منذ تأسيس أول كنيسة في بعلبك عام 1897 (كنيسة القديستين بربارة وتقلا) التي تلاقي الجامع الأموي الكبير وتتوسطهما قلعة بعلبك، يشهد الكلّ من الطائفتين الإسلامية والمسيحية أنّه لم يحدث في بعلبك أيّ مضايقات طائفية حتى في أوج الحرب الأهلية عام 1975، بل كانت نموذجاً للعيش المشترك، ويتجذّر فيها المسيحيون كتجذّر الأرز في لبنان.
لكن ما حصل في مدرسة راهبات القلبين الأقدسين من عمليات تخريب وسرقة للمرة الثالثة في غضون شهرين، دفع رئيسة دير ومدرسة الراهبات الأم إميلي طنوس إلى رفع الصوت عالياً حول ما يجري، متهمةً البعض بإفتعال هذه الأمور للتضييق على المسيحيين في المدينة، خصوصاً يعد تجَرّؤ المعتدين على شتم الصليب والراهبات وهو ما لم يحدث سابقاً.
وفيما لا يخفى على أحد الفلتان الأمني الذي تعاني منه المدينة، وتعجز معه القوى الأمنية والسلطة المحلية وأمن حزب الله عن لجم هذه الظاهرة التي يشكو منها الجميع، أصبحت هذه الفوضى تشكل خطراً على العيش المشترك في نظر الكثيرين، نتيجة أفعال فردية لمطلوبين وزعران كما حدث في المدرسة ولدى اعتراض طريق النائب البطريركي المطران خليل علوان منذ أسبوعين على طريق بوداي – دير الأحمر.
وفي هذا الإطار، يؤكد مصدر أمني لـ”الجمهورية” أنه أُلقي القبض على (ذو الفقار.ع)، المشبوه الرئيس في ملف سرقة المدرسة وقد اعترف بأنّ مجموعة من الشبان عاونته في فعله هذا، وأنّ الهدف كان السرقة، علماً أنّ ذو الفقار هو من أصحاب السوابق في هذا المجال، وأوضح المصدر أنّ المساعي مستمرّة للقبض على بقية المتورّطين، مضيفاً أنّ ستة شبان كانوا ضمن دورة تدريبية في المدرسة يجريها الصليب الأحمر تمّ توقيفهم والتحقيق معهم ثمّ أعيد إطلاق سراحهم بعد عملية التخريب الثانية”، ووضع القضية في خانة التخريب والسرقة والأعمال الفردية، ولفت الى أنّ ثلاث سرقات حدثت في اليوم ذاته (سرقة منزل صبحي كركلا ومنزل الشاعر نجيب جمال الدين).
من جهته، يقول المطران الياس رحال راعي أبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك وفي حديث لـ”الجمهورية”: خلال كلّ الأحداث التي مرت على لبنان لم يتمّ التعدي على مدرسة أو منزل للراهبات، أما اليوم فالأوضاع الأمنية غير المستقرّة دفعت البعض ممَّن هم ضعفاء في الأخلاق والإيمان لإغتنام الفرصة، والإصطياد في الماء العكر في بعلبك، ونحن من أبناء بعلبك ونسيجها، وإذا أزيلت القطبة التي نشكّلها فَرَط النسيج”، مستنكراً ما حدث لدير الراهبات والتعدّي على المطران علوان.
وعن المدرسة قال: هي لم تقفل أبوابها يوماً في وجه أيّ شخص، ويحدث سوءُ تفاهم دائماً بين الإدارات في المدارس والأهالي، ولكنّ هذا لا يبرّر ما حدث، محمِّلاً القوى الأمنية وأمن “حزب الله” ومحافظ بعلبك ورئيس البلدية مسؤولية أمن المدينة، وعن تعرّض الراهبات للسباب والشتائم يقول: هذا تصرّف إنسان جاهل وهو عمل فردي، ونحن نشجب هذا الأمر فالدينان الإسلامي والمسيحي يدعوان إلى المحبة والتفاهم والإنفتاح.
أما رئيس بلدية بعلبك حمد حسن فوضع التعدّي على المدرسة في إطار السرقة، “والتأويلات التي أخذتها والترجمة لهذا الفعل لا مكانَ لها عملياً على الأرض”، وقال: “إنّ نسبة السرقات في المدينة زادت في الآونة الأخيرة بسبب الكثافة السكانية ونتيجة تقصير مشترَك بين القوى الأمنية والبلدية والأوضاع الإجتماعية والتصرفات اللاأخلاقية، أما موقف الأم إميلي طنوس أفهمه ولها كلّ الحق بأن تغضب لما جرى ولكن ما قالته عن محاولة تهجير المسيحيين من المدينة لا يمتّ الى النسيج البعلبكي بصلة، فالسنة الماضية تمّ تشييد ساحة بإسم السيدة العذراء ووضع تمثال لها عند مدخل المدينة لا يبعد أمتاراً عن المدرسة.
واضاف أنّ مدرسة الراهبات هي مؤسسة تربوية راقية ومتقدمة ومتجذرة في بعلبك، وهي تضمّ طلاباً كثراً من الطائفة المسلمة، خاتماً بأنّ الأم طنوس ألغت منذ سنوات تعليم الدين الإسلامي في المدرسة ورغم هذا لم يحدث أيّ رد فعل سلبي بل تناقشنا بالمنطق والحجّة.
بدوره، يؤكد مصدر مطلع على قضية الإعتداء على المدرسة أنها محضُ شخصية، وهي تتعلق بقضايا الأقساط المتراكمة على الأهالي، الذين كانت الأم طنوس قد وجّهت إليهم إنذاراتٍ مرّتين عبر محامي المدرسة، ما أثار غضب بعضهم ففعل ما فعل.