Site icon IMLebanon

بكين تنحاز لمعدلات نموها!

ChinaGrowth2
عبدالله بن ربيعان
انحازت الصين إلى معدلات نمو اقتصادها وتعزيز تقاطر صادراتها نحو العالم، متجاهلة ما قد يحدث لاقتصاد أميركا أو لأسواق العالم الأخرى من ردود فعل سلبية. هذا هو ملخص ما حدث الأسبوع قبل الماضي حينما أقدم بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) الثلثاء على خفض قيمة اليوان بنسبة 1.9 في المئة في مقابل الدولار الأميركي، وهو أكبر خفض للرينمبي في مقابل خضراء الظهر منذ 1994.
وعلى رغم أن الصين لديها فائض تجاري مع كبريات الاقتصادات العالمية الأخرى، وهو الأمر الذي يجعلها تستطيع تحمل قليل من الركود وتبحث عن التهدئة، إلا أن متخذ القرار في بكين انحاز للهدف الاقتصادي المعلن وهو الحفاظ على مستوى النمو الاقتصادي عند 7 في المئة، وهو على العموم أسوأ معدل نمو يحققه الاقتصاد الصيني الذي يصنف الثاني عالمياً خلال الـ 25 عاماً الماضية. وبالطبع لم تكن المحافظة على تحقيق معدل النمو المعلنة ممكنة في ظل تناقص معدل التصدير بنسبة تزيد قليلاً على 8 في المئة بحسب إحصاءات يوليو الماضي مقارنة بنظيره من العام الماضي 2014.
بالتأكيد، المطلع على خريطة الاقتصاد العالمي لا بد أن يلحظ بعض الأمور، ومنها:
أولاً: أن ما قامت به بكين حتى وإن كان ضد رغبة واشنطن إلا أنه يظل أمراً مألوفاً ومعتاداً في الأوساط الاقتصادية، فقد سبقتها واشنطن نفسها بخفض الدولار عن طريق ما يعرف بسياسة التيسير الكمي في 2010، وتبعتها اليابان في 2013، ثم أوروبا بداية هذا العام، وكل ما اختلف هو الطريقة فقط، إذ فضلت بكين استخدام خفض عملتها مباشرة، وهو ما يناسب وضعها حيث لا يمكنها التعويل على القوة الشرائية لمواطنها، وعولت بدلاً من ذلك على سوقها الخارجية التي هي العالم كله.
ثانياً: أن ارتفاع الدولار الذي ترتبط به العملة الصينية كان السبب الرئيس وراء خفض بكين لقيمة عملتها، وللمثال، فقد ارتفع الدولار بمعدل 20 في المئة تقريباً في مقابل سلة عملات خلال الفترة أغسطس 2014- مايو 2015. وبالطبع، ليس هذا في صالح صادرات أميركا التي ستكون أغلى في السوق الصينية.
ثالثاً: على العكس مما جاء في ثانياً، فليس من المتوقع أن تزيد صادرات الصين إلى السوق الأميركية بشكل كبير، فلا يتوقع أن تؤدي زيادة أو خفض 5 أو 10 بنسات في قيمة «التي شيرت» أو «الجينز» المصنوع في الصين لتغيير تفضيلات المستهلك الأميركي مباشرة. وهذا يقود إلى التوقع أن تزيد صادرات الصين إلى الدول النامية التي تتأثر دخول مواطنيها بأية هزات سعرية بسيطة للأعلى أو للأقل.
رابعاً، يقوم الاقتصاد الصيني على مبدأ الإنتاج للتصدير، وهذا النوع من الاقتصاد يعرف بـ«Export-driven economy» (تسمى أيضاً trade-dependent economy)، ونظراً إلى ضخامة حجم الصادرات الصينية فإن هذا يتطلب في المقابل حجماً ضخماً من الواردات، وخصوصاً من المواد الخام ومدخلات الصناعة، وهو الوضع الذي أوصل حجم التجارة الخارجية لبكين إلى رقم مهول بلغ 4.3 تريليون دولار بنهاية العام الماضي. وتشير الأرقام إلى انخفاض حجم التجارة الخارجية وانخفاض حجم الاستيراد الصيني بمعدل بلغ 14.6 في المئة، وهو ما أدى لانخفاض معظم سلع العالم وعلى رأسها النفط وبقية المعادن التي تسجل مستويات متدنية لم تشهدها منذ سنوات طويلة.
خامساً: أن ما يقال عن بداية حرب عملات بعد خطوة بكين الأسبوع قبل الماضي هو أمر غير منتظر، وعلى رغم إسراف بعض وسائل الإعلام في استخدام مصطلح «حرب عملات» في تغطياتها للحدث، إلا أن ما قامت به بكين هو خطوة طبيعية أملتها ظروفها الاقتصادية الصعبة، وليست موجهة للحرب على أحد، بحسب اعتقادي.
سادساً: أن ما يقال أيضاً عن صعود نجم «الرينمبي» ليحل محل الدولار كعملة العالم الرئيسة أمر لا يؤيده الواقع، فما زال النظام المصرفي الصيني متخلفاً بالمقارنة بنظيره الأميركي، كما أن بكين نفسها من أكبر المستثمرين في السندات المقومة بالدولار، وبالتالي فلم يحن الوقت – بحسب رأيي – للحديث حالياً عن غياب شمس الدولار وحلول اليوان أو غيره من العملات الأخرى مكانه.
سابعاً، وأخيراً: المتأثر الأول بخطوة بكين هو رئيسة الاحتياطى الفيديرالي جانيت يلين، التي وقعت بلا شك في حيرة كبيرة، وعليها أن تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على رفع الفائدة الذي لوحت به كثيراً قبل أن يضعها بنك الشعب في ورطة كبيرة. ويتوقع محللون ألا يقدم الفيديرالي على رفع الفائدة خلال لقائه القادم في سبتمبر، وأن تستمر الأمور حتى نهاية العام على الأقل.
ختاماً، على رغم الضغط الأميركي على بكين لرفع سعر عملتها، وعلى رغم سعي واشنطن للاستحواذ على السوق الآسيوية من خلال اتفاقية التجارة الحرة على طرفي المحيط الهادي، إلا أن بكين لم ترضخ للضغوط، وتصرفت بما يؤدي لتحقيق هدفها المعلن لمعدلات النمو، والأهم أن قرار بكين أعاد التذكير بأهمية السياستين المالية والنقدية في تحفيز الاقتصاد والمحافظة على استقراره.