حنان حمدان
كثيرون هم الشباب الذين يبحثون عن فرصة عمل في لبنان حتى لو لم تكن على مستوى أمالهم، ولكنّ معظمهم لا يوفق في سعيه. بعض الشباب سئم البحث وفضل الهجرة على البقاء، والبعض الآخر تأقلم مع الواقع. “زينب” طالبة ماجستير في العلوم السياسية والدبلوماسية، تبحث عن عمل منذ عامين. لا تكترث كثيراً لنوع العمل ما دام مقبولاً إجتماعياً. وهي واحدة من بين كثيرين يبحثون عن فرصة عمل في لبنان.
وحال زينب لا تختلف كثيراً عن حال معظم الشباب في الدول العربية. فبحسب ما أظهرته دراسة لصندوق النقد العربي بعنوان “بطالة الشباب في الدول العربية” (آب 2015)، فأن معدلات بطالة الشباب في الدول العربية بلغت 28 في المئة وهو ما يفوق معدلات بطالة الشباب المسجلة على مستوى العالم ككل والتي تبلغ 12 في المئة.
ونتائج هذه الدراسة شبيهة إلى حد كبير بنتائج معظم الدراسات السابقة، فجميعها تشير إلى تفاقم أزمة البطالة عاماً بعد عام. إلا أن الأحداث الأمنية التي شهدتها دول عربية عديدة في الآونة الأخيرة، ساهمت بشكل كبير في إرتفاع عدد الباحثين عن العمل ومعظمهم من الشباب. إذ يؤكد الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي في حديث لـ”المدن” أن “الأحداث الأمنية والسياسية في المنطقة، أثرت بشكل سلبي على واقع الشباب في الدول العربية”. فالجميع ينشغل بالحروب وأزماتها من دون الإلتفات إلى أهمية العمل، ولكن هل هذا يعني أن الحال لن تتبدل إلا بعد إنتهاء الحروب؟، يقول يشوعي: “كيف ستنتهي الحروب ومتى، لا أحد يدري. فلا يزال مستقبل العالم العربي مجهولاً، وأكثر ما نخشاه هو أن تدوم هذه الأحداث أعواماً طويلة”.
من ناحية أخرى يرى خبراء إقتصاديون أنّ الفقر والأمية سببان أساسيان لبطالة الشباب في معظم بلدان الدول العربية باستثناء الدول النفطية. إلا أن المتعلّمين أيضاً يعانون من تعذر الحصول على عمل. فقد خلصت الدراسة إلى أن بطالة الشباب في الدول العربية، تتسم بتركزها في أوساط المتعلمين والإناث والداخلين الجدد إلى سوق العمل. إذ تصل نسبة المتعلمين في بعض الدول العربية إلى نحو 40 في المئة من إجمالي العاطلين عن العمل. وتبلغ معدلات بطالة الشباب من الإناث في الدول العربية نحو 43.4 في المئة مقارنة بنحو 12.7 في المئة للمتوسط العالمي.
وتأتي هذه الدراسة، في وقت تشير فيه تقديرات منظمة العمل الدولية إلى وجود 75 مليون شاب عاطلين عن العمل على مستوى العالم. رغم أن معدلات البطالة شهدت إرتفاعاً واضحاً في أعقاب الأزمة المالية العالمية الأخيرة لتصل إلى نحو 211 مليون شخص على مستوى العالم بنهاية العام 2014. فيما ترتفع معدلات بطالة الشباب لتشكل ثلاثة اضعاف معدلات البطالة بين الشرائح العمرية الأخرى.
لبنانياً، لم تتخذ وزارة العمل أي إجراءات “جدية” في هذا الشأن. إذ أطلقت أخيراً موقع ta3mal. com لتقديم طلبات الوظائف عبره. بينما تسعى بين حين وآخر إلى التضييق على الأجانب في سوق العمل، متذرعة بأن سبب إرتفاع البطالة في لبنان عائد إلى مزاحمة الأجنبي للمواطن اللبناني في مجالات العمل. وقد حاولت الإيحاء بأن هذا التنافس لا بد من القضاء عليه كي يتحسن واقع الشباب اللبنانيين. ولكن هل منع العامل السوري من العمل في البناء سينعكس إيجاباً على واقع الشاب اللبناني الذي لا يرضى، غالباً، القيام بأعمال يقوم بها الأجنبي!
لا ينفي الخبير الإقتصادي جورج قرم في حديث لـ”المدن” إرتفاع معدلات البطالة في لبنان بسبب مزاحمة العاملين الأجانب للعامل اللبناني”، ولكنه يؤكد عدم قبول المواطن اللبناني بالعمل في بعض المجالات. ويعتبر أن “منافسة الجامعات الخاصة في لبنان سبباً إضافياً لهجرة الكفاءات الى الخارج، إذ معظم هذه الجامعات تسعى لتأهيل الطالب للعمل خارج لبنان. ويصف القرم الإقتصاد اللبناني بـ”الإقتصاد التبذيري. فنحن في لبنان لا نعلم كيف نستغل مواردنا الإنسانية والبيئية لذلك نعيش أزمة غلاء معيشة”.
وفي وقت عزت فيه الدراسة إرتفاع بطالة الشباب إلى الكثير من الأسباب، من بينها الفجوة الحاصلة بين متطلبات سوق العمل و”مخرجات أنظمة التعليم في العالم العربي”، يرى القرم انّ “فشل التصنيع في العالم العربي، وغياب الإنتاج، هما العاملان الأساسيان في تجذر أزمة البطالة في الوطن العربي. إذ إن الإقتصاد العربي هو إقتصاد ريعي مبني على المواد الأولية”.