رسلان منصور
تشير بعض المعطيات الى أن عكار تحتل المرتبة الثانية بعد البقاع على مستوى المحافظات في انتاج العنب، وتتنوع أصنافه بحسب المنطقة الزراعية والارتفاع عن سطح البح، فهي تنقسم بين بعلية في الوسط، وصولاً الى العنب الجردي، وتنتشر في عكار عشرات الأصناف من بين أبرزها «الحلواني الزيني والبلدي، والبيتموني، الفرنسي، الجوزاني، الكرومي، المداويرة، والحزيراني (..)«، الى عشرات الأصناف غير البذرية، ويعتبرها الخبراء من الزراعات الواعدة اقتصادياً، نظرا لإنتاجها الغزير والمبكر، وأشهرها «بيرلت، سبيريور، وايرلي، وسلطانينا».
كما تشير بعض التقديرات الى أن عدد الأشجار في منطقة عكار يتجاوز المليون ومئتي ألف شجرة منتشرة في مشاريع مستقلة وحيازات في سهل عكار، تنتج ما مقداره 9 آلاف طن تقريباً، كذلك تشير الأرقام أيضاً الى أن هذه الزراعة تشكل احد المصادر الرئيسية للدخل الزراعي على مستوى المنطقة، حيث تترواح مساهمته من 2.3 – 9.5 في المئة من قيمة الإنتاج الزراعي بمساحة تقدر بنحو 20 600 دونمذ من الأراضي البعليه، فيما تبلغ المساحة المروية حوالي 996 دونماً.
في هذا السياق، يؤكد مزارعو العنب العكاري أن «معدل انتاج الدونم في العادة يترواح بين 750-1750 كلغ، فيما يعمل في هذا القطاع ما يقارب الألف مزارع، وتتركز في بلدات ومناطق الحاكور- منيارة-كرم عصفور-جديدة الجومة-الشيخ محمد- حلبا، عرقة، وصولاً الى تلعباس غربي وشرقي، وفي رحبة وجبرايل وعدبل والقنطرة على ارتفاع فوق الـ400 متر. ويتربع عنب هذه القرى على عرش الأسواق المحلية ويمتاز بشهرة وجودة عالية في الأسواق وبالطلب المتزايد عليه«.
وتخلص الأرقام إلى أن «العنب يأتي في المرتبة الثانية بعد الزيتون، بينما يحتل الليمون المرتبة الثالثة على مستوى الزراعة في عكار، رغم التراجع الكمي في هذه الزراعة في السنوات الأخيرة نظراً للمنافسة الكبيرة التي كانت تشهدها الأسواق العكارية والشمالية وارتفاع أسعار اليد العاملة، وكذلك الأدوية والأسمدة، كما التكلفة الباهظة التي يتم هدرها على مكافحة الآفات والأمراض الحشرية، والفطرية، البكتيرية الفيروسية، وتلك المرتبطة بالعوامل المناخية، بحيث يؤكد المزارعون أن انتاج هذه العام هو ما دون السنوات الماضية بسبب حبيبات البرد، التي تساقطت متأخرة في نهاية أيار، وبداية حزيران ما أدى الى تلف البراعم وزيادة الأمراض المختلفة وخصوصاً الفطرية. اضافة الى كل هذه المشاكل، بات واضحاً أن ما أصاب القطاع الزراعي عموماً أي موضوع التصدير واقفال الحدود البرية، وما أصاب أيضاً قطاع النقل البري والشاحنات من انتكاسات كبرى انعكس أيضاً وبشكل كبير على زراعة العنب بعد اقفال الحدود السورية، وبات أن السوق المحلية تعاني من احتمال كساد المواسم مع بلوغ القطاف مرحلته المتوسطة، رغم أن الأسعار في بداية الموسم كانت مرضية بحسب ما يؤكده المزارعين، إذ أن الأسعار مع مطلع هذا الشهر تراوحت بين ألفي وثلاثة آلاف وخمسمائة ليرة لليكلوغرام بالمفرق وفق نوعية العنب وهذه أسعار جيدة الى الآن، لكن فيما لو حصل ما هو غير متوقع فإن المزارعون يتوقعون أن يتحول قسم من الانتاج نحو صناعة النبيذ واستخراج منتوجات أخرى من العنب كالخل والزبيب والدبس، وهذا ما قد تساعد في السيطرة على السوق والمحافظة حتى منتصف الموسم على سعر متوسط لا يصيب التاجر مقتلاً، ويسمح بتصريف الانتاج المحلي والتعويض على بعض الخسائر، وحتى جني بعض الأرباح.
تخوف من تراجع الأسعار
أمام هذا الواقع، فإن المزارعين من ذوي الدخل المتوسط وما دون أعربوا «للمستقبل» عن تخوفهم من التقلب المحتمل في الأسعار وعدم ضبطها مع أي طارئ قد يحصل، سواء أكان أمنياً أو مناخياً، فموجة الحر مخيفة، وهذا ما قد يحدث تقلبات محتملة انخفاضاً في الأسعار، نظراً لأن أنواع عدة بدأت بالنضوج سريعاً، وبالتالي فإن خيارات السيطرة على موضوع العرض والطلب يصعب شيئاً فشيئاً ما سيؤدي الى بعض الخسائر.
في هذا السياق، يلفت المزارع خالد لعلع ـ من ضامني مشروع عنب في بلدة القليعات، إلى «أننا نتطلع الى التعويض عن خسائرنا في حال سارت الأمور على ما هي عليه بالقدرة على التصريف والبيع، هذا إذا استمرت الأوضاع الأمنية على حالها ولم تحصل انتكاسات تمنع تصريف الانتاج العكاري في أسواق الجنوب وبيروت والمحافظات الأخرى«.
