نقلت صحيفة “الديار” عن مصادر سياسية في قوى 14 آذار قولها انّ الخُلاصة الأبرز التي يمكن استنتاجها من سيناريو “اللاانتخابات” الذي باركته قيادة التيار “الوطني الحر” هو أنّ “البرتقاليّين” يؤمنون بمنطق التوافق والتسوية، وهم مستعدّون لاعتماده وتطبيقه تفاديًا للمعركة، خوفاً على مصير “التيار”، وتسأل: “ما الذي يبرّر إذاً رفضهم المُطلَق لهذا المنطق خارج صفوف تيّارهم، حتى لو كان اعتماده خوفاً على مصير ما هو أكبر من التيار وقائده وجميع عناصره، أي خوفاً على مصير الوطن برمّته؟”
وتذهب المصادر “الآذارية” أبعد من ذلك، لتضع “المبادئ” التي يتذرّع بها “التيّار” دومًا موضع الشكّ بل المساءلة، وتلفت إلى أنّهم في جميع الاستحقاقات التي شهدها لبنان خلال السنوات الماضية كانوا يتذرّعون بأنّ “القصّة قصّة مبدأ”، بمعنى أنّ مشكلتهم ليست شخصيّة مع أحد، وكلّ ما في الأمر أنّهم ينسجمون مع مبادئهم، المبادئ التي تقول بحتميّة الانتخابات لا التعيين أو التمديد، المبادئ التي تقول بضرورة استفتاء الشعب واستطلاع رأيه، المبادئ التي تقول بأنّ التسوية مُذلّة وبأنّ الفراغ نفسه أفضل من الرئيس التوافقي.
“أين ذهبت المبادئ الآن؟ ألا يريدون استفتاء القواعد العونيّة ومن تفضّل لقيادة “التيار”؟ ألا يحقّ لهؤلاء التعبير عن آرائهم بكلّ حرية وراحة ضمير؟ لماذا يُفرَض عليهم الرئيس من الأعلى دون أن يكون لهم أيّ قولٌ أو رأي؟ كيف باتت التسوية مقبولة ولم تعد مذلّة؟” كلّها أسئلة تطرحها المصادر “الآذاريّة”، لتقول أنّها سعيدة بالنتيجة في كلّ الأحوال، “فالجنرال اعترف بمنطق التسوية والتوافق، ولم يبقَ سوى أن يترجم ذلك عمليًا في انتخابات الرئاسة اللبنانية، تجنّبًا لما هو أخطر بطبيعة الحال من انقسامٍ حزبيٍ ضيّق، تجنّباً لضياع الوطن مع ضياع رئاسته”.
في المقابل، فإنّ أوساط “التيار الوطني الحر” تنطلق من ثابتتَين، أولهما أنّ رئاسة “التيار” هي شأنٌ داخليّ محض، لا يعني لا الخصوم في “14 آذار” ولا حتى الحلفاء، الأقربين منهم والأبعدين، وبالتالي فهي ليست مادة للنقاش والاستهلاك الإعلاميّ، وثانيهما أنّ المنطق الذي يعتمده الفريق الآخر عبر الدعوة لـ”إسقاط” أمورٍ حزبيّة ضيّقة على وضعٍ سياسي عام وشامل هو منطقٌ يفتقر قبل كلّ شيء إلى المنطق، وبعده إلى الإدراك والواقعيّة.
وفي حين ترفض هذه الأوساط الدخول في حيثيات وخلفيات انتخابات “التيار” جملة وتفصيلاً انطلاقاً من الاعتبار الأول، باعتبار أنّ المسألة داخلية ولا تعني سوى محازبي “التيار” والملتزمين بخياراته، تستهجن في المقابل ذهاب الفريق الآخر في “تجنّياته” الى حدّ القول انّ “التيار” يرفض “التسوية” جملة وتفصيلاً في أدبيّاته، في حين أنّ الوقائع تثبت عكس ذلك، وتثبت أنّه مع أيّ تسويةٍ يمكن أن يتوصّل إليها الأفرقاء لحلّ أيّ أزمةٍ مستفحلة، شرط أن لا تكون تسوية “مذلّة” على غرار تسوية الدوحة الشهيرة التي ضاعفت من الأزمة ولم تخمِدها، وشرط أن تحترم هذه التسوية القوانين المرعيّة الإجراء.
ولتأكيد وجهة نظرها، تستند المصادر إلى أمدٍ غير بعيد، وتحديدًا إلى أزمة التعيينات الأمنية التي كان يرفضها “التيار الوطني الحر”، انطلاقاً من “المبادئ” نفسها التي تحكم ممارسته بشكلٍ عام، ولكنّه رغم ذلك أبدى انفتاحه الكامل على “التسوية” التي اقترحها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم لـ”قوننة” التمديد غير الشرعي للقادة الأمنيين عبر مشروع قانون يصدر عن مجلس النواب لرفع سنّ تقاعد الضباط في الجيش اللبناني، فيصبح عندها التمديد شرعياً وقانونياً وغير شخصاني.
أما التشبيه بين انتخابات رئاسة “التيار” والانتخابات الرئاسية، فعدا عن أنه غير جائز كما تقول الأوساط، إلا أنّه يخدم نهج “التيار” لا خصومه، لأنّ الرئيس “التوافقي” في “التيار” لم يكن من خارج المرشحين “القويين” الرئيسيّين للانتخابات، إذ تمّ التوافق على أحدهما لا على شخصٍ ثالثٍ آتٍ من خلف البحار ولم يسمع به أحد سابقاً، وهو بالتحديد ما يطالب به “التيار” منذ اليوم الأول للأزمة الرئاسية، بحيث يطرح رئيسه العماد ميشال عون مرشحًا توافقيًا يتوافق عليه الجميع، وهو يطالب برئيسٍ توافقي قويّ بكلّ ما للمعنى من الكلمة، وما يرفضه هو رئيسٌ رماديٌ ضعيفٌ لا قدرة له على اتخاذ أيّ موقفٍ من تلقاء نفسه.