Site icon IMLebanon

الفائدة الأميركية رهينة لليوان الصيني

InterestRates2

موسى مهدي

هل يرفع مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) سعر الفائدة على الدولار خلال الشهور المتبقية من العام، كما كان متوقعا،ً أم أن اضطراب عملات الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها اليوان سيجعله يؤجل القرار.
هذا هو السؤال المحوري الذي يؤرق المستثمرين خلال الشهور المقبلة وسيظل مصدر قلق، حينما ينتهي موسم الإجازات الصيفية وتعود التعاملات بكامل طاقتها للبورصات العالمية في سبتمبر/أيلول المقبل.
وحتى الآن يلاحظ، أن مصرف الاحتياط الفيدرالي يتبع استراتيجية الانتظار والترقب لمعرفة تداعيات خفض العملة الصينية على عملات الأسواق الناشئة وعلى توجهات مسار الاقتصاد الأميركي، وعما إذا كان خفض العملة الصينية سيطلق موجة من “حرب عملات” عالمية، كتلك التي اجتاحت العالم في أعقاب أزمة المال العالمية في العام 2008.
ويقول اقتصاديون إن رفع سعر الفائدة الأميركية التي ظلت مقتربة من الصفر عند معدل 0.25% طوال سبع سنوات، سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد الأميركي الذي يبلغ حجمه 18 ترليون دولار، وبدأ رحلة تعافٍ منذ النصف الثاني من العام الماضي.
وهنالك توقعات أن ينهي الاقتصاد الأميركي هذا العام بمعدل نمو يفوق 3.5%. وهذا معدل كبير يضاف إلى انخفاض معدل البطالة وخلق مزيد من الوظائف الأميركية الجديدة واستمرار معدل التضخم المنخفض بسبب استفادة آليات الإنتاج والخدمات الأميركية من انخفاض سعر الوقود.
وهذه الميزات لم تتوفر للاقتصاد الأميركي منذ عقود، ويخشى مصرف الاحتياط الفيدرالي أن يضيع هذه المكاسب برفع سعر الفائدة وسط اضطراب العملات الدولية وقوة الدولار. ويذكر أن الانتعاش الأميركي كاندائماً مرتبطاً بمعدل التضخم المرتفع بسبب أسعار الطاقة المستوردة.

في هذا الاتجاه، يقول ديفيد كوتوك، رئيس مجلس إدارة “كيمبرلاند أدفايزرس”، لتلفزيون بلومبيرغ، أن الدولار الأميركي يواصل قوته وسط ضعف عام واضطراب في سعر صرف عملات الاقتصادات الناشئة. وهذا يعني أن هنالك مخاوف من أن يقود رفع الفائدة إلى مزيد من قوة الدولار، وبالتالي يضعف تنافسية الصادرات الأميركية، خاصة أمام الصادرات الصينية والآسيوية التي تواصل غزو الأسواق الأوروبية مستفيدة من ضعف عملاتها التي تجعل أسعارها رخيصة مقارنة مع البضائع الأميركية.
كما أن قوة الدولار ستؤثر على استهلاك السوق المحلي الأميركي للسلع الأميركية الذي تبلغ قوته الشرائية 11 ترليون دولار في العام. فإذا زادت قوة الدولار، فإن ذلك سيغري المستهلك الأميركي لاستهلاك البضائع الآسيوية الرخيصة بدلاً من البضائع الأميركية.
ويقول خبراء سياسات نقدية في لندن إن هذه المخاوف هي التي ستجعل مصرف الاحتياط الفيدرالي يتردد في اتخاذ قرار رفع سعر الفائدة، إلى حين التيقن من توجهات الاقتصاد الصيني وتأثير خفض سعر اليوان على التجارة العالمية.
ويرى هؤلاء الخبراء أن مصرف الاحتياط الفيدرالي حتى في حال رفع الفائدة الأميركية، فإنه سيرفعها بنسبة ضئيلة ورمزية لاختبار استجابة الاقتصاد الأميركي ولا يستبعدون إذا قرر الاحتياط الفيدرالي رفع الفائدة الأميركية خلال العام الجاري، أن يرفعها بمعدل 0.25% من مستواها الحالي إلى 0.5%.

