفسح في المجال أمام بري لعدم دفع الأثمان مقابل فتح دورة استثنائية. فحينها يسهل تأمين الأصوات الضرورية لإقرار المشاريع المدرجة أصلاً على جدول الأعمال، فيما تكون الميثاقية، التي يتمسك بها بري، مؤمنة عبر حضور مسيحي ولو بدون الأحزاب الوازنة.
وكاد التعطيل يطاول مؤسسة الجيش لولا النجاح في الحؤول دون تعديل قانون الدفاع إرضاء لفريق سياسي.
بالمقابل يلفت المصدر الى أهمية التنبه لحديث الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله عن الدولة في خطابه الأخير، ويقول إن نصر الله يستنسخ مطالبة “قوى 14 آذار” منذ سبع سنوات بالعبور الى الدولة، لافتاً الى أهمية التمييز بين الاثنين: فقوى 14 آذار لطالما كانت دعوتها العبور الى الدولة من داخل مؤسساتها في حين دعوة نصر الله، وفق المعطيات الفعلية، هي دعوة لها من خارجها بما يشبه الانقلاب.
ويذكّر المصدر بأن “الطائفة القائدة” التي نفى نصر الله وجودها كلامياً كانت تتجسد في الجمهورية الأولى بالموارنة لكن اتفاق الطائف “ألغى التمييز بين الطوائف وأدخل الشيعة في المعادلة التي كانت تقتصر على ثنائية سنية – مسيحية”. ويضيف “هم الآن الطائفة القائدة لأنهم بفعل فائض القوة وبدون سند دستوري يمارسون هذه المهمة”.