وأضاف «من دون أدنى شك فإن الحرارة التي شهدناها في الأسبوعين الأخيرين أنتجت حرائق كبيرة قضت على الكثير من العرائش والدوالي في الحوافي والتلال، ما خفض من كمية الانتاج، اضافة الى أن «الشلهوبية» ساهمت في الانضاج السريع وتساقط العناقيد وانتشار للأوبئة بحيث أتت أيضاً على كميات من الانتاج«، مناشداً وزارة الزراعة والهيئات الارشادية والمهندسين «شرح التعليمات والارشادات للمزارعين وتكثيف الزيارات الميدانية والندوات التوجيهية للمكافحة والحماية، كل ذلك للحد أو التخفيف من الأضرار«.
وقال رئيس نقابة الأشجار المثمرة في عكار والشمال محي الدين الرفاعي، ان «المزارع العكاري يترنح كمن يسير في حقل من الألغام، فما يكاد يخرج من كارثة، لتنهال عليه أخرى، هكذا هو الحال في العنب كما في البطاطا والحمضيات وسواها، عدا أن التقلبات المناخية أصبحت شراً مطبقاً يكاد يطيح بكل الزراعات. فما بين ارتفاع غير مسبوق في الحرارة، الى موجات من البرد الكبير الحجم والأمطار المتأخرة الغزيرة، كل ذلك أسهم في اتلاف المواسم على اختلافها ومنها هذه الزراعة التقليدية«. وأضاف «نحن أشرنا في أكثر من مناسبة الى أن هذه الزراعة تشكل مورد رزق المئات وإلى جانب الخسارة التي حلت بمواسمهم، تأتي تكلفة المكافحة والمبيدات ونوعيتها البالغة والباهظة الاثمان، هذا عدا نوعية المبيدات المهربة والتالفة والتي قد لا تخضع لأية مراقبة، اضف الى الحراثة والأدوية الزراعية وأجرة اليد العاملة في التوريق والتشحيل والريّ والتفريك والقطاف، وغيرها من المتطلبات، كل ذلك استهلك جيوب المزارعين، فضلاً عن الاستدانة وتراكم الفوائد، لكن اليوم فإن الأخطر هو «القيظ الأخير» بدد أحلامنا وقضى على ثلثي الإنتاج، باعتبار أن ما تبقى من الموسم مجهول المصير«.
وأعرب عن قلقه حيال مصير عشرات الأسر التي تعتمد على مواسم العنب، من أصحاب الملكيات الصغيرة والمتوسطة، والتي باتت ترزح تحت عبء الديون وفوائدها المتراكمة، و«هنا لا نقول بالتعويض فهذا أيضاً أمر مستحيل ولدينا تجارب كثيرة مع الدولة في موضوع التعويضات والكشوفات وغير ذلك، (أي يعطوك من الجمل أذنه)، ما يعيننا حالياً انتظار الانفراجات في السوق وضبطها حتى نهاية الموسم، بما يعوض بعض الخسائر».
«الزراعة» تضبط كمية من العنب المهرّب
اعلنت وزارة الزراعة في بيان انها ضبطت كمية من العنب المهرّب من سوريا الى لبنان يتم بيعها في اسواق الفرزل وقب الياس في البقاع وطرابلس، وقالت انها احالت المخالفين على القضاء.
واصدرت الوزارة بياناً في هذا الاطار امس جاء فيه: «في إطار حماية الانتاج الزراعي اللبناني، ولما كان وزير الزراعة أكرم شهيب سبق ان أصدر قراراً منذ أكثر من شهر ربط بموجبه استيراد الانتاج الزراعي، وبخاصة الخضار والفاكهة من سوريا الى لبنان بإذن استيراد مسبق.
ولما كان وزير الزراعة وجّه عدة كتب إلى الأجهزة الأمنية والجمارك طالباً ضبط عمليات تهريب الانتاج الزراعي عبر المعابر الحدودية، الشرعية وغير الشرعية من سوريا الى لبنان.
ولما تبيّن لفرق عمل وزارة الزراعة وجود كميات من العنب السوري في أسواق الجملة ومحلات البيع، قامت المصالح الاقليمية، التابعة للوزارة بالكشف على هذه الأسواق والمحلات للتأكد من مصدر المنتوجات الزراعية وخاصة العنب، وتبين بنتيجة الكشف أن كميات العنب دخلت بواسطة التهريب من سوريا الى لبنان ويتم بيعها في أسواق الفرزل وقب الياس في البقاع وطرابلس في الشمال.
وبعد الاتصال بالنائب العام الاستئنافي في البقاع، قامت فرق وزارة الزراعة بالتنسيق مع المباحث الجنائية وقوى الأمن الداخلي بضبط ومصادرة كميات من العنب بعد ان تمّ التأكد من مصدرها وتنظيم محاضر ضبط على أن يتولى القضاء المختص محاسبة المخالفين، كما تم الاتصال بالنائب العام الاستئنافي في الشمال وبمحافظ الشمال وطلب الوزير شهيب مؤازرة الجيش اللبناني لضبط الكميات المهربة في طرابلس.
وتحذر وزارة الزراعة التجار وأصحاب المحلات التجارية والقيمين على أسواق الخضار والفاكهة من عرض وبيع أي منتج زراعي مستورد بطرق غير شرعية وستحيل الوزارة كل المخالفين والمرتكبين على القضاء المختص وذلك حماية للإنتاج الزراعي اللبناني«.