وليد خدوري
توصّلت الحكومة الإسرائيلية في 13 آب (أغسطس)، إلى اتفاق مع شركات الغاز العاملة في المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة للدولة العبرية، ما أنهى خلافات بدأت إثر قرار رئيس لجنة مكافحة الاحتكارات ديفيد جيلو، في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، الذي طالب الشركات ببيع كل حصصها أو بعضها في حقول الغاز المكتشفة، والسبب أن كل الاكتشافات البحرية المهمة حقّقتها شركة «نوبل إنرجي» الأميركية وشريكتها الإسرائيلية «مجموعة ديليك»، ما يشكّل احتكاراً لإمدادات الغاز إلى السوق الإسرائيلية الداخلية، والى احتكار أسعار الغاز وإمداداته المحلية، وإلى احتكار أسعار الكهرباء المحلية، ما يضرّ بمصالح المستهلك المحلي وكذلك الاقتصاد الإسرائيلي.
ورفضت الشركات العاملة فرضيات لجنة مكافحة الاحتكارات وقراراتها، وجمّدت أعمالها، فأوقفت إنتاج الغاز من حقل «تامار»، وأوقفت تطوير حقل «ليفاياثان» وتطوير كلّ من حقلي «تانين» و «كاريش»، إلى حين الاتفاق مع الحكومة على أسس مختلفة للعمل. وهذا ما حصل مع اتفاق 13 آب. والأهم من ذلك إقليمياً، فتح الاتفاق المجال مرة ثانية للتفاوض مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، لاستيراد الغاز الإسرائيلي بعد إلغاء معظم العقود السابقة خلال الشهور الستة الماضية، على إثر الخلافات في صناعة الغاز الإسرائيلية.
ويُعتبر الاتفاق انتصاراً سياسياً مهماً لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ جرى التوصّل من جهة إلى حلول توافقية مع الأحزاب المشتركة في الحكومة الائتلافية، التي طالبت بحفظ حقوق المستهلكين بالحصول على أسعار مناسبة للغاز المحلّي وكسر احتكار الشركات، ومع الشركات العاملة التي دافعت عن حقّها في تحقيق الأرباح بعدما تحمّلت المخاطرة في منطقة بترولية جديدة وخاضعة لنزاعات سياسية وعسكرية مستمرة، واكتشفت الغاز واستثمرت بلايين الدولارات. ولولا هذا الاتفاق، لبقيت صناعة الغاز الإسرائيلية متوقّفة.
هناك أمور لافتة للنظر في الاتفاق، فبعد انتخابات الكنيست الربيع الماضي، شكّل نتنياهو مباشرة إثر إعادة انتخابه رئيساً للحكومة، لجنة من كبار مستشاريه الاقتصاديين ليحققوا الأهداف الآتية: إعطاء الأولوية اللازمة لحل الخلاف بين رئيس لجنة مكافحة الاحتكارات والشركات العاملة، والتوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن، والوصول إلى حلّ توافقي بين الشركات والحكومة الإسرائيلية. وتحقق معظم هذه الأهداف.
ركّز الاتفاق على ثلاثة بنود رئيسة: الأول، المعادلات السعرية لبيع الغاز، والثاني، جدول العمل وحجم الاستثمارات في تطوير حقل ليفاياثان (أكبر حقل إسرائيلي للغاز يقدَّر احتياطه الغازي بـ22 تريليون قدم مكعبة أو 620 بليون متر مكعب، إضافة إلى 40 مليون برميل من المكثفات)، والثالث، التزام الحكومة بعدم تغيير بنود العقد لفترة طويلة.
ينصّ الاتفاق النهائي على تبنّي معادلتين سعريتين للغاز المحلي، الأولى للغاز الذي ستزوَّد به المصانع، وسيبلغ سعره نحو 5.10 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وتتعلق الثانية بالسعر المخصص لمحطات الكهرباء، التي ستستهلك غالبية إمدادات الغاز إلى السوق المحلية، فسيبلغ السعر نحو 4.70 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. واعتمدت المعادلتان على أسعار الوقود البترولية المستعملة في المصانع الكيماوية والبتروكيماوية من ناحية، وعلى أسعار الوقود المستعملة في محطات الكهرباء من ناحية أخرى، إضافة إلى معدل سعر «برنت» في الأسواق العالمية.
ويحدّد الاتفاق خريطة طريق لتطوير حقل «ليفاياثان»، فهو ينصّ على تطوير الحقل خلال سنتين من الآن، وأن تنفق الشركات العاملة نحو 1.5 بليون دولار خلال العامين المقبلين لإنجاز التطوير. ويجب على الشركات إنفاق نحو أربعة بلايين دولار لتطوير الحقل خلال السنوات الخمس المقبلة.
ووافقت الشركات على «بند استقرار العقود»، بالنسبة إلى ملكياتها في الحقول المهمة التي اكتشفتها حتى الآن، وكان هذا مطلباً أساسياً للشركات على ضوء الخلاف مع لجنة مكافحة الاحتكارات. ويعني هذا التزام الحكومة بعدم تغيير البنود الأساسية للعقود، وتحديد نسبة ملكية الشركات في الحقول المكتشفة لفترة تمتد حتى 2025. واللافت أن هذا الاتفاق مع الحكومة الحالية يلزم الحكومات المتعاقبة بتبنّي هذا العقد، لكن لا يلزم الكنيست بعدم اتخاذ قرارات مغايرة لاحقاً.
ومن أهم ما يشمله «بند استقرار العقود»، أن الشركات غير مضطرة الى تغيير ملكيّتها في حقل «ليفاياثان». لكن يحق للحكومة أن تطلب من الشركات تبنّي سياسات تسويقية مختلفة للغاز بعد 10 سنين من الإنتاج أو أقل، في حال وجدت ضرورة لذلك، وهذا يسمح بتحقيق التنافس في نظر الحكومة من دون تغيير حصة الشركات في حقل «ليفاياثان». لكن الاتفاق ينصّ على تخلّي «مجموعة ديليك» عن حصصها في حقل «تامار» خلال ست سنوات. وكان «تامار» بدأ الإنتاج ربيع العام الماضي.
ويحق لـ «نوبل» أن تبقى الشركة العاملة في «ليفاياثان»، مع تقليص حصّتها إلى 25 في المئة خلال الفترة الزمنية نفسها. ويجب على شركات «مجموعة ديليك» بيع حصصها في حقلين صغيرين لم يجــــرِ تطويرهما حتى الآن، وهما حقل «تانين» و «كاريش»، والأخير هو أقرب حقل غاز إسرائيلي الى المياه اللبنانية.