وفيما حذر بنك الصين المركزي من هزات متوقعة في سعر صرف اليوان خلال الفترة المقبلة وفقد مؤشر شنغهاي 6.1% من قيمته يوم الثلاثاء، رجحت مصادر مصرفية في لندن ألا يقرر مصرف الاحتياط الفيدرالي رفع سعر الفائدة في اجتماعه المقبل.
كما توقع خبراء أن تعقد هزات اليوان خطط مصرف الاحتياط الفيدرالي الخاصة بالسياسة النقدية، لأن هنالك ربطاً كبيراً بين نمو الاقتصاد الأميركي المعتمد على الصادرات وقيمة اليوان، حيث أصبحت الصين في الأونة الأخيرة أحد أهم شركاء أميركا التجاريين. وكان بنك الشعب في الصين قد خفض السعر المرجعي لليوان أمام الدولار بنسبة 2.0% في الأسبوع الماضي، لتتراجع قيمة العملة الصينية لأدنى مستوى لها في أكثر من 10 سنوات.

ويرى خبراء أميركيون أن قرار البنك المركزي الصيني قد يؤثر على الجدول الزمني الخاص بالاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، حيث إن خفض قيمة اليوان قد يضع مزيداً من الضغوط الصعودية على الدولار، وهو ما سيؤثر بالسلب على النمو الاقتصادي، وأرباح الشركات الأميركية العاملة في الصين. وكان مجلس الاحتياطي الفيدرالي قد أوضح في الشهر الماضي أنه يراقب عن كثب التطورات الدولية، كجزء من مؤثرات السياسة النقدية، رغم أنه يميل لرفع الفائدة خلال العام الجاري. في هذا الصدد قال دونالد لوسكين كبير مسؤولي الاستثمار في شركة “تريندماكرو” إن قرار الصين يسلط الضوء على هشاشة الاقتصاد العالمي.
وتشهد سوق وول ستريت حالياً، حالة من الانقسام حول ما إذا كان البنك المركزي الأميركي سيؤجل قراره برفع معدل الفائدة. وفي حين يرى خبراء استثمار أنه سيكون على الاحتياط الفيدرالي، أن ينتظر ويمتنع عن أي زيادة في الفائدة حتى تظهر صورة أوضح لتطورات أسواق الصرف وتأثيرها على النمو في الولايات المتحدة، يرى آخرون أن اليوان الصيني لن يكون ذا أثر على الاقتصاد الأميركي.
في هذا الصدد، قال أكسيل ميرك، رئيس وكبير مسؤولي الاستثمار في شركة “ميرك للاستثمارات” الأميركية لصحيفة “يو إس ايه توداي”، إنه بالرغم من أن خفض قيمة اليوان يعتبر الأكبر بالنسبة للصين، إلا أنه ما زال يعتبر “منخفض الحجم”، وهو ما لا ينبغي أن يؤثر على خطط الاحتياط الفيدرالي، ولكنه يؤكد رؤية الصين لتباطؤ اقتصادها، ما لا يعتبر خبراً جديداً للأسواق.
من جانبه يرى بول هيكي المؤسس المشارك في شركة “بيسبوك إنفيسمنت غروب”، أنه مع الاعتراف بأن قرار الصين يثير غضب الأسواق المالية، فإنه من غير المحتمل أن يفشل خطط الاحتياط الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، إلا في حال كانت وتيرة ومسار خفض قيمة العملة الصينية أكثر دراماتيكية خلال الفترة المقبلة.
وحسبما كشفت وزارة التجارة الصينية في خطة تنمية التجارة الخارجية لفترة 2011 – 2015، فإنها تستهدف نمو صادراتها بنسبة 10% خلال العام الجاري. وبينما ظلت الولايات المتحدة أكبر مستورد عالمي، حيث استوردت ما قيمته 2.28 تريليون دولار في العام الماضي، بلغت الواردات الصينية 1.82 تريليون دولار.